د. عبد القادر فارس
أمد/ التواريخ أعلاه ، أيام مهمة في تاريخ الشعب الفلسطيني ، أكدت وجود فلسطين على الخارطة السياسية الدولية ، لكن للأسف أن بعض المُحبِطين ( بكسر الباء ) ، من فصائل الشعب الفلسطيني ، أو من يحمل لواء المعارضة لمنظمة التحرير الفلسطينية ، والسلطة الوطنية ، يعتبر أم ما اتخذ في هذه التواريخ ، أشياء رمزية ، لا تقدم شيئا للقضية الفلسطينية ، ويقولون ماذا جلب إعلان الاستقلال في الجزائر يوم الخامس عشر من نوفمبر عام 1988 ، وماذا استفدنا من إعلان فلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر 2012 ، وماذا يعني اليوم تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يعتبر دولة فلسطين عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة ، وأن كل ذلك ما هو إلا خطوات رمزية ، لن تفيد القضية الفلسطينية ، ولن تقيم الدولة الفلسطينية .
وبالعودة إلى التواريخ المذكورة ، فإن إعلان الاستقلال الذي جاء في خضم انتفاضة الحجارة ، الانتفاضة الأولى ، بعد أقل من عام على انطلاقتها ، الذي تم من أرض الشهداء في الجزائر ، الذي كتبه الشاعر الكبير محمود درويس ، وقرأه الرئيس الراحل ياسر عرفات من على منصة قصر الصنوبر ، في دورة المجلس الفلسطيني ، بتوافق فلسطيني أكد وحدة الصف الفلسطيني ، وهو الإعلان الذي نص على إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ، دون حضور حركة “حماس” ، التي كان قد مضى على تأسيسها أقل من عام ، ولم تكن ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية ، أو المجلس الوطني الفلسطيني.
مع نهاية العام 1988 ، وبعد نحو شهر من إعلان الاستقلال ، كانت 80 دولة قد اعترفت بدولة فلسطين ، وتواصلت الانتفاضة الشعبية بالتزامن مع النضال السياسي والدبلوماسي ، فكان مؤتمر مدريد 1991 ، ثم إعلان أوسلو عام 1993، وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 ، بداية باتفاق ( غزة – أريحا أولا ) وتمدد ذلك لباقي أنحاء الضفة الغربية لاحقا.
بدات حركة ” حماس ” بمحاولات تخريب خطوات منظمة التحرير والسلطة الوطنية للسلام ، مؤكدة حسب ميثاقها ، أن دولة فلسطين هي من النهر للبحر ، وان الكفاح المسلح هو الوسيلة الوحيدة لتتحرير فلسطين ، وبدأت سلسلة عمليات تفجيرية داخل إسرائيل ، وجاءت النتفاضة الثانية ( انتفاضة الأقصى ) عام 2000 ، وبدأ الرد الإسرائيلي بتدمير مؤسسات السلطة الوطنية ، ثم محاصرة الرئيس ياسر عرفات ، إلى غاية استشهاده يوم 11 نوفمبر 2004.
بعد رحيل الزعيم ياسر عرفات ، عين أمين سر منظمة التحرير الأخ محمود عباس ( أبو مازن ) رئيسا للمنظمة ، وتقرر إجراء انتخابات لرئاسة السلطة الوطنية ، ( قاطعنها حركتا حماس والجهاد ) حيث رشحت حركة “فتح” أبو مازن لخوض الانتخابات المقررة يوم 9 يناير 2005 ، وترشح مقابله ثمانية مرشحين حزبيين ومستقلين ، وفاز أبو مازن بالرئاسة بنسبة 62.5%.
بعد عام على انتخاب أبو مازن رئيسا للسلطة ، جرت انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني ، وشاركت فيها حركة حماس ، بعد أن قاطعت انتخابات 1996 ، وفازت حماس بالأغلبية ، وشكلت لوحدها الحكومة العاشرة للسلطة الوطنية في مارس 2006 ، بعد رفض كافة القوى والفصائل الفلسطينية المشاركة فيها ، وبعد عام على تشكيلها وبسبب عدم تمكنها من أداء مهمامها في الضفة الغربية ، ومقاطعتها من المجتمع الدولي ، الذي يعتبر “حماس” حركة إرهابية ، أقال الرئيس عباس رئيس حكومة حماس إسماعيل هنية ، ثم كلفه بتشكيل ( حكومة وحدة وطنية ) في مارس 2007 ، لكن بدأت الخلافات تتصاعد بين حركتي فتح وحماس ، وحرت أحداث دموية انتهت بانقلاب حماس ، واستيلائها على قطاع غزة في 17 يونيو 2007 .
واصلت القيادة الفلسطينية مساعيها السياسية والدبلوماسية في المحاقل الدولية , وصولا لتاريخ 29 نوفمبر 2012 ( يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني ) ، حين اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بالأغلبية باعتبار دولة فلسطين ( عضوا مراقبا ) وليس “كيانا” في الأمم المتحدة ، ورفع الرئيس محمود عباس علم فلسطين إلى جانب أعلام 193 دولة هم أعضاء الجمعية للأمم المتحدة .
وتواصل العمل الدبلوماسي ، وتعزز الوجود السياسي لدولة فلسطين في الساحة الدولية ، فيما كان قطاع غزة يشهد منذ استيلاء حماس على القطاع ، حربا بواقع كل سنتين مرة ، فكانت حرب يونيو 2006 ، ثم 2008 ، ثم 2012 ، ثم حرب الواحد وخمسين يوما عام 2014 ، وحروب قصيرة 2020 ، 2021 ، وصولا إلى الحرب التدميرية القائمة منذ سبعة اشهر ، بينما كانت السلطة الوطنية تحارب من قبل اسرائيل ، وتوصف بأنها تمارس ( الإرهاب السياسي ) وحوصرت ماليا , وازداد الاستيطان والاعتداءات الإسرائيلية .
وفي خضم الحرب الإجرامية على قطاع غزة ، بالإضافة على ما يجؤي في الضفة الغربية من اقتحامات للمدن والمخيمات في الضفة الغربية ، وجرت أعمال اغتيل وقتل بالمئات , واعتقالات بالآلاف ، واصلت القيادة الفلسطينية مساعيها لوقف الهجمة البربرية على القطاع والضفة والقدس ، فكان المشروع الجزائري في مجلس الأمن باعتماد العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة ، يوم 19 أبريل الماضي ، لكن الولايات المتحد صوتت بــ ( الفيتو ) لإفشال القرار ، فكان القرار الفلسطيني باللجوء للجمعية العامة للأمم المتحة ، التي اعتمدت ذلك بأغلبية ساحقة ( 143 ) ، بينما عارضته اسرائيل واميركا والمجر والتشيك وخمس دول هي جزر صغيرة مجهولة في المحيط الهادي تحضع للهيمنة والنفوذ الأميركي ، بينما امتنع عن التصويت 25 دولة ، والملاحظ ارتفاع عدد المصوتين عن المرة الأولى الذي كان ( 138 ) صوتا ، بينما بقي المعارضون أنفسهم ، فيما انخفض عدد عدد الممتنعين من ( 42 ) دولة إلى ( 25 ) دولة ، والملاحظ تصويت دول أوربية كبرى إلى جانب القرار مثل فرنسا وإسبانيا ، بالإضافة إلى اليابان التي كانت تمتنع عن التصويت في القرارات الخاصة بفلسطين.
كان مقتل إسرائيل الدائم هو السلام ، وان ملعبها الذي تسعى إليه دوما ، وفق النظرية الأمنية التي تأسست عليها دولة الاحتلال ، والذي تعتاش عليه ، الحروب الدائمة ، ولذلك قال رئيس وزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق شامير ، عندما أجبر عام 1991 على المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام ، سنفاوض الفلسطينيين لمدة عشرين عاما ، دون أن يتمكنوا من الحصول على دولة ، وبعد أن تم توقيع اتفاق أوسلو للسلام في البيت الأبيض عام 1993 ، وإقامة أول سلطة فلسطينية على الأرض الفلسطينية عام 1994 ، وعودة الزعيم ياسر عرفات ، وانتخابه رئيسا للسلطة عام 1996 ، تحركت القوى اليمنية المتطرفة في إسرائيل ، واغتالت رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين ، الذي وقع اتفاق السلام ، وبدأت عملية تخريب اتفاق السلام ، الذي شاركت فيه حركة حماس ، بوعي أو بدون ، من خلال الذهاب للملعب الإسرائيلي ، فكانت الحروب الشرسة لجيش الاحتلال ضد السلطة الوطنية في الضفة والقطاع .
وجاء تاريخ السابع من أكتوبر الماضي ، لتذهب حماس مرة أخرى للملعب الذي تجيده وتريده إسرائيل ، وتسعى إليه دائما ، وجاء الرد الإسرائيلي الهمجي الإجرامي التدميري على قطاع غزة ، والذي أدى جتي الآن إلى استشهاد أكثر من 35 ألف مواطن ، واكثر من 15 ألف مفقود تحت الأنقاض ، واكثر من 80 ألف مصاب وجريح ، وآلاف الأسرى في الضفة والقطاع .
خلال الأشهر السبعة الماضية جرت محاولات من الوسطاء لوقف الحرب وهدن لتبادل الأسرى ، نجحت لمرة واحدة في نوفمبر الماضي لمدة أسبوع ، وبدات الشروط والشروط المضادة من جانبي حماس وجكومة الاحتلال ، وفشلت جميع المحاولات من قطر ومصر وفرنسا والولايات المتحدة ، إلى أن وصلنا إلى إعلان حركة حماس موافقتها على المقترح المصري الأخير ، وخرج أهلنا في قطاع غزة فرحين مهللين بإعلان حركة حماس ، لكن إسرائيل ردت بأن بعض شروط حماس لا يمكن التوافق عليها ، قررت غزو رفح ، واحتلت معبر رفح ، واجتاحت المناطق الشرقية ، وبدا نزوح عشرات الآلاف من رفح نحو وسط وجنوب القطاع ، في مشاهد النزوح الثالث أو الرابع ، وبالتزامن بدأت قوات الاحتلال الهجوم على جباليا وبيت لاهيا شمال ، والطلب من الأهالي النزوح لغرب غزة ، بينما كانت تتقدم الدبابات وسط قصف الطائرات على حي الزيتون ، بحجة عودة مقاتلي حماس للمقاومة في الشمال ومدينة وغزة .
في هذه الأثناء بدأت تصريحات وتحركات قيادة حركة حماس ، تقول إن الحركة تقبل بوقف الحرب مقابل صفقة تبادل للأسرى ، وعودة النازحين للشمال ، وإعمار غزة ، والقبول بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 ، واعلن الرئيس التركي الطيب رجب أردوغان يوم أمس ، بعد لقاءات واتصالات مع قادة حماس ، ان حماس تقبل بحل الجناح العسكري لحركة حماس ( كتائب القسام ) والتحول لحزب سياسي . في إطار حل الدولتين ، بعد إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .
للأسف أن قرارات حماس تأتي متاخرة دوما ، وأدى ذلك إلى كوارث لحقت بالشعب الفلسطيني ، فبعد أن كانت حماس تطالب بفلسطين من النهر للبحر ، فها هي اليوم تقبل ما كانت قد قبلت به منظمة التحرير في الجزائر عام 1988 ، وفي مدريد وأوسلو وواشنطن عام 1993 ، ويتكرر ذلك أيضا في هذه الحرب برفض اتفاق باريس لوقف النار وتبادل الأسرى في شهر ديسمبر الماضي , وتعود اليوم للقبول بما هو أقل في عرض الوسطاء الأخير.
هذه تواريخ ستسجل في حياة الشعب الفلسطيني ، وعلى المتنطعين والمعارضين والمشككين والجهلة ، بما أحدثه النضال السياسي والدبلوماسي ، والمقاومة السلمية والنضال الشعبي ، أن هذا ما يؤذي إسرائيل ، وان الحروب هي الملعب الإسرائيلي الذي تسعى إليه ، لكي لا تنفجر الأوضاع الداخلية في إسرائيل .
كان علينا في ظل الموازين القائمة ، ألا ننجر للملعب الذي تجيد اسرائيل اللعب فيه ، لأن مقارعة إسرائيل يستلزم القوة المضادة ، والله تعالي يقول : ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ، ومن رباط الخيل ” ، ونحن ليس لدينا القوة ، ولا يوجد في عالمنا العربي ، وفي أمتنا الإسلامية من يدعمنا ، وليس لدينا ( الخيل ) الأصيلة القادرة على المواجهة ومواصلة المشوار ، بل لدينا رهط من ( الحمير) غير القادرة على تحمل الأعباء والأثقال .