طه خالد منصور
أمد/ على الرغم من التحذيرات الدولية المتزايدة بشأن توسيع عمليات الجيش الإسرائيلي في مدينة رفح، طلب قوات الاحتلال من سكان أحياء في وسط المدينة أن يُخلوها فورًا. حيث توغلت قوات إسرائيلية في مناطق شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، كما طالب الجيش الإسرائيلي سكان مناطق واسعة في شمال القطاع بإخلائها والتوجه نحو غرب مدينة غزة. وقد أسفرت سلسلة غارات إسرائيلية عن وقوع عشرات القتلى والجرحى في مناطق متفرقة من القطاع
وسع الجيش الإسرائيلي هجماته البرية والجوية، بشكل متزامن في جميع محافظات قطاع غزة بعد مطالبته بتهجير أهالي مناطق واسعة في شمالي القطاع ووسط مدينة رفح (جنوب) وتوغله في جنوبي مدينة غزة وشرقي خان يونس (جنوب) إضافة لتنفيذه سلسلة غارات عنيفة أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى بمناطق متفرقة من القطاع.
ويتضح أن قوات الاحتلال تريد تجميع النازحين في رفح بمنطقة المواصي الواقعة على الشريط الساحلي للبحر المتوسط، وتمتد على مسافة 12 كلم وبعمق كيلومتر واحد، من دير البلح شمالا، مروراً بمحافظة خان يونس جنوبا، وحتى بدايات رفح أقصى الجنوب. وتعد المنطقة مفتوحة إلى حد كبير وليست سكنية، كما تفتقر إلى بنى تحتية وشبكات صرف صحي وخطوط كهرباء وشبكات اتصالات وإنترنت، وتقسم أغلب أراضيها إلى دفيئات زراعية أو رملية.
منذ اليوم الأول، حدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ثلاثة أهداف رئيسية للحرب: إعادة الرهائن، والقضاء على حماس، ومنع غزة من تشكيل تهديد مستقبلي لأمن إسرائيل. والآن بعد أن أصر على مواصلة الحرب، فإنه يظهر تصميماً على الوفاء بوعوده السابقة. لكن معارضته لاقتراح الصفقة الأخير الذي قبلته حماس يظهر أن مرونته تحت ستار جهود الوساطة لم تعد مجرد أداة من أدوات الخداع لديه. محاولة شراء المزيد من الوقت من خلال تضليل الرأي العام الإسرائيلي والعالم. مواصلة الحرب لأطول فترة ممكنة
طوال أشهر الحرب الطويلة، عارضت الولايات المتحدة العديد من التحركات الإسرائيلية، لكنها لم تتمكن من وقفها. وهذا ليس لأن إدارة بايدن لم تكن قادرة على ممارسة الضغط الكافي على رئيس الوزراء نتنياهو. ولتجنب مثل هذه الإجراءات، فضلت منذ فترة طويلة التماهي مع رئيس الوزراء نتنياهو، الذي أصبح مقتنعا بشكل متزايد بأن بايدن أكثر خداعا منها. ولذلك فإن الإجراءات العقابية الأميركية ضد إسرائيل والتهديد بتكثيفها لن يكون لها أي تأثير إلا إذا نجحت في منع نتنياهو من مواصلة تقدم حكمه في رفح.
ولم يكن العالم بحاجة إلى دليل آخر على أن نتنياهو لا يريد لهذه الحرب أن تنتهي. وقد يكون الهدف من التحرك الإسرائيلي الجزئي في رفح هو ممارسة الضغط على حماس. التوصل إلى اتفاق بشروط أكثر ملاءمة لرئيس الوزراء نتنياهو. وقد يؤدي تصعيد الهجوم على رفح إلى زيادة التوترات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ومع ذلك، فمن المعروف أن الحكومة الأمريكية لا تتمتع حتى الآن بنفوذ كافٍ على رئيس الوزراء نتنياهو للنظر في الانسحاب من الحرب.
ويمثل قرار حركة حماس في قبولها هدنة وقف إطلاق النار نقطة تحول حاسمة. وذلك بالتزامن مع التقارير التي تفيد بأن إدارة بايدن علقت إرسال شحنات أسلحة إلى إسرائيل، وبالتالي ساهمت بإرجاء عملية نتنياهو في رفح. إن سعي نتنياهو منذ البداية في مواصلة هذه الحرب وتوسيعها إقليمياً يمثل أكبر عقبة أمام جهود وقف إطلاق النار.
بالإضافة إلى ذلك، لم يعد يُنظر إلى حماس على أنها طرف لا يقبل المساومة. لكن حكومة نتنياهو ومؤيدي إسرائيل في أمريكا اتخذوا بالفعل موقفاً متطرفاً، حيث أشاروا إلى أنه لن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي ما لم تستسلم حماس أو يتم تدميرها بشكل كامل.
ويتعين على إدارة بايدن، التي لا تنكر أنها علقت إرسال شحنات الأسلحة، أن تزيد الضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار، لأن خطاب نتنياهو والجماعات الأمريكية الموالية لإسرائيل هو مواصلة الحرب حتى تدمير حماس بالكامل. وتبدي إدارة بايدن معارضتها للعملية البرية في رفح، لكنها تجد صعوبة في الضغط على تل أبيب.
الرسائل بين إسرائيل وحركة حماس كانت شديدة اللهجة، حيث حاولتا بعث رسالة مفادها أن التكاليف ستكون باهظة من خلال إظهار استعدادهما للصراع. إن التصريح بأن حماس قبلت وقف إطلاق النار في أعقاب هذه الرسائل كان من شأنه أن يحدث تأثيرًا حاصر حكومة نتنياهو، التي كانت تحت ضغط الرهائن من شعبها.
إعلان حماس بالتخلي عن موقفها المتشدد (الإصرار على وقف دائم لإطلاق النار) في الوقت الحالي يشكل تحركاً سليماً من الناحية السياسية، حيث أن فشل حكومة نتنياهو في قبول وقف إطلاق النار يثبت بوضوح أنها غير مهتمة بعودة الرهائن الإسرائيليين. ولهذا السبب شعر نتنياهو بضرورة الإعلان عن إرسال وفد إلى المحادثات، لكن مصادر إسرائيلية حاولت أيضاً تخفيف الضغط على الاتفاق من خلال تسريبها للصحافة أن الاتفاق الذي قبلته حركة حماس يختلف عن الذي تعرفه إسرائيل.
وعلى الرغم من الخسائر السياسية لعمليات نتنياهو في غزة، فقد وضع بايدن فرص انتخابه لولاية ثانية في نوفمبر تحت خطر كبير باسم دعم إسرائيل. من جهة أخرى، فإن الرد الإسرائيلي المتردد على قبول حركة حماس لوقف إطلاق النار، من خلال مواصلة المحادثات وبدء عمليات رفح، يزيد من إضعاف إمكانية التوصل إلى وقف حقيقي لإطلاق النار.
لا تستطيع وسائل الإعلام الأمريكية والغربية التستر على الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين التي ترتكبها إسرائيل. ويطالب اليسار التقدمي والوسطي للديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي، إدارة بايدن بتعليق شحنات الأسلحة إلى إسرائيل. هذه المطالبات الموقعة من شخصيات مهمة وكانت معروفة بتأييدها لإسرائيل، تُحرج الرئيس بايدن. يمكننا القول أن معارضة شباب الحزب الديمقراطي- الذين لعبوا دور كبير في الانتخابات، للدعم غير المشروط لإسرائيل، كان لها تأثير كبير في نشر تلك المذكرة.
ومن المشكوك فيه أن بايدن، الذي يعانىي من فقدان سمعته داخليا وخارجيا، سيفي بمتطلبات ” مذكرة الأمن القومي ” فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الأمريكية التي يتم شحنها إلى الخارج. وتتولى وزارة الخارجية الأمريكية مسؤولية مراقبة ما إذا كانت إسرائيل تلتزم ببنود المذكرة. وبحسب المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام الأميركية، فإن التقارير التي وردت إلى وزارة الخارجية الأمريكية تشير إلى أن إسرائيل لا تتصرف وفق الشروط وأن الإبادة الجماعية تحدث أمام أعين العالم. وأن إسرائيل التي لا تعترف بأي قواعد، تواصل العرقي في غزة مستخدمة القنابل الأمريكية.
الصورة لا تزال مشوَّشة، وفي الوقت نفسه الذي قبلت فيه «حماس» باقتراح الوسطاء شنَّت إسرائيل غارات متكررة على مناطق في رفح، وأيضاً أسقطت منشورات تحثّ السكان على الرحيل إلى مناطق أخرى، حيث استجاب لها كثيرون، وذلك أمام كل العالم ومن دون الاهتمام كثيراً للمقترح حتى الذي تؤيده الولايات المتحدة.
تضيق فرص الوصول إلى حلول سياسية، في ظل كلا الطرفين؛ اليمين الإسرائيلي واليمين الديني، كلٌّ يعتقد أن الله معه، ويخوض حرباً صفرية.
ولأسباب سياسية ودبلوماسية واقتصادية، لا ترغب إسرائيل في الاحتفاظ بأعداد كبيرة من قواتها على الأرض في غزة، وقد فشلت في بناء أي نوع من الإدارة الفعالة في المناطق التي يفترض أنها طردت «حماس» منها، ما يضع نجاح استراتيجية الحرب التي تتبعها في قطاع غزة على المحك
وتسلط التحذيرات الضوء على مدى الصعوبة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي، وسيظل يواجهها من أجل القضاء على حركة «حماس» في غزة فعلياً. لا تزال أجزاء من «شبكة أنفاق حماس» في قطاع غزة سليمة، ولا تزال هناك مخزونات متبقية من صواريخ «حماس» مع ما يكفي من المقاتلين لإطلاقها على إسرائيل، بالإضافة إلى «دعم» للحركة بين السكان، أو «خوف» منها يسمح لها بالوجود، والعمل بأريحية في كل مكان تقريباً تغيب عنه القوات الإسرائيلية