معاذ خلف
أمد/ مثلت حركة فتح منذ نشأتها بوتقة انصهرت فيها كل التيارات الفلسطينية بغض النظر عن انتماءاتها الفكرية والأيديلوجية ، و تناقل الناس مقولة “من لا تنظيم له فإن فتح تنظيمه” ، تحول خطير حدث في الحركة بعد رحيل عرفات ، ان تتحول من حركة تحرر جاذبة مستقطبة الى حركة طاردة منفرة ، وفق رغبات أشخاص .
منذ استشهاد ياسر عرفات 2004 و الأمور داخل الحركة على مستوى القادة لم تكن تسري على ما يرام ، كانت هناك رغبة دفينة ونيه مبيته لإختطاف الحركة ، و القضاء عليها كقوة سياسية واجتماعية فاعلة ، وتجييرها لخدمة أشخاص لا قضية !
كانت البداية عندما تم فصل القيادي محمد دحلان عنوة وتعسفا من اللجنة المركزية لحركة فتح في العام 2011 واتهامه من قبل عباس بالخيانة و العمالة و التورط في اغتيال شخصيات فلسطينية ، و بالطبع كل هذه الإتهامات كانت عارية تماما عن الصحة ، بدليل أن عباس هو مهندس اوسلو و مصدق على خارطة التنسيق الأمني الفلسطيني مع اسرائيل دايتون وهذا يعني انه من قنن و شرع العمالة مع الإحتلال الإسرائيلي ، لذلك كان فصل القيادي محمد دحلان تعسفا و تعنتا و خطة واضحة في اطار التخلص من الرجال الأقوياء انفرادا بالقرار داخل حركة فتح و السلطة و منظمة التحرير .
انعكس الخلاف بين عباس و دحلان على شعبية حركة فتح داخل الشارع الفلسطيني ، و استغلت قوى موازية خارج منظمة التحرير هذا الخلاف في عمل استقطابات كثيرة لشرائح واسعة من ابناء الشعب الفلسطيني ، و اخذت حركة فتح في السقوط الحر تدريجيا الى ان اصبحت حركة تعاني من موت سريري .
تدمير حركة فتح افقد عباس القاعدة الجماهيرية المنشودة في اي انتخابات قادمة ، فهو شتت وفرق الناس عن الانتماء للحركة و لذلك فهو يتهرب من الإستحقاق الإنتخابي منذ انتهاء ولايته دستوريا في العام 2009 .
بعد ان دمرت فتح ، و فقدت السلطة وظيفتها كمفاوض للإحتلال على حل الدولتين ، لم يتبقى لعباس سوى ان يكون الحارس الأمين على اوسلو و التنسيق الأمني الذي أعلنت اسرائيل رفضه مرارا ، اي فقدت فتح والسلطة واجباتها واستحقاقاتها لدى شعبها ، واستخدم الراتب و لقمة العيش وسيلة لإرضاخ أشخاص و ابعاد أخرين وكأنها لم تكن يوما دولة بل “حاكورة عباس” !
كون القيادي محمد دحلان رفقة نخبة من أنصاره الاوفياء تيار الإصلاح الديموقراطي في حركة فتح أملا ان يتوصل لإصلاحات حقيقية في الحركة ، وان يعالج أسباب الخلاف ، و ان يحتوي ويضم كل من لفظتهم حركة فتح الأم الى حين عمل مصالحة حقيقية داخل الحركة لتستعيد حركة فتح دورها التاريخي في القضية الفلسطينية ، و هذا الدور لن يكتمل دون وجود نيه صادقة لدى محمود عباس في رتق الجرح الغائر الذي أصاب الحركة و العمل نحو استعادة وحدتها لتملأ مكانها من جديد و تتصدر العمل الوطني و النضالي ضد الاحتلال ، و قد انضم عشرات الالاف من ابناء فلسطين في غزة والضفة والقدس الى هذا التيار الذي وجدوا فيه قيم و معتقدات وسلوك فتح ياسر عرفات .
و مع ذلك في رأيي الشخصي أمام اول استحقاق انتخابي حقيقي لتكريس المصالحة الفلسطينية بين فتح و حماس سيكون على عباس عمل مصالحة داخل فتح و اعادة تيار الاصلاح الى الحركة الام حتى تكون عاملا حاسم في اي انتخابات قادمة و تتقدم العملية السياسية الفلسطينية خطوة للامام بعد جمود دام 15 عشر عاما .
المؤتمر العام الثامن للحركة فرصة جيدة لإستعادة وحدة حركة فتح ، على ان يقام في دولة صديقة كالأردن او مصر تسمح بحضور كافة الاعضاء دون اقصاء او تهميش احد ، و ان يتخذ اعضاؤه على عاتقهم اصلاح ذات البين و رتق النسيج الفتحاوي الذي تهتك بفعل سياسات فئوية .
محمود عباس و حاشيته متهمون بالفساد من قبل الادارة الأمريكية ، و في اي انتخابات قادمة هم لن يكونوا موجودون في اماكنهم ، لذلك هم يتخوفون من المصالحة و خوض الانتخابات .
“المصالحة داخل فتح ضرورة بل تكاد تكون حتمية حتى تعيد الحركة رسم الخارطة السياسية الفلسطينية ، و تعود لتسيطر على الشارع الفلسطيني ، و إلا فإن السلطة وقيادة فتح الحالية ستكون تسلم بذلك قيادة العمل الوطني الى حركة حماس واخواتها وتطوي حركة التحرر الفلسطيني فتح الى الابد . “