أمد/ بعد ثمانية أشهر من حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، لازلت أمقت القادة أثناء تصريحاتهم من خارج القطاع والذين يدعون فيها شعبهم إلى الصمود وإبداء مزيدا من التضحية في وجه أطنان من الصواريخ التي لا يواجهها سوى الموت، وهذا ما تتفنن به من ينعمون بالأمان والراحة وبعض الترف، والذين يتشاورون ويتفاوضون بشأن مستقبل شعبنا في الأرض المحروقة، ويصدرون تصريحات وبيانات تقسم ظهرنا بادعاءات صبر أهل غزة وصمودهم وأنهم خارقين، رغم أن الشعب مرغم على تحمل هذا الواقع دون وجود أي خيارات بأيديهم لتغييره حاليا، لعل بعد أن تضع الحرب أوزارها يكون الواقع الحالي قد تغير.
المقلق في الأمر هو خيبة الأمل الرهيبة التي بات يشعر بها أهالي القطاع، بسبب ترك قيادة حماس لهم في وجه آلة الحرب الإسرائيلية، وعدم اهتمامها بمعاناتهم ودمار بيوتهم، دون وضع حدا لهذه الحرب الضروس، وهذا ما ظهر في تصريحات رئيس الوزراء القطري قبل أيام عندما أكد أن المفاوضات بين حماس وإسرائيل وصلت إلى طريق مسدود، بينما تتشاور قيادة الحركة بإبداء مزيدا من الصلابة في المفاوضات والتراجع عن أي مرونة كانت قد ابدتها في بداية طريق المفاوضات، وكأن حماس هي المنتصرة حتى الآن، دون إقامة أي تقدير لكل آلامنا ومعاناتنا ومطالبنا بوضع نهاية لهذا الجنون المستمر، نحن نعيش كل تفاصيل الحرب ولا كلمة لنا ولا شراكة في اتخاذ القرار للأسف.
ومن أشكال خيبات الأمل التي يشعر بها سكان القطاع المدمر، هو ارتفاع مستوى الادراك بأن نهاية القتال والحرب ليست قريبة، وأنهم قد يقضون سنوات في حياة النزوح والخيام والقتل المستمر والدمار، دون وجود أي أفق لديهم بعودتهم أولا إلى بيوتهم المدمرة، أو وقف الحرب غير المسبوقة وحياة التهجير التي لم تمر على القضية الفلسطينية منذ نكبة 48 والتي نعيش ذكراها هذه الأيام في ظل نكبة متجددة.
تواصل حركة حماس، ترك الشعب الفلسطيني لوحده في هذه الحرب، فيما تواصل الولايات المتحدة ببناء الميناء العائم مقابل شواطئ قطاع غزة، دون أي تعليق من حماس، أو حتى إدانة واضحة لهذا الأمر المريب التي سيكلف أمريكا ملايين الدولارات، تحت ذريعة المساعدات الإنسانية.
ولعل من يأخذ مشوارا بين خيام النازحين ومراكز الإيواء في رفح، يتعرف على قدرا كبيرا من السخط بين المواطنين من حماس وقيادتها في الخارج والداخل، وأكثر كلامهم هو أن حماس تطالب في المفاوضات الأخيرة، بما كان موجودا أصلا قبل السابع من أكتوبر، وأنها قامت بالحرب دون أي دراسة للعواقب المحتملة، أو أي غدراك بحاجيات الناس والقاعدة الشعبية التي كانت تتغنى بها دائما.
يبدو أن حماس أدركت جيدا أنها قد وقعت في فخ كبير لم تكن تحسب له حساب، أو تتوقع عواقبه، بعدما تفاجأت بالرد الإسرائيلي والدولي الصادم لها وغير المتوقع، كما أدرك قادة حماس أن هذه الحرب ليست حربها وأن موج البحر كان أكبر منها، وأنها كانت قد غشت شعبها ومناصريها بالدول الأخرى، عندما كانت تتعهد بمنع أي جندي إسرائيلي من الدخول إلى أراضي غزة، حتى أوهمت الجميع باستحالة دخول الجيش الإسرائيلي بريا لأي منطقة بغزة.
الحقيقة، هي أن حماس انسلخت عن الواقع، وتعالت على كل من كانوا ينادونها بالواقعية، واعتبرت أن كتائب القسام جيش نظامي، يمكنه مقارعة جيش الاحتلال، لكن هذه الحرب كشفت ضعفها، فيما يذبح 2.5 مليون فلسطيني معها، بينما قدمت لإسرائيل مبررات أمام العالم لاستخدام أعتى الأسلحة الثقيلة وأحدثها في قصف غزة وتدميرها، بينما رجعت حماس الى حقيقتها بعد أيام من الحرب، الى قدراتها الحقيقية.
لكن المؤسف الآن، هو مواصلة حماس تصلفها ومعاندتها وتبرير سخيف لأهداف عمليتها “غير محسوبة العواقب” في السابع من أكتوبر، فيما يرى سكان القطاع المنكوب، أنها إلقاءً بهم وبغزة الى التهلكة ومغامرات طائشة لقيادات سياسية مهووسة وعسكرية مجنونة من قيادة حماس والقسام، ويؤكدون بأنه مهما كان الهدف من العملية، فإن هذا الهدف لا يساوي عندهم إراقة قطرة دم واحدة من طفل، وإعطاء مسوغ للابادة الجماعية بغطاء دولي لتعود غزة عشرات السنين الى الخلف والدلائل كثيرة والصور أكثر.
فلتنتهي هذه الحرب ومآسيها، فأينما تولي وجهك في غزة، تجد صور الألم والفقد والمعاناة، على وجوده الناس، مقابر جماعية أنشأت حديثا امتلأت سريعا بمئات جثامين الشهداء، ولا تكاد تجد مترا الا وبه شهيد أو مصاب يلملم جراحه الغائرة، وباتت رسالة جميع الغزيين لحماس “أوقفوا حرب اللاشيء”..لابد على قادة غزة أن يفهموا أن الأمر لا يتعلق بالصبر وأن صبر شعبنا أطول من صبرهم، وعليهم الاقتناع بأن القضية تحتاج عامين على القرار، وأعتقد بأنهم يفهمون ذلك جيدا.
على قادة حماس -إن كانوا حكماء- أن يطلقوا سراح كل من لديهم من الإسرائيليين، مقابل وقف الحرب بشكل واقعي، الى أن يتم فتح جبهة في الداخل أو القدس او الضفة الغربية..كفاكم عباطة، اقرأوا المشهد جيدا، وحافظوا على ما تبقى من شعبنا وكرامته، وإن كان متأخرا، أليس فيكم رجل حكيم؟؟