بكر أبو بكر
أمد/ لم أجد استخدامًا مُسِفًا كما الحال في استخدام فكرة الشهادة بمعنى الموت بقصف الصواريخ في أثناء الجدل المتعلق بالعدوان على غزة، بين أنصار أن كل ضحايا مذابح العدوان في غزة شهداء، بمنطق القبول والرضا والتسليم السلبي، وتصويرهم يتمنون بل ويترقبون الموت المجاني للمدنيين غير المسلحين (الشهادة)! وباعتقادي بحرف قد يكون ظاهرًا أو خفيًا غير مقصود عن الهدف المقصود للمصطلح سواء بسياقة الديني أو الوطني.
كيف يمكنك أن تقول لمن يتلقى الضربات على رأسه بلا هوادة، وهو بلا حول ولاقوة: يجب أن تفرح لأنك “شهيد”!؟ ألم تكن مهمتك كقائد سياسي أو مقاتل أو داعم حمايته أصلًا والدفاع عنه أو تعزيز ثباته على الأرض!؟ وسياق الشهادة هنا أي بالحرب هو توفر الإرادة للقتال وبالتجهيزالذاتي للقتال وليس أن تترك الشخص أعزلًا وتقول له ان استسلامك للموت في مذبحة هو “شهادة”!؟ هذا قمة الاستخدام الملتوي لفكرة الشهادة بالاسلام.
قريبًا بعد أن تم استهداف أولاد وأحفاد إسماعيل هنية من قبل الصهاينة في غزة (10/4/2024م) برزت في خطابه أبعاد الاستخدام بشكل معتاد لكنه برأيي يصبح غير مقبول، أو بشكل يجب مراجعته. وعليه يجب نقد ومراجعة أفكارنا وخطابنا حول فكرة الشهادة والحزن، أو كيفية تطويعها لخدمة هدف التحفيز أو التعبئة، فلا تكون الشهادة/الموت دعوة للهلاك والخضوع، وكأنك تُقبل عليه فرحًا جذِلًا، بل تكون دعوة تحفيزية للكفاح والثورة ومواجهة القاتل.
1-يقول هنيه في تعليقه على مقتل أبنائه (أنظر هنا مدى الشدّ الشعبي والاتهام حين تقول مقتل وليس شهادة!) أنهم شهداء على درب الحرية، وإن كان يعطي بذلك معنى رباطة الجأش والصبر والتحفيز فإنه من جهة أخرى يهمل القول ذو الأولوية أنهم مدنيين عُزّل قُتلوا عمدًا في مذبحة وعملية إبادة صهيونية يجب إدانتها وتصدي العالم لها، ما هو أولى مما سبق ما قد يشي بالقدرية السلبية.
2-يقول هنية في التعليق أنه يحمد الله على ما حصل! وإن كنا نحمد الله سبحانه وتعالى بالسراء والضراء بالطبع فلا يستقيم أن يُفهم أنه يقوم بالحمد -وما يجرّ من معنى الشكر للإسرائيلي- على قتل أبنائه!؟ بمعنى أن الفكرة والتعامل معها والصياغات تحتاج للكثير من التدقيق.
3-يقول أن قتل أبنائه “هدية متواضعة من دمائنا على طريق التحرير” وأيضًا لا يستقيم الفهم بهذا الشكل، فيما الأجدر هو مطالبة العالم بمحاسبة القاتل وليس إهداء هدية.
4-تكرار عبارة أن قتل أبناء شعبنا لن يزيدنا الا عزمًا فيها وجهان، السلبي منه أنك لا تهتم بحجم الخسارة البشرية الفظيعة والمهولة التي من المفترض أن تكون صيانتها الأولوية في أي مواجهة أو حرب! فإن كنت تقاتل العدو بصفتك جندي أو مجاهد أومناضل فأنت مفترض تقاتل وتموت ليحيا شعبك، وليس لتعتبر قتله عزيمة لك؟
5-حين القول أن الشعوب لا تستسلم في خطاب الشهادة هذا صحيح، ولكنها بالحقيقة لا (تستشهد/تقتل) أو لا تُحب أن تعطي العدو (هدية) بشهادتها (جريمة قتلها) ولا تشكر ولا تحمد الله على قتله العدو لها!؟ وإن كان المعنى المقصود مفهوم، فإنه يجب إعادة صياغته كي لا يفهم أن الفلسطيني الأعزل يفرح حين يقتله الإسرائيلي؟! أو أنه شخصية انتحارية تقدم نفسها طواعية للقتل بفرضية أن الجنة مأواه! ما يتعارض مع قضية الحفاظ على النفس وهي أحد أهم مقاصد الدين! وهذه لا صلة لها هنا لا بجهاد الطلب ولا جهاد الدفع.
6-فكرة الفرح بالموت (الشهادة) لا يجب أن تظل ملازمة لنا، بل يجب أن نحزن للموت ونحترمه ونقدّره، ونطالب بالقصاص لمن تسبّب به سواء أكان في حرب أو غيرها، فالموت لا يعني فرحًا بل حزنًا مقدرًا وله وقته، مهما كان قصدنا بذلك شريفًا أو لحفظ الكبرياء أو للحث على الاستمرار أولمعاندة الحزن الواجب والمحترم.
7-في فكرة الشهادة ضمن مفهوم الجهاد أو النضال أو المقاومة إرادة ومواجهة سواء عسكرية أوإعلامية أو دبلوماسية أو….وهنا يفترض المناضل أو الفدائي أنه يحمل روحه بيده نعم، لكنه يتجهز بكل السُبُل لردة الفعل المضاد من العدوان، وهو ما لن تجده عند المدنيين العُزّل-الجماهيرعامة التي واجبك أنت أن تحميها، لا أن تجلس بلا حول ولا استعداد ولا تجهيز ولا أعداد ولا قوة لتقول بعد كل مذبحة أو إبادة أنهم شهداء! وكأن واجبهم أن يُقتلوا؟ أو أن واجبهم أن يموتوا لا أن يعيشوا؟ وأن واجبك أنت مجرد التنفيس عن الآخرين أو عن ذاتك بالأحرى، أوأن واجبك أصبح الدعوة للخضوع القدري السلبي وعدم طرح السؤال ماذا وكيف ولماذا حصل؟ أو لتبرئة ذاتك المرتبكة أو العابثة أو الجاهلة من واجب الدعم والمساندة العملية للضحايا؟!
8-إن فكرة أو مفهوم “الشهادة” ترتبط في خضم الحرب أو المواجهة أو النضال بالتجهيز والإعداد المسبق، فمن يموت من هذه الفئة نحتسبه شهيدًا عند الله سبحانه وتعالى، أما المذابح والمقتَلَة ضد الجماهير –المدنيين العُزّل الأبرياء-فهي مذابح وجرائم حرب وإبادة لا يجوز التعبير عنها بأنها بغية وهدف و”هدية”!؟
9- للشهادة معناها وحقها طلبًا ودفعًا، وللقتل قصاصه الواجب. وللحزن وقته المحترم، وللفرح وقته المحترم ولا يعني الحزن رفض قضاء الله مطلقًا، أو دلالة الضعف بل هي الإنسانية، فلقد حزن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على وفاة ابنه إبراهيم حيث قال: (إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ)
10-لقد أعطانا الله سبحانه وتعالى الحياة لنحياها بحرية وكرامة وعدالة. نعم ولنا أن نضحي بإعداد كامل، وقصد ووعي ضد الظالم والمحتل والقاتل، وما كان الموت في سبيل الله والشهادة الا في إطار فعل الفدائي المجهّز بكل العدة المطلوبة للمواجهة، وليس المدنيين-الضحايا-المفروض عليهم الموت من المعتدي- الذين واجب القائد السياسي أولًا ثم الفدائي حمايتهم ودعم ثباتهم وصمودهم والتصدي بصدره هو لحمايتهم.
حاشية: حسب الشيخ محمد صالح المنجد فإن شهيد الدنيا والآخرة “هو الذي يقتل في قتال مع الكفار مقبلاً غير مدبر لتكون كلمة الله هي العليا”، ويضيف أن الاستشهاد في ساحة القتال أجره عظيم جداً وهو قمة مراتب الشهادة، ولا يمكن لأي نوع آخر من الشهداء أن يصل إلى هذا المقام. ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين “أن الشهادة في سبيل الله هو: أن يقتل الإنسان وهو مقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، هذا الميزان، إذا قتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو شهيد”. وبغض النظر عن مراتب الشهادة، فليس منها أن المذبحة والقتل للمدنيين مما يحضّ عليه ويتم مباركته أو انتظاره وكأنه بغية وهدف!؟ ما يعني بالضرورة الاستسلام النفسي والقدرية السلبية وانتظار الموت! بل إن المعنى هنا يستقيم حين القتال وفي حالة العدوان او الحرب أي أن الشهادة تأتي مع المواجهة للعدو بكافة الأشكال نعم. (سلسلة نجمعها تحت عنوان: النقد المحرم وجريمة التفكير).