بكر أبو بكر
أمد/ بلا شك أن الكارثة العظمى التي حلّت بالشعب الفلسطيني منذ اليوم التالي ل”طوفان الأقصى” لسبب العدوان الصهيوني الفاشي أي منذ يوم 8/10/2023 قد عكست نفسها في مساحات مختلفة من التفكير والوعي، إضافة للسياق السياسي والعسكري والاستراتيجي. ومنه في نظرتنا لفكرة ومعنى الثورة أو المقاومة ولنقل تحديدًا بعد 6-8 شهور من الكارثة العظمى من الاحتلال الصهيوني المدعوم بالغرب الاستخرابي (الاستعماري) خاصة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
في فكرة الثورة كتب الكثيرون، وكتبنا الكثير عن تجارب الشعوب في مساحات العمل العسكري العنفي الذي هو حق أصيل للواقع تحت الاستعمار أو الاحتلال أو الظلم.
الثورة تجربة وعلم، وليست انتقامًا.
كما أنها ليست مغامرة ثأثرية وليكن ما يكون.
بل غدا الأمر عِلمًا بُني على تجارب سابقة يؤخذ منها ويرد أو يُعدّل أو يضاف، والمسار الثاني هو الأولى حيث الوعي والتخطيط والتطوير.
الثورة والمقاومة في عصر الانفتاح المعلوماتي تمثل وعيًا، وقدرة على فهم الواقع وامكانيات الدخول في أتون العملية، مهما كان المعنى أو الأسلوب الملائم الذي تختاره للعمل.
في الثورة ضد الاحتلال حين وعي أصحابها لكل مرحلة أو منعط،ف أو تقدير موقف أن تأخذ الشكل أو الأشكال التي تقرّرها لتحافظ على هدف الثورة الأساس: أي
استرجاع وتحرير الأرض أو الحفاظ على الموجود منها
ولتحمي الشعب وتحرره، أو تساعده على الثبات والصمود
أو لجعل الاحتلال أو الاستعمار مكلفًا.
الثورة أو النضال بالثلاثة المذكورة لم نجد له أثر في الحاصل/النتيجة في غزة بعد اليوم الأول للطوفان. من المعلوم أن “الطوفان-اليوم الأول” قد أبهر العالم وصدم الإسرائيلي وباغته وشل عقله لفترة، وأسقط فكرة الهيمنة الصهيونية على الإقليم.
الثورة و”اليوم التالي” والتمني
أما في “اليوم التالي” أو على الأقل بعد عدة مؤشرات واضحة على مدار أيام (مذبحة المعمداني، خطاب نصر الله، ضعف ردة فعل “محور الممانعة”، وفكرة “وحدة الساحات”، الحضور الأمريكي والغربي الاستعماري/الاستخرابي الهائل في العدوان، النقض الأمريكي المتكرر في الأمم المتحدة، التراخي العربي والإسلامي أوإدارة الظهر…) فلقد اختلفت الصورة كليًا، وانقلب الوضع على فلسطين كلها بما لم يسبق له مثيل بما قرر الإسرائيلي أنها “حرب التحرير الثانية” أي استكمال لنكبتنا العام 1948م.
في اليوم التالي وفي ضوء ما سبق سقطت ثلاثية أهداف الثورة أعلاه كلها، وحيث تكاثرت المؤشرات الواضحة على ضرورة تغيير الاتجاه المقاوم لم يحصل ذلك!
لقد سقط الوعي بضرب الرأس المتكرر بالحائط، وسقط الوعي حين تمت مهاجمة الذئب القوي وهو نائم، وسقط الوعي حين انقلبت الأمور رأسًا على عقب ومازال التهييج الفضائي -المناقض للواقع والعقل- سيد الموقف!
من ناحية دينية ترتبط بالوعي والفهم وأولوية حماية النفس والناس وحسن التحوط والتفكر أنظر في الحديث الشريف: “لا تتمنوا لقاء العدو… فإن أجلبوا وضجوا فعليكم بالصمت”؟
قال العلامة المناوي في شرح الحديث: لا تتمنوا لقاء العدو، لما فيه من صورة الإعجاب، والوثوق بالقوة، وقلة الاهتمام به، وهو مخالف للاحتياط، ولأنهم قد ينصرون استدراجًا، ولأن لقاء العدو من أشد الأشياء على النفس، والأمور الغائبة ليست كالمحققة، فلا يؤمن أن يكون عند الوقوع على خلاف المطلوب، وتمني الشهادة لا تستلزم تمني اللقاء، وأخذ منه النهي عن طلب المبارزة، ومن ثمَّ قال علي -كرم الله وجهه- لابنه: لا تدع أحدًا إلى المبارزة، ومن دعاك لها، فاخرج إليه؛ لأنه باغٍ، وقد ضمن الله نصر من بُغِي عليه.
وقال الإمام ابن باز: قول الرسول ﷺ: لا تتمنّوا لقاء العدو، وإذا لقيتُموهم فاصبروا؟ حمله العلماءُ على أنَّ المراد: على سبيل العُجب بالنَّفس، على سبيل الثِّقة بالنفس، ونحو ذلك.
أما إذا تمنى لقاء العدو؛ رغبةً في الجهاد، أو رغبةً في الشَّهادة في سبيل الله، فهو يبدأ بالجهاد؛ لأنَّ الرسول حثَّ على الجهاد ورغَّب فيه: مَن مات ولم يغزُ، ولم يُحدِّث نفسه بالغزو؛ مات على شُعبةٍ من النِّفاق.
فالنَّهي عن التَّمني ليس على إطلاقه، وإنما المراد التَّمني الذي يصحبه فخر وخُيلاء، أو ثقة بالنفس، أما مَن يتمنى أن يحضر الجهاد، ويُجاهد في سبيل الله، وأن يلقى عدو الله؛ فلا بأس به، وليس داخلًا في النَّهي هذا. (سلسلة نجمعها في كتاب تحت عنوان: النقد المحرم وجريمة التفكير)