حميد قرمان
أمد/ دائماً تطفو على السطح مطالب سياسية إصلاحية تتعلق بمسارات بنية النظام السياسي والأجهزة الأمنية الفلسطينية. وكلما ازداد التوتر في العلاقة بين الفلسطينيين والإدارات الأميركية المتعاقبة، يصبح الحديث عن السلطة وإصلاحها أداة ضغط لتطويعهم ضمن رؤى أميركية مستهلكة ساعية في المقام الأول إلى إبقاء مقومات دولة الكيان الإسرائيلي نابضة في المنطقة.
تهم معلبة وجاهزة حول فساد السلطة، وعدم إجراء انتخابات منذ العام 2006، تقذف في وسائل الاعلام لابتزاز الطبقة السياسية الفلسطينية لقبول حلول متجزئة. الفساد ليس آفة فلسطينية، فها هو رأس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو متهم بقضايا فساد ورشوة وتلقي عمولات وهدايا غير مشروعة، ولا يقف الفساد داخل الاحتلال عن هذا الحد، فمن المعروف أن جنرالات جيش الاحتلال الأكثر تلقي للعمولات والرشاوى في عملية شراء وبيع الأسلحة، وبالنظر داخل الولايات المتحدة التي تضج بملفات الفساد التي تنخر مؤسسات الحكم، فهانتر ابن الرئيس الأميركي جو بايدن يواجه مزاعم بالفساد واستغلال نفوذ والده، ودونالد ترامب الرئيس السابق وربما القادم، يواجه المحكمة تحت تهم عديدة تندرج تحت بند الفساد المالي والاخلاقي، بل أكثر من ذلك فالولايات المتحدة متهمة بخلق أنظمة حكم قائمة على الفساد؛ كالعراق وأفغانستان وأوكرانيا وغيرها من الدول.
ما سبق.. لا يبرر الفساد داخل السلطة الفلسطينية إن وجد، فالأصل محاربة أي من حالاته كثقافة مجتمعية أولاً، وإجراءات قانونية من السلطة ثانياً من خلال إطلاق يد الجهات القضائية لمحاسبة المتورطين بمثل هكذا جرائم بعد إثبات الأدلة، لكن في ذات الوقت لم يعد مقبولاً عزف أسطوانة الفساد المشروخة كلما طالبت السلطة الفلسطينية بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة أو عزفها مقابل أي تحركات دبلوماسية داخل أورقة المحافل الأممية أو عزفها استغلالاً من قبل فصائل مدعومة من أجندات إقليمية في سياق المناكفات السياسية داخل الساحة الفلسطينية.
في المقابل، ملف الانتخابات لا يقل أهمية في جدلية إصلاح السلطة، فنداءات الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم تتوقف لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية منذ انقلاب حركة حماس عام 2007 في مناطق السلطة الفلسطينية حسب اتفاقية أوسلو؛ الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، نداءات لم تلقَ صدى في المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة، التي لم تضغط على كيان الاحتلال للسماح باجرائها في القدس الشرقية؛ العقدة السياسية، كما جرت في العام 2006، عندما كان هناك مصلحة ورغبة أميركية بإجراء انتخابات تشترك فيها حركة حماس، بل الواقع كان عكس ذلك، فدعوات عربية وأوروبية وحتى أميركية مالت نحو عدم إجراء تغييرات كبيرة في تركيبة السلطة وحركة فتح، كون الإقليم وبعض الأوساط الدولية ليس مستعدين للتعامل مع قيادات جديدة داخل مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير وحتى حركة فتح، وهو ما يفسر التأجيل المتكرر لعقد المؤتمر الحركي الثامن للحركة.
إلى أن أتى السابع من تشرين الأول (أكتوبر) وتداعياته الكارثية على الشعب الفلسطيني، فسبق الرئيس عباس وشكل حكومة تكنوقراط (خبراء) لتكن بوابة عبور نحو تعامل دولي جاد يوقف الحرب على قطاع غزة ويسهم في إعماره.
مطالب إصلاح السلطة الفلسطينية من قبل الجانب الأميركي ليست سياسية كما يُروج لها في الإعلام، فالحقيقة هي مطالب أمنية بحتة لتقزيم السلطة لجهاز أمني تابع للاحتلال، وهو ما يرفضه الفلسطينيون كونهم قادرين على حكم أنفسهم بأنفسهم دون وصاية تمارس عليهم أو عقبات توضع في طريقهم نحو تحقيق دولتهم المنشودة.