جهاد حرب
أمد/ ( ١ ) بواعث موجهة الاعتراف وأهميتها
أبرز اعتراف كل من اسبانيا وايرلندا والنرويج بالدولة الفلسطينية الأربعاء الفارط من جديد مركزية فكرة الدولة في المسار السياسي أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كأحد أوجه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من جهة وتطور مسألة تجسيد الدولة المعلن عنها في وثيقة الاستقلال عام ١٩٨٨.
في ظني، تكمن أهمية موجة الاعتراف “الثلاثي: اسبانيا وايرلندا والنرويج” من كون الدول التي اعترفت هي دول أوروبية غربية وهي متوسطة الأهمية في ميزان معادلة دول الاتحاد الأوروبي، ومن كون هذه الموجة قد تؤدي إلى موجات من الاعتراف لدولة أوروبية مثل بلجيكا وسلوفينيا ومالطا وغير أوروبية مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
كما تعود أسباب الاعتراف هذا لأسباب متعددة منها؛ (١) الجهود السياسية والدبلوماسية المتواصلة للفلسطينيين على مدار أكثر من عقد. و(٢) تضحيات الشعب الفلسطيني ومقاومته خاصة في قطاع غزة على مدار الثمانية أشهر الماضية. و(٣) بشاعة جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي يقترفها في قطاع غزة. و(٤) إدراك هذه الدول بأن سياسات الاستيطان المتبعة من الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية تقتل خيار حل الدولتين الذي عمل المجتمع الدولي طوال الثلاثين عاما لتجسيده باعتباره الحل الأمثل والأكثر استجابة لطبيعة الصراع في الشرق الأوسط. و(٥) تزايد التضامن الدولي خاصة الشعوب الأوروبية وتحول هذا التضامن إلى حركة شعبية شبه منظمة بالإضافة إلى أن الموقف من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة باتت جزءً من القضايا المحددة أو المؤثرة في نوايا التصويت في الانتخابات العامة القادمة في الدول الأوروبية وكذلك في الولايات المتحدة. و(٦) إدراك هذه الدول أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية تدعم قوى السلام في المنطقة وتوقف الفيتو الممنوح لإسرائيل طوال السنوات الماضية على اقامة الدولة الفلسطينية بشكل غير عادل ومنافي لدور المجتمع الدولي.
(٢) الرئيس أبو مازن وفكرة تجسيد الدولة
تحتل فكرة تجسيد الدولة المعلن عنها في وثيقة إعلان الاستقلال في الساحة الدولية مساحة واسعة في منهج عمل الرئيس محمود عباس؛ على ما يبدو مستلهماً ذلك من تاريخ الحركة الصهيونية التي عملت على للحصول على تأييد دولي لإقامة دولة إسرائيل من جهة، وباعتبار هذا الأمر مقبولاً دولياً تحت شعار خيار حل الدولتين من جهة ثانية، والرغبة في تحقيق حلمٍ فلسطينيٍ بلم شمل الفلسطينيين في دولة تعبر عنهم وتحميهم من معاناة الشتات من جهة ثالثة، والمساهمة الشخصية تسجل في التاريخ الفلسطيني.
بدأت هذه المسيرة في إصراره على حسم إنجاز اتفاق على حدود الدولة الفلسطينية في المفاوضات مع رئيس الحكومة إيهود أولمرت كنقطة مركزية للانطلاق لبحث ملفات المفاوضات الأخرى عام ٢٠٠٨. ومن ثم الانتقال إلى طلب العضوية في الأمم المتحدة الذي فشل بالحصول عليها في مجلس الأمن عام ٢٠١١، وعاود الكَرّة مرة أخرى لترفيع مكانة فلسطين إلى دولة مراقبة عام ٢٠١٢ الأمر الذي أَهَلَ دولة فلسطين للانضمام إلى المنظمات والاتفاقيات الدولية كعضو فيها كإحدى أدوات الصراع. وفي العام ٢٠٢٤ عاود الكَرّة مرة أخرى لطلب عضوية الأمم المتحدة لإدراكه أن العضوية تمنحه أدوات جديدة في الصراع السياسي والقانوني في أروقة المؤسسات الدولية بالانتقال من النزاع على أراضٍ محتلة إلى أراضي دولة محتلة تنطبق عليها إعمال الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ومن طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية إلى فض النزاع بقرار من المحكمة التي تصبح دولة فلسطين عضوا في نظامها الأساسي. وأمام الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن عقدت الجمعية العامة بتاريخ ١٠/٥/٢٠٢٤ وأصدرت قرارها رقم ٢٣/١٠ ES- القاضي بأهلية دولة فلسطين بالعضوية ومطالبة مجلس الأمن بإعادة النظر من جديد بالإضافة إلى امتيازات استثنائية حصلت عليها دولة فلسطين في أروقة هيئة الأمم المتحدة.
أما على المستوى الداخلي، فقد أحدث الرئيس أربعة تحولات في طبيعة النظام السياسي خلال السنوات الاثنتي عشرة سنة الأخيرة باتجاه تجسيد الدولة من خلال عملية إحلال مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بديلاً عن مؤسسات السلطة الفلسطينية للانتقال من مؤسسات السلطة إلى مؤسسات الدولة.
(١) التحول الأول بدى إثر رفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقبة في الأمم المتحدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ١٩/٦٧ الصادر في ٢٦ تشرين ثاني/ نوفمبر ٢٠٢٠. وقد كان أحد تجليات تجسيد هذا القرار استبدال اسم “السلطة الوطنية الفلسطينية” بدولة فلسطين في المؤسسات الفلسطينية الرسمية، ومن ثم شطب كلمة رئيس السلطة الوطنية من توقيع الرئيس على القرارات بقوانين والمراسيم والقرارات الرئاسية وتذيلها برئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
(٢) أما التحول الثاني فقد كان إثر قرار حل المجلس التشريعي، وفقاً لقرار المحكمة الدستورية التفسيري في الثاني عشر من كانون أول/ ديسمبر ٢٠١٨ الذي قضى “بحلّ المجلس التشريعي والدعوة إلى انتخابات تشريعية خلال ستة شهور من تاريخه”، فقد تجلى ذلك بتغيّر على الصياغة التشريعية التي تصدر بموجبها التشريعات الفلسطينية الصادرة عن رئيس السلطة الفلسطينية بدءاً من العدد ١٥٢ من الجريدة الرسمية الصادر بتاريخ ١٩/٢/٢٠١٩، حيث تم شطب النص الاستناد إلى أحكام المادة ٤٣ من القانون الأساسي المعدّل لسنة ٢٠٠٣م وتعديلاته” من مقدّمة القرارات بقانون وأصبحت هناك صياغة أخرى هي: “استناداً إلى النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، واستناداً إلى أحكام القانون الأساسي المعدّل لسنة ٢٠٠٣ وتعديلاته” كما تم شطب المادة في الأحكام الانتقالية في القرارات بقوانين والتي تنص على أنّ القرار بقانون يُعرَض على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها لإقراره والتي يجب أن ترد في كلّ قرار بقانون. هذا التغيير الدستوري جاء كمحاولة لإلغاء وجود المجلس التشريعي من النظام السياسي والتسليم بأنّ البديل القادم هو المجلس المركزي الفلسطيني الذي منح كامل صلاحيات المجلس الوطني التشريعية والرقابية المنصوص عليها في النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية بموجب قرار المجلس الوطني بتاريخ ٤/٥/٢٠١٨ المعلن في “إعلان القدس والعودة صادر عن دورة القدس وحماية الشرعية الفلسطينية”.
(٣) فيما التحول الثالث فقد جاء في القرار المذكور سابقا للمجلس المركزي بدورته الحادية والثلاثين المنعقدة في بتاريخ ٦-٨ شباط/ فبراير ٢٠٢٢ القاضي بـ”ضرورة مواصلة العمل على تكييف الوضع القانوني لمؤسسات الدولة الفلسطينية وعلاقاتها الدولية تنفيذاً لقرار الجمعية العامة رقم ١٩/٦٧ للعام ٢٠١٢” الخاص برفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقبة في الأمم المتحدة. وبضرورة ممارسة المجلس المركزي لصلاحياته الدستورية وولايته الرقابية على الجهات التنفيذية في المنظمة وأجهزتها ومؤسساتها، وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية وعمل الاتحادات والنقابات والجمعيات وفق القوانين التي تنظم عملها. وكانت إحدى تجليات قرار المجلس المركزي أعلاه إصدار الرئيس قراراً يقضي بـ”وضع الأمانة العامة للمجلس التشريعي ومكوناتها ومرافقها كافة تحت مسؤولية رئيس المجلس الوطني” على طريق عقد المجلس المركزي اجتماعاته في مقر المجلس التشريعي وانتظامها، وتحويله إلى برلمان دولة فلسطين كأمر واقع “” لغياب عملية الانتخابات والحفاظ على مشروعية النظام السياسي.
(٤) وأخيراً التحول الرابع جاء بتعديل قانون الانتخابات في العام ٢٠٢١ الذي عدل عبارة السلطة الفلسطينية ورئيس السلطة إلى دولة فلسطين ورئيس دولة فلسطين. بالإضافة إلى دمج منصب رئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية معاً الذي سيتم انتخابه وفقا لأحكام المادة ٢ من القانون.
في ظني، أنَّ استكمال العمل على تجسيد دولة فلسطين على المستوى الداخلي بالموازاة مع الاعترافات الدولية وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير يفرض تشكيل مجلساً تأسيسياً متفق عليه من جميع الأطراف الفلسطينية الفاعلة مهمته اعتماد دستور دولة فلسطين وتشكل حكومة فلسطينية تتولى إدارة الشأن والمال العام بما يشمل توحيد مؤسسات الدولة في الضفة وغزة، وذلك لمدة محددة بعامين تجري في نهايتها الانتخابات العامة وفقا لأحكام الدستور المعتمد وقانون انتخابات عامة منسجمٍ مع القواعد الناظمة للنظام السياسي والحكم المعتمد في الدستور الجديد.