فاضل المناصفة
أمد/ قاعدة كلاسيكية يعتمدها المحققون لكشف ملابسات قضية تغيب فيها الأدلة الملموسة أو ربما تخفى قصدا، وفي بلد نظامه شمولي مثل إيران قد تكسر جميع قواعد التحليل والتحقيق الجنائي لتعوضها القاعدة الدينية التي تقول أن أفعال الشر كلها تنسب دائما لإسرائيل ومعها أمريكا أو المعارضة الإيرانية، تماما كما كان الحال مع مقتل الشابة مهسى أميني حين أطلق المرشد الإيراني خامنئي العنان مهاجما الجهات الخارجية ومتهما إياها بالتخطيط للمظاهرات ونشر الفوضى في ايران، لدى فلا داعي لإنتظار ما ستفضي إليه لجنة التحقيق الإيراني ودعونا على الأقل نكتفي بتصريح وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف الذي إتهم الولايات المتحدة الأمريكية بالتسبب في سقوط المروحية التي كانت تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومن معه، وذلك من خلال منعها إدخال قطع تحديث الطائرات، ريثما يأتي التوقيت الذي تراه السلطات الإيرانية مناسبا لإتهام اسرائيل أو مجاهدي خلق.
حوادث سقوط طائرات الرؤساء لطالما أطلقت العنان لنظريات المؤامرة وهو ما عجت به مواقع التواصل الإجتماعي في حادثة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي حيث حاول كثيرون الربط بين التصعيد الإيراني الإسرائيلي ومن ثمة توقعو وجود بصمات الموساد في حادثة سقوط الطائرة، ولكن حتى يكون لهذه الفرضية قدر من الصحة ينبغي أن تجيب على التساؤل التالي : ما الذي يدفع باسرائيل لرفع مستوى التصعيد في الوقت الذي تنشغل فيه بحسم مسألة اجتياح رفح ؟ وما الذي ستحققه تصفية رئيسي وعبد اللهيان بالنسبة لإسرائيل …هل كانا رقما صعبا في تركيبة النظام الإيراني حتى يتم تعقبهما واستهدافهما بهذا الشكل من الدقة في التنفيذ ؟
والمعروف أن إبراهيم رئيسي له بضعة صلاحيات تنفيذية وصلاحيات تشكيل الحكومة ولاسلطة له في السياسات العامة التي تعود إلى المرشد بمعنى أن منصبه يكاد أن يكون منصبا فخريا، أما حسين أمير عبد اللهيان فعزلة ايران الدولية انعكست بشكل مباشر على دوره الديبلوماسي وجعلت من مهامه وجولاته وصولاته الخارجية تكاد تكون بدون جدوى، ولنفترض جدلا أن اسرائيل قد قررت القيام بعمل انتقامي، أليس من الأولى أن تستهدف القادة العسكريين في الحرس الثوري الذين يشكلون خطرا حقيقيا على أمنها بدلا من مسؤولين سياسيين لا يملكون الحل والربط !
لكن ما الذي يدفعنا الى المشيئ وراء نظريات المؤامرة وتحليلها وما المانع أن يكون حادث سقوط المروحية مجرد حدث خال من تفاصيل العمل المدبر ؟ ربما كان الطقس سيئا بالفعل بحسب ما أشارت إليه التحقيقات الأولية فور وقوع الحادث أو ربما كان خطأ بشريا يعود الى عدم كفاءة قائد الرحلة ، لماذا تتجه أصابع الإتهام إلى النظام في إيران بدلا من إسرائيل ؟
تاريخ ايران مابعد سقوط الشاه حافل بالإغتيالات السياسية الناجحة والفاشلة و التي حدتث ما بين التيارات المتصارعة على السلطة من داخل النظام أو من خارجه كما كان الحال مع محمد علي رجائي الذي لم يعمر طويلا في كرسي الرئاسة وتمت تصفيته مع رئيس وزرائه محمد جواد باهونر في تفجير استهدف مقرّ رئاسة الوزراء بعد أقل من شهر على تنصيبه في آب 1981 .
فترة حكم محمد خاتمي كانت من بين أكثر الفترات التي شابتها سلسلة الاغتيالات التي استهدفت المعارضين السياسيين الإيرانيين المحسوبين على تياره الإصلاحي من قبل معارضيهم من التيار المحافظ، من وكان خاتمي قد تعرض للتهديد باغتياله في حال ترشح للانتخابات الرئاسية أمام منافسه أحمدي نجاد والذي بدوره نجا من محاولة اغتيال بتفجير قنبلة يدوية أثناء مرور موكبه في احدى الزيارات غربي البلاد في 2010، ليعود هذا الأخيرفي 2022 من خارج دواليب السلطة و يؤكد وجود مخططات من قبل تيارات فاسدة في السلطة تسعى لتصفيته أو ابعاده عن الحياة السياسية.
صحيح أن مقتل رئيسي لا يغير شيئا في بنية النظام الإيراني ومنهج السلطة الحاكمة ومقتل وزير الخارجية أمير عبد اللهيان لا يمكن أن تعطي سببا كافيا لتغيير جوهري في سياسة إيران الخارجية لكنها تعطي الفرصة المناسبة لتمرير التوريث في توقيت يبدو فيه الشارع منفصلا عن السياسية بعد تردي الأحوال الإقتصادية ومحكوما بسلطان الخوف بعد القبضة الأمنية الشديدة التي تلت الاحتجاجات المرافقة لمقتل مهسى وماتلاها من حملة الاعتقالات والأحكام الصورية، و بما أن أوراق المعارضة مبعثرة وأقطابها محاصرة فإن طريق مجتبى خامنئي (نجل المرشد الإيراني) كرجل طامح في الخلافة والتوريث لابد أن يمرفوق جثة رئيسي أحد أقطاب التيار المحافظ المرشحين بقوة لخلافة خامنئي حتى يتجنب معادلة الحسابات السياسية في وقت يبدو فيه الشارع الإيراني غير مكثرت بصناديق الإقتراع التي لا تنتج شيئا جديدا، لهذا فإن فرضية العمل المدبر من داخل علبة النظام الإيراني قائمة وقد تتأكد بمجرد نجاح مجتبى خامنئي في الوصول الى حكم إيران .