علاء مطر
أمد/ ما زال أهالي غزة ينتظرون على أحر من الجمر أي أخبار تتحدث عن تهدئة قد تنهي ولو مؤقتا هذا الكابوس الذي يدمر حياتهم منذ ثمانية أشهر على التوالي، في ظل حالة اللامبالاة الدولية لعملية الإبادة الإسرائيلية بحق شعب أعزل، ما زال يواجه صواريخ الموت بالوداع فقط، فالكف لا يواجه المخرز أبدا، هذا هو الواقع.
وفي الوقت الذي يرفض فيه بنيامين نتنياهو الهدنة مع حركة حماس بشكل نهائي حتى الآن، واجتاح جيشه رفح جنوب القطاع، ومخيم جباليا شمال غزة، عادت أزمة الهدنة إلى المربع الأول، فحماس لا تمتلك إلا ورقة الأسرى الإسرائيليين، للضغط على نتنياهو لوقف حربه الهادفة إلى اجتثاثها من جذورها، بعد عملية السابع من أكتوبر، واعتقد أن الحركة لن تسلّم بهذه الورقة وتضع رقبتها في فك إسرائيل لتستمر في حربها التي من المؤكد أنها ستكون أكثر قساوة وشراسة بعد انتهاء الهدنة المؤقتة، دون أن تضمن إسرائيل بوقف الحرب.
هذا من جانب حماس التي وافقت مؤخرا على الورقة المصرية القطرية بعد إدخال العديد من التعديلات عليها، لكن إسرائيل تعتبر قضية “إنهاء الحرب” هو تسليم بالأمر الواقع واستمرار حكم حماس في غزة، مما يعني فشلها في تحقيق أهم هدف من أهداف الحرب وهو اسقاط حكم حماس في غزة، على الرغم من تحقيقها هدف أكبر من ذلك بكثير وهو تدمير الحياة كل الحياة في غزة، وجعلها منطقة غير صالحة للسكن، مما دفع الكثير من أهالي القطاع بالتفكير في الهجرة، وهو هدف أسمى وأكبر بكثير من حكم حماس أو اسقاطه.
العقدة الأساسية التي تواجه حماس وإسرائيل الآن، هو أن الأولى مصممة على أنها لن تعقد صفقة دون وقف الحرب، وهو بالتأكيد لضمان حياة قادتها وعناصرها بعد انتهاء التهدئة، والثانية لن تعقد صفقة توقف الحرب، حتى لا تخرج كأنها منهزمة أمام الناخب الإسرائيلي الذي وعده نتنياهو بالقضاء على حماس وعدم إنهاء الحرب إلا بتحقيق هذا الهدف.
هذه الصعوبات تدركها الولايات المتحدة جيدا، وهي التي تدعي بأنها الراعي الرسمي لجهود التهدئة، رغم أنها في موقف غير مفهوم مطلقا، فمن جهة تدعم إسرائيل بالأسلحة وبكل ما يلزمها لهزيمة حماس وتعلن ذلك في كل تصريحاتها، فيما تتحدث في الجانب الآخر عن ضرورة الاستمرار في مفاوضة الحركة، وعقد جلسات معها والتي كان آخرها في القاهرة برعاية مدير المخابرات الأمريكية والتي افضت إلى موافقة الحركة على المقترح المعدّل.
في إسرائيل تيارات منقسمة، فنتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة ترفض بشكل قاطع التهدئة، فيما يدعمها تيار غانتس “المرشح الأكبر لخلافة نتنياهو وفقا لاستطلاعات الرأي” رغم أنه عضو مجلس حرب، بينما يقف رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد على الحياد، فتارة تراه يدعم الحرب وتارة أخرى يعلن عن موافقته للصفقة وإعادة الرهائن حتى لو دعا ذلك مشاركته في الحكومة مع نتنياهو في حال استقال المتطرفان بن غفير وسموتريتش الذين يعتبران الداعم الرئيس لاستمرار الحرب على غزة، بينما الجيش يدعم استمرار الحرب، خصوصا وأنه تلقى ضربة قاسية يوم السابع من أكتوبر.
في النهاية، إسرائيل وحماس في وضع لا يحسدان عليه، وكلاهما يتعرضان لضغوطات خارجية وداخلية رهيبة، فضغوطات حماس الداخلية تتزايد بسبب استمرار القتل والدمار واستنزاف قدراتها العسكرية، أما ضغوطاتها الخارجية فالعالم كله والوسطاء يضغط عليها لإبداء مزيدا من المرونة لإتمام صفقة تبادل ووقف إطلاق النار، بينما إسرائيل تتعرض لضغوط داخلية شديدة من الشارع الإسرائيلي خصوصا من أهالي الأسرى الذين يواصلون احتجاجاتهم اليومية في تل أبيب والقدس المحتلة، فيما تشوهت صورتها أمام العالم كدولة فاشية تواصل قتل الأطفال والنساء في حرب إبادة لم يشهد لها مثيل.
وبالتالي، إن حماس وإسرائيل يدركان مدى صعوبة الوضع الراهن، وقوة الضغوطات عليهما، الأمر الذي يدفعهما إلى إفشال الصفقة والقاء اللوم على الطرف الآخر، مما يجعلهم يواصلون إطالة أمد الحرب والمفاوضات أيضا على حد سواء، في محاولة لكسب مزيدا من المكاسب السياسية في الصفقة المزعومة .. وللأسف شعب غزة من يدفع الثمن فقط .