ألاء ماجد
أمد/ مما قرأته من أقوال العلاّمة شمس التبريزي، هو أن عادة البشر هي الميل الى الاستخفاف بما لا يمكنهم فهمه، وهذا هو الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني مع قيادة حركة حماس في الخارج منذ سنوات، خاصة رئيس الحركة إسماعيل هنية الذي شارك قبل أيام بجنازة الرئيس الإيراني وقدّم التعازي باسم الشعب الفلسطيني، وطالبهم بالصمود، وأكد أن دماء شعبنا في غزة أوقدت لدى العرب حس الثورة!!
فكيف نستطيع أن نشرح للسيد هنية الذي يبعد عن غزة آلاف الأميال، معاناة رجل فقد كل عائلته بقصف إسرائيلي لمنزله، وساح لحم أبنائه فاختلط بالركام المحروق؟ مهما تخيّل حجم المأساة فإن اندهاشه لا يعدو عن كونه اندهاشا مجازيا، ومهما حاول فإنه لن يقترب من فهم الشعور الحقيقي.. لذلك نراه يسهب في خلع الأوصاف الأسطورية علينا وكأننا بشر من خارج الزمان والمكان، وكلما حاولت افهامه بأن الذي يحدث ليست معركة بل هي محرقة، يستخف بك وعقله يرفض التصديق فهو يحاول جاهدا ألا تتحطم أوهامه وتنهار مفاهيمه.
لقد نسي هنية، أنه استقال من منصبه الحكومي كرئيس لمجلس الوزراء الفلسطيني منذ سنوات، بعد سنوات من الانقلاب الأسود الذي قامت به حركته على السلطة الشرعية بغزة عام 2007، أنه لا يمكنه الحديث أو تقديم التعازي باسم شعبنا وهو رئيس فصيل واحد، ليس من الأساس ضمن منظمة التحرير الفلسطينية التي يعترف بها العالم بأنها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.
كما نسي هنية أيضا بأن مطالبة شعبنا بالصمود والتحدي، باتت أسطوانة قديمة، وشعارات مزيفة، ملّ الشعب منها، وبات يطالب بتوفير رغيف الخبز وشربة ماء له، جراء عملية السابع من أكتوبر التي لم يكن الشعب في حاجة لها، في ظل الحصار الإسرائيلي الذي يعاني منه منذ أكثر من 16 عاما، كفاكم مطالبة الشعب بالصمود أكثر، فلم يعد لدينا المزيد من الصبر والصمود والتحدي بعد تدمير بيوتهم وتهجيرهم وقتل أبنائهم..كفاكم
لقد أثبت هنية وجميع قيادات حماس الذين يعيشون في قصور تركيا وقطر، بأنهم يعتاشون على مجاعة شعبنا ودمائه في غزة، فإذا كان هنية يريد من شعبنا الصمود في وجه آلة الحرب الإسرائيلية، فليوفر كيس طحين لأهلنا في الشمال الذين عادوا يواجهون حرب التجويع من جديد، أو يوفر أدنى مقومات الحياة للناس، أو على الأقل يعيشون مثلما يعيش الناس.
واذا كنت فرضا لا أريد تحميل حركة حماس مسؤولية ما يحدث الان في قطاع غزة كي لا يقال عني ضد النضال وضد المقاومة و”طابور خامس” وأجندات خارجية، لابد من تحميل حماس مسؤولية كل دقيقة تأخير في إنهاء معاناة شعبنا التي دخلت شهرها الخامس على التوالي.
إن ركوب المخ وعناد الكافر يا “أبو العبد” لن يحل قضيتنا، فنحن نكن كل احترام لمن يقدم الغالي والنفيس فداء الوطن، لكن كل قطرة دم تسقط الآن من أصغر طفل بغزة، تتحمل حماس المسؤولية عنها، فمن العار أن تستمر كل هذه الويلات، بسبب عناد وكفر وتجبّر وفوقية وعدم رؤية الحقائق التي تعمي قلوب القادة، فإذا كان هناك صوت واحد حكيم عليه أن يقول كفى لهذا العدوان ولابد من وقفه فورا وبأي ثمن كان.
كلما سمعت تصريحات قادة حماس يثار في عقلي مئات الأسئلة، فهل يتوقع قادة حماس أن يقول الشعب لهم “تسلم ايديكم الله يخليكم النا بعد هذا الدمار والقهر؟ هل كان قادة حماس الأفذاذ المبجلين يتوقعون ألا ترد إسرائيل على “عملية 7 أكتوبر”؟ هل كانوا يتوقعون أن يكون العالم في صفنا ضد اسرائيل؟ هل مطلوب من شعبنا أن يموت ويهجّر حتى يستوعب هؤلاء القادة ويفهموا حقيقة المعادلة القائمة؟ هل يجب علينا البقاء في هذا الذل والقهر ودفع الأثمان الضخمة حتى يعود هؤلاء القادة “المتهورين” الى رشدهم؟ هل أصبح شعبنا “فأر تجارب” لدول إقليمية تتحكم بحماس وغيرها لترى ردة فعل إسرائيل على أي هجوم مستقبلا؟
يحاول قادة حماس بكل الطرق، وعلى مدار سنوات حكمهم وظلمهم لغزة، اقناع أهل غزة بأن فقدهم لبيتهم وأسرتهم وكل ما يملكون هو في سبيل الله وقربانا يتقربون به الى الله، وأنه لا يجوز لأي شخص غزاوي أن يعترض أو يصرخ أو حتى يفكر خارج زريبتهم التي أوردتنا المهالك تحت طائلة غضب الله وأن هذا المعترض سيدخل جهنم وبئس المصير!
أكبر انتصار يريده الشعب يا سيد هنية الآن، هو أن ينتصر أمله، وأمل الشعب هو أن تنتهي الحرب على الفور، ذلك سيكون النصر الحقيقي الوحيد في زمن الزيف وأفلام الانتصارات المهداة لمدمني الذرة الفشارة في مقاهي الدوحة وإسطنبول ولندن.. الله غالب