أمد/
غزة: رغم فشل مبادرات التهدئة السابقة بين حركة حماس وإسرائيل لوقف الحرب الطاحنة في قطاع غزة ولو مؤقتا، لم يفقد النازحون بقطاع غزة الأمل بإمكانية تحويل مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن الجديد لوقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين إلى واقع ملموس في ظل تصاعد الضغوط السياسية الخارجية والداخلية على الطرفين. حسب تقرير لوكالة أنباء العالم العربي (AWP).
النازحون، الذين انتقلت غالبيتهم العظمي من رفح إلى مدينة خان يونس المدمرة أو المواصي وبعضهم نحو دير البلح ومخيمات وسط القطاع في رحلة نزوح مستمرة منذ اندلاع الحرب، يتابعون عن كثب التطورات السياسية المرتبطة بالحراك الأميركي مع الوسيطين المصري والقطري.
ويرى العديد من النازحين أن المقترح الجديد حبل نجاة من جحيم الحرب والنزوح ونزيف الدم وفرصة لالتقاط الأنفاس قليلا بعد ثمانية أشهر عصفت بهم خلالها حرب طاحنة حصدت أرواح أكثر من 36 ألف فلسطيني وأصيب فيها أكثر من 82 ألفا، فضلا عن تدمير كل مقومات الحياة في مدنهم وبلداتهم وأحيائهم ومخيماتهم.
وفي مقابل النكسات المتكررة التي أصابت النازحين بعد ابتهاجهم مرات عديدة سابقا بإمكانية الاتفاق على وقف إطلاق النار دون تحقق ذلك، يسود بينهم انطباع بأن هذه المرة تبدو مغايرة لسابقاتها، حتى أن حديث البعض تجاوز مسألة الموافقة على المقترح من عدمها إلى توقع موعد بدء تطبيقه.
وبعيدا عن أي تحليل سياسي أو تباين في وجهات نظر الفلسطينيين حول مصير مبادرة التهدئة الجديدة، فإن الأهم بالنسبة للنازحين هو وضع حد لمعاناتهم بأي طريقة حتى يتمكنوا من الاستئناف الجزئي لحياتهم عبر العودة إلى منازلهم المدمرة ومناطق سكناهم، وقبل ذلك وقف عمليات القصف والقتل.
"الانتصار" بوقف الحرب والقتل والتدمير
عبد الرحمن أبو يوسف الذي بدأ رحلة نزوحه بعد أيام من الحرب يؤكد أن المكتوين بنار الحرب في غزة يعتبرون ما طرحه الرئيس الأميركي "القشة التي ستنقذهم من الغرق وسط أمواج عاتية من حرب مميتة لا ناقة لهم فيها ولا جمل".
ويرى الرجل الذي فر مع أسرته وأُسَر أشقائه من رفح إلى دير البلح أن ضياع هذه الفرصة سيكون "كارثة حقيقية"، ليس على صعيد مواصلة الجيش الإسرائيلي لعمليات القصف والتدمير وسقوط المزيد من الضحايا وحسب، ولكن على صعيد فقدان الأمل بأي نجاة لمن تبقوا على قيد الحياة.
يقول أبو يوسف (48 عاما) لوكالة (AWP) إن النازحين أُنهكوا إلى الحد الذي لم يعودوا يستطيعون معه الاستمرار في الحياة بهذه الأوضاع "التي أفقدتهم آدميتهم وحرمتهم الحد الأدنى من متطلبات البشر"، مؤكدا أن الجميع ينتظر البدء بتطبيق التهدئة وليس قبولها أو رفضها.
وتساءل محبَطا "ألا يكفي إلى هنا هذه المحرقة بعد ثمانية أشهر من الموت والدمار؟ ألسنا بشرا ومن حق أطفالنا أن يعيشوا بسلام؟ أيعجز العالم عن وقف الحرب؟".
وعلا صوته وهو يقول "أوقفوا الحرب.. أوقفوا الكارثة.. أوقفوا النكبة قبل فوات الأوان".
إسراء منصور (37 عاما)، التي لم تجد مكانا لنزوح عائلتها سوى شاطئ بحر خان يونس، تعتبر هي الأخرى أن مأساة غزة يجب أن تتوقف فورا وبأي شكل وأي ثمن مهما كان كبيرا لأن الحفاظ على بقايا الأمل لدى المنكوبين بالحرب مع الحفاظ على أرواحهم "يشكل أكبر انتصار للفلسطينيين".
وترى إسراء أنه لا خيار أمام الفلسطينيين سوى "وقف الموت اليومي والتدمير المستمر ومواصلة حالة النزوح التي لا علاقة لها بالآدمية"، لافتة إلى أن وقف إطلاق النار تحوّل إلى "حلم لكل الغزيين" لم يتحقق منذ ثمانية أشهر.
وتتحدث بغضب عن عدم قبولها وغيرها من النازحين فكرة الفشل أو التعثر هذه المرة، لأن ذلك يعني استمرار موتها وأطفالها الأربعة وهم على قيد الحياة، معتبرة أن عودتها إلى بقايا منزلها المدمر بالشمال تكفيها كإنجاز لاتفاق التهدئة المقترح.
تقول وهي تشير إلى خيمتها المهترئة وطفلها الذي لم يكمل عامه الثاني "استمرار الحرب يعني استمرار النزوح بكل ما فيه من جحيم.. جوع وعطش ومرض وحرمان وكل ما لا يخطر على عقل بشر من معاناة".
وتضيف "نزحت ست مرات طوال أشهر الحرب، ولا أعرف إلى أين يمكن أن تكون رحلة نزوحنا القادمة. هل سنُنتقل إلى مكان آخر داخل القطاع أم سنُجبر على اللجوء والتهجير كأحد أهداف إسرائيل؟".
أقصى طموح
وفي مخيمات النزوح الممتدة على مدى البصر، يتبادل النازحون قراءتهم للتهدئة من زوايا مختلفة بين من يعتقد أن الحرب استنزفت كل أهدافها إسرائيليا وستقف قريبا لا محالة، وبين من يعتبر أن إسرائيل ما زالت تواصل العمل على تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وبين هؤلاء وأولئك إجماع على القبول بأي مسعى لوقف الموت المستمر وحصد أرواح الأبرياء.
وفي وسط المواصي، يجلس المسن يوسف أبو عامر قبالة عريشة صغيرة يلتف حوله أحفاده، ويتحدث عما يمكن تحقيقه من استمرار الحرب.
أبو عامر (74 عاما)، والذي كان يعمل معلما، هو أيضا ممن يعتبرون أن "إفشال أهداف إسرائيل بقتل الفلسطينيين وتدمير حياتهم وتهجيرهم انتصار حقيقي يتجاوز كل ما يدور الحديث عنه بوسائل الإعلام".
ويبين أن المطلوب خلال هذه المرحلة التقاط مبادرة بايدن والتمسك بها بكل الوسائل "لتفويت الفرصة على إسرائيل لاستكمال أهدافها ومسارها التدميري". ويضيف "من صمد طوال الفترة الماضية يستحق المساندة بتحقيق مطلبه بوقف المذبحة".
ويقول "وقف الحرب بالنسبة للفلسطينيين لا يخضع لمبدأ التفاؤل أو التشاؤم بقدر ما يُمثل مطلبا وطنيا ملحَّا لا يمكن القبول بفشل أي جهود لتحققه". لكنه مع هذا يقر بأن الجميع حذر بالتوقعات ونتائج مبادرة التهدئة الجديدة خشية الاصطدام بواقع يخالف المطلوب والمتوقع بإنهاء الحرب.
ويواصل حديثه "من يعيش الحرب والنزوح، لا طموح له أكثر من وقفهما، ولا نملك غير الدعاء".