ألاء ماجد
أمد/ لقد كشفت هذه الحرب البشعة بشكل جلي، عمق الفجوة بين ادعاءات حركة حماس وذراعها العسكري، بأن أرض غزة محرمة على جنود الاحتلال، وأن إسرائيل لن تجرؤ أبدا على رمي جنودها الى “مستنقع القطاع”، وأن رمال غزة ستبتلع أي محتل يقرر الدخول اليها، وبين واقعنا الحقيقي بأننا شعب أعزل ومكذوب علينا بكثير من الأوهام، والذي ظهر مباشرة منذ مغامرة السابع من أكتوبر، وكم كان مضحوك علينا من هؤلاء الذين كانوا يطلقون الشعارات الرنانة والتصريحات النارية؟
آخر تلك الأوهام التي كان يعيشها كثير من شعبنا، هي استحالة إقدام إسرائيل على اجتياح مخيم جباليا، الذي يعتبر قلعة حماس واسطورة القسام وما كانوا يتغنون به وبكتيبة الخلفاء المشهورة، خصوصا وأن الجيش الإسرائيلي لم يجتاحها في بداية الحرب البرية على القطاع، رغم أنه وصل الى اطراف المخيم، عند منطقة الفالوجا والقصاصيب، لكن سقط هذا الوهم عندما رأينا صور وفيديوهات إبادة المخيم وصور الدبابات والجنود الإسرائيليين في شارع الترنس ومسجد الخلفاء، بل أمام منزل حذيفة الكحلوت “أبو عبيدة” الناطق باسم القسام شخصيا صاحب مقولة: “أتعِدُنا بما ننتظر يا ابن اليهودية”.
لكن، حينما تهكّم أبو عبيدة، على تهديدات قادة إسرائيل باجتياح القطاع بريا وتدميره وإعادته الى 50 عاما الى الوراء، بمقولته الشهيرة: “أتعِدُنا بما ننتظر يا ابن اليهودية”، هل كان يدرك هذا الرجل هو ومنظومته التي خلفه، بأن دخول الاحتلال الى غزة يعني نزوح مئات الآلاف من المواطنين العزل الغلابة الى أماكن مجهولة؟ هل قام تنظيمه بتجهيز أماكن لإيواء ونقل الناس اليها؟ هل قامت الحركة الربانية بتوفير الحد الأدنى من مخيمات اللجوء وقامت بتجهيزها بأبسط مقومات الحياة الآدمية، مثل الماء والغذاء والعلاج والصرف الصحي؟
هل كان يعي أبو عبيدة وقادة حماس جميعا، بأن الناس باتت تلعن الحياة والواقع وحماس والاحتلال وغزة وتلعن اليوم الذي ولدوا فيه بغزة؟ هل باتت حماس تعي بأن الشعب توقف عن تصديق كل كلمات التبجيل والصبر والصمود والدعم والنفسيات الخيالية.. لعل مشوارا واحدا في شوارع النزوح ومشاهدة وجوه الناس والاستماع لكلماتهم وتصريحاتهم وحزنهم وموتهم البطيء، يكشف كم هي أمنياتهم بسيطة، لقد بات بتمنى الشعب بأن يموت بسرعة وألا يموت ببطء وأن يتوقف عذابهم الذي يتكرر في اليوم الواحد ألف مرة.
للأسف فإن أوهام حماس بشكل عام لم تكن وليدة هذه الحرب، وخصوصا أوهام “مخيم جباليا”، فهي تعود الى أيام الطفولة منذ أن كنا صغارا منذ سنوات طويلة، فهو رمز حماس لا يمكن بأي حال من الأحوال مجرد التفكير بأن جنديا إسرائيليا سيصله يوما من الأيام، ولازالت كلمات القيادي في حماس نزار ريان الذي كان يتوعد إسرائيل من بين أزقة المخيم وهو يلبس الزي العسكري ويحمل السلاح، وهو يقول: “لن يدخلوا معسكرنا..لقد تركنا بيوتنا وجامعاتنا وكتبنا واولادنا للدفاع عن أرضنا..لن يدخلوا معسكرنا يعني لن يدخلوا معسكرنا”..لكن هذه الصورة التي رسمت في مخيلة الجميع اختلفت كليا، وسقطت أوهام كثيرة كان شعبنا يعيشها.
هناك نوعية من قادة حماس لا يهمها مقدار الدم النازف ولا حجم المعاناة التي يعيشها الناس، ولا حجم الأوهام الخيالية التي سقطت من مخيلة كثيرون، فقررت ان تواصل كذبها وادعاءاتها بأن المقاومة بخير وأنه لم يتم المساس بقدرات القسام العسكرية الا القليل، وأنهم جاهزون لمعركة تمتد لأشهر طويلة، وكأن هؤلاء القادة يعتقدون بأن الله لا يرى وأن شعبنا يصدّق.
السؤال الذي مازال يلح عليّ طوال الأيام الأخيرة وأنا أنظر الى المشاهد المؤلمة التي تنقلها وسائل الاعلام مباشرة من مخيم جباليا، هو: كيف وصلنا الى هذا القاع، ونحن مدينة الألف مئذنة، كيف وصلنا لهذا الواقع وعروض الفصائل العسكرية كانت تملأ الشوارع؟ والتهديدات لإسرائيل لم تكن تتوقف.. لقد أيقنت بأن غزة مدينة المظاهر وهذه الحرب كشفتنا وعرّت زيفنا وكذبنا وضلالنا..لذلك سيكفر الكثير بالأوهام التي كانت تدعيها حماس..