د.رمزي عودة
أمد/ لم يكن متوقعاً لدى غالبية المراقبين العسكريين أن تستمر حرب السابع من أكتوبر لأكثر من ثمانية شهور حتى لحظة كتاب هذه السطور، وليس أيضا من المتصور أن تعجز كافة المفاوضات المكوكية بين أطراف النزاع وفي ظل مساع حثيثة من الوسطاء القطريين والمصريين والامريكيين عن الوصول الى هدنة لانهاء هذا العدوان. ويبدو أن الاجابة الأقرب للواقع السياسي عن هذه الاخفاقات في التحليل السياسي هو أن هذه الحرب هي حرب صفرية بإمتياز. بمعنى أن جميع الفرقاء يدركون أن ما سيحصلون عليه سيكون على حساب الأطراف المتصارعة الأخرى وان فرص توزيع القيم والمكافئات لن تكون متاحة بين الأطراف، بل على العكس فإن اكبر مكافئة لأي طرف ستكون أكبر خسارة للطرف الاخر. انها مباراة تكرس فكرة الغاء الأخر وعدم القدرة على التعايش بين الأطراف لاحقاً.
على هذا يمكن القول أن الخسارة الكبيرة التي سببتها اسرائيل في قطاع غزة فيما يمكن تسميته بالابادة الجماعية للشعب الفلسطيني في القطاع لم تثني حركة حماس عن رغبتها وتطلعها لإدارة قطاع غزة ما بعد العدوان. فما زالت خطابات قيادة حماس خارج القطاع تؤكد على الدور الرئيس لحركة حماس في إدارة حكم غزة وإدارة معبر رفح. وفي الوقت الذي الذي لم يظهر فيه قائد حماس يحي السنوار على مدى الثمانية شهور السابقة في موقف غير مفهوم وربما غير مبرر في نظر الكثيرين بينما الشعب الفلسطيني في القطاع يقتل وتدمر بيوته، الا أن الكثيرين ممن هم كانوا قريباً من السنوار يؤكدون من واقع فهمهم لشخصية السنوار بأنه لن يخرج من القطاع، ولن يترك حكم القطاع. انها مسالة حياة او موت بالنسبة لحماس، فهي التي حكمت القطاع لأكثر من 17 عاما، وبرغم أنها ادخلت الغزاويين في خمس معارك كان أصعبها معركة السابع من اكتوبر، الا انها دائما كانت تخرج من هذه المعارك اكثر شعبية وأكثر قدرة على جذب الاموال من المتعاطفين والمناصرين لها ومن الدول المتحالفة معها. ولربما هذا السبب في إصرار حماس على الاستمرار بالرغبة في ادارة غزة. بالمقابل، حماس لم تدرك أن الحرب الاخيرة كانت مختلفة كثيراً، فالجميع في القطاع دفع فاتورة غالية جدا، ونزلت شعبية حماس الى الحضيض لدرجة ان الكثير من الغزاويين أصبحوا يتحدثون جهراً ودون خوف بان لا مكان لحماس في حكم غزة بعد الان.
من جانب أخر، تدرك حكومة نتنياهو بأن وقف الحرب وعودة حماس للحكم يعني هزيمة مدوية لاسرائيل، صحيح ان قوات الجيش الاسرائيلي دمرت غزة في حرب كان بقصد بها تهجير الشعب الفلسطيني وتعزيز سياسة الردع الا ان الهدف الاساسي الحقيقي من هذه الحرب كان وما زال تدمير حماس وتقويض قدراتها، ولا يمكن لحكومة اليمين الاسرائيلي ان تستمر في الحكم اذا لم تنجح في تحقيق هذا الهدف. وهو الامر الذي نشهده هذه الفترة حيث هنالك مزيد من التهديدات المستمرة لاعضاء الحكومة بن غفير وسموتريتش في الانسحاب من الحكومة اذا تم قبول صفقة سياسية توقف الحرب دون إنهاء حماس.
وفي ظل هذه المباراة الصفرية، جاءت مبادرة بايدن لمحاولة الوصول الى صفقة سياسية تعطي حماس دون ضمانات فرصة العودة الى الحكم وتعطي اسرائيل دون ضمانات فرصة القضاء على حماس. هذه الخلطة الامريكية فيها نوع من الدهاء وفيها ايضا نوع من المخاطرة لجميع الاطراف. فالمرحلة الاولى من هذه الصفقة هي بمثابة مرحلة لإبداء حسن النوايا وتبادل سلسل للاسرى في وقت عجزت فيه اسرائيل عن تحرير أسراها بالعمل العسكري على مدار الثمان شهور السابقة، وبالتالي فان الجميع سيلتقط الانفاس بعيدا عن ضغط العمليات العسكرية وينجح في “لملمة اوراقه”. أما المرحلة الثانية فسيتم التفاوض بين كل من حماس واسرائيل، واذا لم تنجح اسرائيل في مفاوضتها مع الوسطاء لطرد حماس من القطاع في المرحلة الثانية او الثالثة فهي ستستأنف القتال، أما اذا نجحت حماس في التوصل الى صيغة سياسية في المفاوضات تبقيها في الحكم، فهذا يعني أنها حققت أهم اهدافها وهو البقاء في الحكم بعد أحداث السابع من اكتوبر. واذا ما فشلت فانها على الاقل تكون قد استنفذت كافة الواسائل المكنة العسكرية والسلمية ويمكن لها التوصل الى صفقة بأقل الخسائر الممكنة. اذن المسألة متعلقة بإعطاء الامل للطرفين حماس و اسرائيل. الامل لحماس بأن هنالك متسع من الوقت يكفيها للوصول الى صفقة سياسية تظل فيها في القطاع، والأمل لاسرائيل بأن هنالك متسع من الوقت للوصول الى صفقة تخرج حماس من حكم القطاع. ولكن الصفقة بحد ذاتها لا تبحث عمداً شكل الصفقة السياسية المرتقبة ولكنها تخبر الاطراف المتصارعة بانه يمكن الوصول الى الاهداف بطرق غير عسكرية واذا تم الفشل في ذلك يمكن العودة للقتال!
الغريب في هذه الصفقة أن نتنياهو فهم مغزى الصفقة جيدا وادرك انه في لحظة ما يمكن له ان يلتجا الى مظلة حزبية برلمانية بديلة تحميه من سقوط الحكومة مثل حزبي لابيد ولبيرمان، أما حماس فيبدو انها تتخبط في مكانها حتى الأن، فبدلا من ان تلتجأ الى منظمة التحرير وفتح تحديدا تلجأ الى ايران تارة، وتحاول تارةً أخرى ان تخرج بضمانات للانتقال الى المرحلة الثالثة دون إمكانية استمرار القتال! بينما الصفقة صممت أساساً على أساس فتح الفرص لجميع الأطراف لأن اغلاقها يعني الخروج من السلطة تماماً وعدم العودة اليها مرة أخرى وهذا ينطبق بنفس القدر على نتنياهو وعلى السنوار.