بكر أبو بكر
أمد/ كلما أكثرنا النقد لحركة التحرير الوطني الفلسطيني-“فتح” ضجّ الكثيرون رفضًا للنقد على مظنة أن النقد فضّاح! أو أن النقد مرفوض أو أن النقد غير مبرر، أو لايجوز! او غيرها من المبررات.
وعندما ننتقد حركة “حماس” –خاصة حاليًا في النكبة الكارثية على غزة- يخرج عليك الكثيرون أيضًا ليلقوا اللوم عليك فأنت تخرق المقدس أو تدخل في ساحة معصومة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها!؟
وعندما انتقدنا عددًا من مواقف أو خطابات الرئيس محمود عباس وكما انتقدنا بعض مواقف قادة حركة “فتح ثار الكثيرون وبرّروا ثورتهم بأن النقد يجب أن يكون داخلي، فيما الحقيقة أن النقد الداخلي مختلف فهو أوسع وأوضح وأصرح بينما العلني يتعامل مع المواقف العامة، وبطريقة لا تخرج بتاتًا عن أدب الحوار والاختلاف فكلاهما فنان (مثنى فن) يجب تعلمهما.
أن حق النقد مُصان بحدود الأدب وقواعد المهارة النقدية.
لا حوار بلا اختلاف والا لتحول لوشوشة محبّين!
ولا حوار بلا سعي للتوافق، والا تحول لمشاحنات.
ولا حوار بلا بدائل، والا تحول لاستبداد.
ولا ديمقراطية بلا حوار، والتزام.
ثار مقاتلو لوحة المفاتيح للحاسوب وثوار وسائط التواصل حينما تعرضنا بالنقد لعدد من مواقف رئيس المكتب السياسي ل”حماس” سواء الأول أو الأخير أو الوسيط أي كل من د.موسى أبومرزوق ثم خالد مشعل ثم اسماعيل هنية، وغيرهم من قيادات الفصيل.
فكرة النظر للآخرين أجمعين من زاوية عدم العصمة هي الأساس.
فلا عصمة الا لنبي.
ولا موقف غير قابل للنقد حتى في أتون الحرب أو العدوان اوالكارثة.
إن النظر لمواقف القيادات والسياسيين خصوصًا ولخطاباتهم فيتم نقدها إيجابًا أو سلبًا مطلوب، بل يجب أن يكون رياضة عقلية تُعلي من قيمة النقد بمعنى تبيات السلبيات وتعميق الايجابيات، وبما يجعل من الامساك بالنقد باليد اليسرى مدخلًا لتنشيط العمل والابداع والاستفادة باليد اليمنى.
التقبيح ليس نقدًا
في إطار مدرسة النقد مقابل الابداع وضرورة تكاملهما فإن المرفوض كما دأبنا التكرار هو خماسية:
التكفير
والتعهير
والشتم
والتخوين
والتقبيح على أشكاله حسب الحديث الشريف
ما لا يستقيم مع العقل المنطقي أو الابداعي وما لا يستقيم مع فكرة الإنصاف (حيث يتقابل الحق والباطل أوالخير والشر في نطاق صراع بذات المساحة)، ولا يستقيم مع مساحة التغيير التي تفترض التوقف والمراجعة لمساحات الخطأ أو الخطايا ومعالجتها او القفز عنها.
لننظر قليلًا في نموذج إسرائيلي يتعاطى النقد ليس كمخدرات وليس كمحظورات، فيما الهيجان العام يصارع السماء لإثبات حقيقة أسطورية فكرته ويستنزل العناية الإلهية لتأكيد “حقيقتها” الواهية.
يشبّه ديفيد ريمنك، اليهودي رئيس تحرير “نيويوركر” الامريكية، “إسرائيل” بأنها دولة أصبحت في معظمها على اليمين. ويشيد بسياسة صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية اليسارية اليومية التي تسعى كل يوم إلى فضح أعمال الحكومة “المليئة بالمستبدين”. ويطلق عليها الإرهابي “بن غفير” لقب “صحيفة حماس اليومية”.
إن ما أوردناه فيما هو أعلاه كنموذج نقدي سريع عن “نتنياهو” ليس جديدًا، بل شكّل مادة خصبة للعديد من الكتاب والمفكرين العالميين ومنهم اليهود والإسرائيليين المتنوّرين ما يعني بمنطقنا أن فكرة النقد، وبما نتعلمه من العدو فكرة قابلة للتداول تصبح في كثير من الأوقات واجبًا.
إنها فكرة ضرورية، فكرة تغييرية، وإن كان أسلوبنا في نقدنا الوطني الداخلي أو القومي يجب أن يكون مختلفًا بالشدة والقوة والصلابة، عن ذاك في مواجهة التناقض الرئيس أي الاحتلال الصهيوني.
إن مهمة النقد والمراجعة والتقييم جزء لا يتجزأ من علم الإدارة، ومن القيادة.
فحيث تجد التخطيط والتنظيم والتنسيق والتوجيه تجد التقييم، وحيث تجد المبادرة عند الكادر أو القائد تجد النقد أو التصويب أو العمل بعقلية الاحتمالات والبدائل عند العقل العلمي في التنظيم السياسي.
ضجّ ثوار المؤخرة من انتقادنا لعديد مواقف في قادة “حماس” بهذه الكارثة العظمى، وآلاف من مثل مذبحة صبرا وشاتيلا كل يوم، والتي لم يسبق لها مثيل منذ النكبة الأولى عام 1948 وإذا تجاوزنا الحاقدين الأبديين على الثورة أو المقاومة الفلسطينية منذ العام 1965 أو تجاوزنا أولئك المتضررين شخصيًا من قيامة ياسر عرفات أو حمل الرسالة من قبل جورج حبش اوأسماعيل أبوشنب أو صلاح خلف أو فتحي الشقاقي…فإننا نكون بإزاء مجموعات من الناس مهما كان تصنيفها
فإن حق النقد المكفول لها يعني أن مبدأ الاحترام المتبادل وعدم التعرض لذات الشخص هو الأصل.
لا سخرية أو استحقار أو شتم لذات الشخص، والا دخلنا في باب سجالات العيّارين.
لا يجب التعامل مع عقلية النقد بمنطق ما يتفق معي فأنا أحبه! ومن يحتلف معي فأنا أكرهه!
إن الأمور بالسياسة أو العمل العام مرتبطة بالحدث والقرار والموقف بحد ذاته، الذي قد اتفق مع موقف ما اليوم واختلف مع موقف غيره غدًا لذات الشخص أو الجماعة.
المشكلة عند العقل الفكراني (الأيديولوجي)، العقل المتحزب المغلق، هي عدم الفصل بين الثابت العقدي أوالوطني وبين مساحة الاختلاف المتاحة.
فإن كان العقل الأول وهو العقل الثابت والضروري والذي يشكل مرجعية يشغل 10% من ثبات العقيدة الدينية او الوطنية فإن ال90% الباقية هي في مساحة خلافات واختلافات الناس اليومية، ما بين أتفق واختلف أو أصيب أو أخطيء ومن هنا وجب الفصل بين العقدي الثابت والسياسي المتغيّر، وحين خلطهما يضييع التمييز وتصبح البوصلة ما بين الفسطاطين فقط (معسكر الحق مقابل معسكر الباطل).
نعم يحق لك انتقاد فصيل “حماس” فكرًا أو ممارسة، وكل أو بعض أو عدد من مواقف قادته، وكما يحق لك ذات الامر مع “فتح” ومع “الشعبية” و”الجهاد” وغيرهما من فصائل العمل الوطني. فالمساحة هنا رحبة إنها في مساحة ال90% أيضًا مادام الوعاء الذي يجمعنا هو فلسطين (وهي أي فلسطين هنا تدخل وطنيًا في مساحة ال10% فقط).