عدنان الصباح
أمد/ سيسجل التاريخ ان مقتلة عصابة الشر ضد غزة هي حرب بين حضارتين حضارة الروح الصافية الطيبة الصادقة كروح اصحابها وحضارة الموت والنهب الظلامية القاتلة المجرمة كخزائن اصحابها
يحكى ان معلما عبقريا كانت تشغله الفيزياء اكثر من اي شيء آخر وبسبب من عبقريته كانت المدارس تطلبه بالاسم وقبل الجميع التغاضي عن هندامه مقابل عبقريته الى ان قررت الادارة التربوية اعارته الى احدى مدارس الفتيات فذهب على ما هو عليه من فوضى الهندام وعدم حلاقة الذقن مما اثار حفيظة مديرة المدرسة وهي سيدة عرف عنها الالتزام والانضباط الشديدين فاستدعته الى مكتبها وافهمته ما اثار دهشته
قالت المديرة
– هل تعلم يا استاذ ان المدرس تماما كالجندي وان غرفة الدرس معركة ولذلك يجب ان تتصرف كجندي منضبط ولا يجوز ان تكون على هذه الحالة من الفوضى
وقبل ان يغادر مكتبها ذكرته بان لا ينسى انه جندي
في اليوم التالي اختار استاذ الفيزياء ان يأتي متأخرا بضعة دقائق بما يضمن بدء الحصة الاولى حيث يعم الهدوء كل المدرسة وحين وصل وبدا بصعود الدرج خرجت المدرسة جميعها من تلميذات ومعلمات بما في ذلك المديرة على صوت بسطار استاذ الفيزياء يدق الارض على طريقة العساكر فصرخت به المديرة
– ما هذا يا استاذ ؟
– حيرتينا انت مش بدك نكون جنود في معركة العلم
وخرج استاذ الفيزياء من المدرسة الى غير رجعة وخرجت معه الفيزياء وظل بسطار الجندي وهندامه الممل مانعا لأي ابداع واي فعل.
لم اسرد هذه القصة من باب الترف ولا التندر بمعلم قدير وفيزيائي مبدع لكن ما اراه من ابداع المقاومة في غزة وابطال القسام وسرايا القدس وهم يقاتلون حفاة وفي احسن الاحوال حفاية من النوع الذي لا يصلح للمشي على ارض معبدة ومع ذلك يجترحون المعجزات ومن حولهم عالم من الجيوش من كل الاشكال والالوان ببزات رسمية مكوية بعنايه ومزينة بأجمل الشارات والاشارات بعضها له معاني والبعض بلا معنى وبأوسمة عن معارك لم تحدث وتظل هذه الجيوش تعيش حالة من الانضباط والسيطرة التامة ويتعلم جنودها فن اللباس وفن المشي وفن العزف وفن تأدية التحية وفن الطاعة المطلقة ولا يعرفون عن الوطن الا نشيده الذي يستمعون اليه ولا يفهمون منه حرفا لان همهم يكون منصبا على وقفتهم وشكل التحية التي يؤدونها طوال عزف النشيد وابدا لا يتعلمون شيئا عن القتال ولا عن الابداع ولا عن الابتكار ولذا ينتسب الجندي الى جيش بلاده حالما ويخرج منه مطحونا لا يحمل في جعبته الا قدرته على نقل الظلم الذي وقع عليه الى عائلته ومحيطه.
مقاتلي المقاومة الفلسطينية او المجاهدين كما يلقبون انفسهم يحفظون نشيدهم الوطني كما يحبون وهم لا يلتزمون بكلمات محددة ولا بنشيد محدد فبعضم يحفظ ىية من القرآن الكريم ويعتبرها نشيده ونشيد بلادها ويهمها ويؤمن بها ويقاتل في سبيلها وآخرون يستلهمون من فلسطين وتاريخها وابطالها ما يكفيهم زادا للجهاد والقتال في سبيل غد فلسطيني حر.
طوال شهور ثمانية وها انا اكتب على بوابة الشهر التاسع وابو حفاية لا زال يقاتل دون ان يطلب ساعة للراحة ولا وجبة ساخنة ولا لباس نظيف ولا فراش وثير … ابو حفاية قد لا يأكل يوما او اثنين واذا اكل فهو لا يعنيه ماذا ولا كم كل ما يعنيه ان قطعة الخبز التي سيأكلها ستكفي زوادة له لمواصلة القتال وليس اكثر.
من باطن الارض يخرجون لم يعرفوا ترف الماء شرابا فكيف اذن سيعفروه للاستحمام ولم يعرفوا ترف اللباس النظيف ولن يجدوه بعد ان اصبح لباس السابع من اكتوبر هو اللباس الوحيد المتاح لهم ووضوء صلاة الفجر يوم السابع من اكتوبر هو اخر استخدام للماء لحاجة غير الشرب … على بوابة الشهر التاسع تقطعت اخر الاحذية وذابت اخر النعال واهترأت كل وسائل الانتقال وظلت اقدامهم مزروعة في الارض كشجرها وهاماتهم تناطح السماء حبا بحثا عن مكانة هناك حيث يسكن من كانوا لهم نبراسا وراية.
قادة الاحتلال الذين وضعوا امام الشعب الفلسطيني خيارات ثلاث قبل السابع من اكتوبر اما الرحيل واما الخنوع واما الموت فاجأهم الخيار الاول الذي لم يتوقعوه ولم يصدقوه ولا زالوا يعيشون حتى اللحظة وسيبقون كذلك تحت وقع الصدمة من هؤلاء اشباه الملائكة الذين يدفعهم ايمانهم ليصنعوا من العدم انتصارا.
في غزة ومنذ اكثر قرن من الزمن والاعداء يحاولون عبثا اجبار هامات الرجال على الانحناء وجعل ارحام النساء تلد خانعين واخر المحاولات كانت في الحصار والحروب المتلاحقة طوال عقدين من الزمن حتى ان احدا لم يعد يصدق ان في غزة كل هذا الكم الهائل من مناجم الكبرياء والقوة والكرامة والعطاء وهوما جعل قادة حكومة عصابة نتنياهو يصابون بالهلع وهم يقاتلون اشباه ملائكة ولا يدرون من اين يخرجون وكلما اعتقدوا انهم انتهوا منهم خرجوا اكثر باسا وقوة ومن حيث لا يدري عدوهم.
قبل ان تبدا الحرب الارضية والمقتلة الاجرامية على غزة كتبت وقلت ان الاحتلال ككل احتلال يمنح الابطال ادوات نصرهم فغزة الارض الرملية المنبسطة بلا جبل او واد او تلة او غابة اصبحت بقدرة قادر غابات من الاسمنت وصار للمقاومين بدلا للأنفاق التحت ارضية المحدودة انفاقا لا حدود لها فوق ارضية من اكوام الركام وحصاد الجريمة ضد الحجر والبشر وتحولت الى مقابر للغزاة حقا وبدل ان تكون الانفاق مخابئ المجاهدين صارت اكوام الركام مخابئ والانفاق لأعدائهم مقابر.
قد لا يأتي البطل ابو حفاية بنصر القرن الواحد والعشرين فورا ولكنه صنع معادلات لا حدود لها للقرون القادمة وقد كتبت بحفايته اول سطر في نصر البشرية ضد جلاديها
– فضح وبالمطلق حقيقة الدور الذي تقوم به دولة الاحتلال في فلسطين والمنطقة كقاتل ماجور للولايات المتحدة وعصابتها لا اكثر ولا اقل
– هشمت مشروع الولايات المتحدة الهادف الى تسكين الشرق الاوسط وتحويلة الى قاعدة امريكية تدار في مياهه الدافئة الحروب ضد روسيا والصين تحديدا.
– وضع حدا لكل مشاريع التسوية القائمة على الاستجداء والدونية وعلى قاعدة انتظار المنح من الولايات المتحدة وان حقوق الشعب تمنح ولا تؤخذ.
– الغى الفوارق الكاذبة بين الضعفاء والاقوياء وقدم صورة البطل المؤمن بقضيته العادلة والقادر على محاربة الشر أيا كانت قوته وامكانياته
– اثبت السابع من اكتوبر ان زمن التحالفات والمحاور في مواجهة الولايات المتحدة وعصابتها الامبريالية لم ينتهي بغياب الاتحاد السوفياتي وقدم نموذجا لصلابة ومتانة الاحلاف والمحاور عبر تحويل كل قوى وجبهات محور المقاومة الى جبهة موحدة ضد المشروع الامبريالي في المنطقة وفي العالم وجعل من اصغر بقعة ارض ” غزة ” اكبر مركز للوقوف في وجهة اعتى قوى الامبريالية وادواتها.
– كتب للعالم درسا جديدا في الاخلاق بعد ان ثبت لكل جهات الارض انه لم يرتكب موبقة اخلاقية واحدة يوم السابع من اكتوبر وسقطت كل اكاذيبهم ولم تصمد امام الحقيقة
– كشف للعالم نفسه وللشعوب جميعا زيف الشعارات والاتفاقيات والقوانين والمواثيق والشرع الكونية والوطنية بكل اشكالها
– اثبت ان الحضارة ابدا ليست بنوع اللباس ولا بلون ربطة العنق ولا بدرجة لمعان الحذاء ولا بالوان الكتب ولا بدور السينما والنشر والانتاج ولا بصناعة الطائرات والاقمار الصناعية ولا بالثورة الرقمية واقتصاد المعرفة ولا بإخضاع كل ذلك لإمبريالية المعرفة الجديدة المسلحة بأدوات الموت بدل الروح.
– اثبت ان الارادة تصنع المستحيل وان الشعوب الحية لا يمكن ان تموت
– صنع حلفا للمظلومين على جبهات الارض ومع حفاة اليمن ولبنان وسوريا والعراق وايران ومعهم حفاة الاقدام مكتسي الروح في كل الارض حلفا سيدوم عقودا وعقود الى ان ينتصر
– فتح الابواب على مصراعيها لكل اصحاب الفكر الحر والنزيه ان يعيدوا قراءة فكرهم وكتابته من جديد على ضوء شموع ارواحهم وخطوات حفاياتهم وان يسعوا لتأسيس فكر جديد لاقتصاد جديد وبدل اقتصاد وفكر الامبريانولوجي ” امبريالية المعرفة ” اقتصاد وفكر الروح وهو ما يحتاجه البشر لملأ الفراغ الذي حفره القتلة واللصوص بقيادة بايدن وعصابته في عقول البشرية.
– السابع من اكتوبر 2023 وما تلاه اسقط كل اوراق التوت عن عديد المسلمات التي لم تكن موضع نقاش جاد ومنها القومية العربية والمنظومة الاسلامية وصنع حقائق جديدة وارضيات لتحالفات لم تكن في الحسبان ابدا ومنح الهلال الشيعي مكانة مرموقة في دفة القيادة للمقاومة بالدم وقدم صورة المدافع الحقيقي عن المظلومية الواقعة على الشعب الفلسطيني لقوى محور المقاومة والتي تتكون من كل القوى الشيعية والمقاومة الفلسطينية التي تنتمي نظريا الى الاسلام السني.
– فضح الدور الحقيقي لعديد من انظمة ودول العالم الرسمي والتي ظهرت على حقيقتها بما يعني انه صنع حالة من الفرز بين القمح والزوان.
– صنع جبهة عالمية يمكن ان نطلق عليها جبهة النبلاء وهي تتألف من كل المؤمنين بالعدل والحرية وحقوق البشر والمساواة والقيم الانسانية السمحة
– سيكتشف جيش الاحتلال وناسه غدا بعد ان يعودوا لإحصاء قتلاهم وتذكر ما فعلوا انهم يوما لم يدافعوا عن التوراة ولم يصنعوا مجازر ومذابح ومقتلة ولم يموتوا في سبيلها بل قتلوا دافعوا عن عصابة الولايات المتحدة وعصابتها وانهم لم يكونوا الا قتلة ماجورين لخدمة اغراض اسيادهم.
للمرة الاولى عبر التاريخ تقدم بلد صغير وشعب صغير مظلوم ومعه كل المظلومين والمحاصرين والمحاربين في المنطقة قرابين على مذبح حرية الانسانية بعشرات الالاف من الاطفال والنساء والرجال الى جانب تحويل مجتمع باسره ” 2,5 مليون ” انسان الى شهداء وجرحى وجوعى وعراة ومرضى وعطشى حتى بات يستحيل القول ان هناك شخص سوي واحد على ارض غزة الا ابطال المقاومة الذين يشغلهم القتال عن تلمس جراحهم.
لست ادري كيف سيكون شكل نهاية الحرب ” المقتلة ” ولا الحرب الاسطورة بالمقابل ولكني واثق ان ابطال المقاومة من كتائب القسام وسرايا القدس قد شقوا دروب الحرية للبشرية واسقطوا مرة واحدة والى الابد حكاية السطوة الامريكية وشرعة ” الكاوبوي الامريكي ” على جهات الارض وان مهمة ابناء المجتمع الانساني اليوم ان يقوموا بتعبيد هذا الدرب وعلى بواباته ان يرفعوا نصبا تذكاريا لحفاية البطل وهي تكنس عن الارض حضارة النهب والقتل والتدمير التي يقودها البيت الابيض وعصابته.
رغم كل التأثيرات التي احدثها السابع من اكتوبر على القضية الفلسطينية وفي مقدمتها اعادتها من نقطة الصفر الى الوعي الانساني الا ان تأثيرات هذا اليوم وما بعده سيكون لها كبير الاثر على مستقبل البشرية وقد يكون جنون الولايات المتحدة وقاتلها الماجور هو الذي دفع بالسابع من اكتوبر ليتحول الى اداة كي حقيقية ستمتد لعقود عقود للوعي الانساني برمته وهي المرة الوحيدة في التاريخ الت يلم تتمكن فيه دولة القتلة الماجورين من لعب دور الضحية الا لأيام قليلة سقطت بعدها بدفع من سيدها في بئر جريمة الغت كل مظلوميتها التي عاش عليها اليهود عبر التاريخ وحلت مكانها مظلومية الشعب الفلسطيني التي استمرت بمؤامرة كونية لأكثر من قرن من الزمن وثبت للعالم ان عليه التكفير عن جريمته بتغييب الشعب الفلسطيني وحقوقه وذلك لن يتاتى ابدا الا باستعادة البشرية لوعيها ومكانتها واطلاق رؤية جديدة لحضارة تنفي حضارة الثروة والنهب لصالح حضارة الروح والعدل