أمد/
وسط حضور كبير من المثقفين والمعنيين بالأدب، وتحت شعار – كنعان حاضرة في الجليل – أقام نادي الكنعانيات للإبداع أمسية ثقافية مميّزة، استضاف بها الأديبين د. فهد أبو خضرة لتوقيع كتابه (القاموس الوافي للإنجيل المقدس)، وهيام مصطفى قبلان لتوقيع كتابها القصصي (بعد أن كبر الموج)، وذلك في دار عقودة ناصر داود في عبلين، وضمن مهرجان عبلين الثّقافيّ السّنوي الأول الّذي أقامته جمعية عبلين في القلب، واستمرت برامجه الثّقافيّة الثرية من 6/ 2024.6.10، وقد تضمن معرض كتاب في القلب بإدارة “قهوة وشاي”، وبازار فن تشكيلي للفنان عوّاد عوّاد.
تولّت إدارة الأمسية المربية رفقة عواد سليم، وقد رحبت بالحضور وبالضّيوف، ثم تحدث بإسهاب د. منير توما تحت عنوان – الفرادة الإبداعيّة “للقاموس الوافي للإنجيل المقدس” للدكتور. فهد أبو خضرة، ومداخلة أخرى مستفيضة بعنوان الرّمزيّة في قصص مجموعة – بعدَ أنْ كَبُرَ الموج- للأديبة هيام مصطفى قبلان، تخللتهما معزوفة شرقية على العود بأنامل الفنان الواعد كريستيان عزام، ومشاركات شعرية لكل من هيام مصطفى قبلان من عسفيا الكرمل، وفاء عياشي من طمرة الجليلية، ووفاء فضل من حيفا، ثم حاورت الأديبة آمال عوّاد رضوان د. أبو خضرة حول منجزه الأخير، والمصاعب الّتي واجهته في البحث والتّحقيق، وحول رسالته وهدفه من هذا الكتاب.
في نهاية اللّقاء قدم مؤسّسا جمعية عبلين في القلب السّيد أسامة دعيم والسّيدة عفيفة حاج أبو غنيمة دروع تكريم رمزية للمشاركين، وشكرت المربية رفقة سليم الحضور والضّيوف والقيمين على هذا التّنظيم، وتم التقاط الصّور التّذكارية.
جاء في كلمة عرافة أمسية كنعان حاضرة في الجليل- المربية رفقة سليم:
مساؤكم أدبيّ نديّ ممتع أيّها الحضور الكريم مع حفظ المقامات والألقاب، أهلًا ومرحبا بكم جميعًا من أعماقِ القلبِ، وتقديري لذوي الوجوه الكريمة وكل من قطع مسافات لحضور هذه الأمسية الثّقافيّة الدّافئة الحميميّة الجليلة والمباركة بكم.
شرف لي أن أقف أمامكم اليوم في هذا الحفل البهيج، وأمام قامتين أدبييتين شامختين، د. فهد أبو خضرة، وهيام مصطفى قبلان، ويسعدني أن أستثمر هذه المنصة وأقول بفخر وبملء الثغر: إنّ أمّةً تجري بأقدامِها ولا تجري بعقولِها بين الأممِ، هي أمّةٌ عرجاءُ لا تستطيعُ أن تجريَ مع الأممِ إلى تحقيقِ أمانيها في موكبِ الحضارةِ المتدحرج! أضرعُ إلى اللّه أن يشملَنا جميعًا برعايتِهِ لخدمةِ الإنسانِ والإنسانيّة!
باسمكم نشكر نادي الكنعانيات للإبداع، وعبلين في القلب، والنّادي النّسائي الأرثوذكسي عبلين، شكرا لآل داود من أتاحوا لنا عقودة دار ناصر للاحتفاء بهذه الفعاليات الّتي تداعب القلب وتُثرينا فِكرًا وروحًا، شكرا لكل القيّمين والجهات الدّاعمة الّتي ساهمت في إنجاح هذه الفعاليات المشجعة والمحفزة على المشاركة الفعّالة في بناء المجتمع وبلورة هُويّته، فالإبداع هو وسيلة للارتقاء بالمجتمع وكفاءته على كافة الأصعدة.
محطتنا الأولى مع د. فهد أبو خضرة: دعونا هذه اللّيلة نجوب في رحلة قصيرة ثرية، ونتوقف في محطتنا الاولى عند فارس اللّغة القادم على صهوةِ البحث المضني، إنه د. فهد أبو خضرة، يطل علينا بإبداع متميز جديد بعد عمل سنوات طويلة، يحمل في أحشائه مؤونة أدبية زخمة، يلقي الضّوء عليها الأديب النّاقد د. منير توما من كفرياسيف.. فليتفضل.
ومحطتنا الثانية مع هيام مصطفى قبلان:
لقد قال توفيق الحكيم: “إنّ عقل المرأة إذا ذبُلَ ومات، فقد ذبُلَ عقل الأمّة كلّها ومات”. كمْ يطيبُ لي في هذه المناسبةِ العزيزةِ أن أعبّرَ عن إجلالي وتقديري العميقينِ للكاتبةِ المتألّقةِ هيام قبلان لقلمها الوضاء شعرا عاصفا، والسّيال أدبا زاخرا بموهبتها وحسها المرهف، تُطلُّ علينا من عسفيا الغراء ومن شوامخِ جبالِ الكرمل، بإبداعها القصصي الأخير، “بعد أن كبر الموج”، والّذي يتناوله د. منير توما بقراءة نقدية متمحصة.. فليتفضل.
أمّا محطتنا الثالثة فهي مع الشعر ، ولأن الشّعر منحة إلهيةّ مقدسة وغاية إنسانيّة مبجلة، نفتح قلوبنا لنسائم شعرية: نبدؤها: مع هيام مصطفى قبلان من عسفيا الكرمل، ثم مع وفاء عياشي من طمرة الجليلية، ومع وفاء فضل من حيفا.
مداخلة د. منير توما – الفرادة الإبداعيّة “للقاموس الوافي للإنجيل المقدس” من وضع د. فهد أبو خضرة
لقد قام الدّكتور الفاضل فهد أبو خضرة بعملٍ إبداعيّ فريد من نوعه، بوضعهِ معجمًا وافيًا للإنجيل المقدّس يتمشّى مع فن التّأليف المعجمي الحديث. ونحن حين نتفحّص هذا المعجم الثري لغويًا ومعرفيًا نُقدِّر ثقل العبء وخطر المهمة الّتي سعى الدّكتور أبو خضرة لإنجازها، حيث مضى في رأينا وهو يعلم أنّ هذا النّوع من التّأليف يتطلّب النّفس الطويل الّذي لا يقاس بمقياس الزّمن ولا يُحسب للوقت فيه حساب. ومن خلال إبحارنا في صفات هذا المعجم أو القاموس، يتضّح لنا أنّ هذا المعجم لونٌ جديد في عالم المعجمات المسيحية، فيه تأصيل وتحقيق، وجمع واستيعاب، ورجوع الى المصادر الأولى.
يتصّف هذا القاموس بغزارة المواد، وجمالية الطباعة، وأناقة الإصدار مما يَدُّل أنّ الدّكتور فهد أبو خضرة قد عُنِيَ في تأليفِهِ ووضعهِ عناية خاصة بالوضوح والدّقة، فرُتِّبَ ترتيبًا دقيقًا، وبُوِّبَ تبويبًا سهلًا، والتّزم المؤلف فيه التّرتيب الحرفي، فجاء هذا القاموس متابعًا للعلم والأدب وسعة الأفق ثقافيًا وفكريّا في نصوصه المعجمية الشّاملة في سيرها وتطوّرها. ومن اللّافت أنّ ما يميّز هذا المعجم دقة التّرتيب ووضوح التّبويت منهجيًا، الى جانب لغوي عُنيَ بأن تُصّوَّر اللّغة تصويرًا كاملًا يشهد بالدّقة والأصالة والتّجديد والسّهولة والسّلاسة.
لا يخفى على الكثيرين أنه يمكن لأي شخص قرأ الإنجيل أن يواجه صعوبات عند قراءة بعض الأجزاء المربكة في الإنجيل. ولا يُفتَرَض بذلك أن يفاجئنا، ويجب الأخذ بعين الإعتبار أنّ هذا المعجم الّذي نحن بصدده يُسهم الى درجة كبيرة جدًا بوضوح كتب الإنجيل. فقد أعدَّ مؤلف هذا القاموس من أجل القرّاء الّذين قد يصعب عليهم فهم بعض عبارات الإنجيل، حيث يتم فيها توضيح الكلمات والعبارات الّتي قد لا تكون مألوفة أو عصيّة على فهم القارئ.
لقد نجح المؤلف الدّكتور فهد أبو خضرة في هذا المعجم في تقديم الشّروحات اللّغوية للكلمات، مصحوبة بنصوص من الإنجيل المقدّس تُبيَّن أساسيات الإيمان المسيحي والأفكار اللّاهوتية الأساسية في الإنجيل بأسلوب متعمِّق لكنه بسيط وسهل، حتى أنّ كل مَن سيقرأ في هذا القاموس سوف يجد ضالتّه في الفهم الرّوحيّ، بل أنّه سوف يجد من التّطبيقات العملية للحقائق اللّاهوتية الّتي تساعده في تحويل النّظريات والأفكار اللّاهوتية الى قرارات وخطوات تشكِّل علاقتنا باللّه والمسيح، وعلاقتنا بالإنسان عبر التّفسير اللّغوي المعجمي للكلمات الواردة في سياق النّص الإنجيلي وأمثلة توضيحية على ذلك.
إنَّ “القاموس الوافي للإنجيل المقدّس” يؤكِّد للقرّاء ما يعرفه الكثيرون من أنّ هناك تشابهًا كبيرًا في مضمون الأناجيل. وهذه حقيقة ندركها في قراءة الأناجيل متى ومرقس ولوقا الّتي تتشابه؛ لذلك أُطلِقَ عليها اسم “الأناجيل الإزائية” والّتي تعني من
“منظور مشترك”.
أمّا إنجيل يوحنا فهو فريد حيث يدعى بالإنجيل الإلهيّ. والأمر هنا مرتبط بكلمة منظور، perspective فعلى الرّغم من أنَّ الأناجيل الإزائية تملك منظورًا مشتركًا، إلّا أنها ليست متطابقة. لهذا السّبب لدينا أربع وجهات نظر عن “حياة يسوع” تركِّز على مشاهد وأحداث مختلفة؛ والفائدة من تعدّد المنظور هي أنها تساعدنا أن نفهم بالتّمام أهمية شخص السّيد المسيح على الأرض والإنسانيّة. وبالتّالي جاء هذا القاموس ليشكِّل عنصرًا مهمًا إيضاحيًا يهدف الى الاستنارة الإنسانيّة والفكريّة والرّوحيّة.
من الجدير بالإشارة أنّ هذا القاموس اللّغوي القيِّم لا ينفرد فقط بتفسير وتوضيح معاني كلمات الإنجيل، بل يضيف معنًى آخر هو إمكانيّة تبسيط اللّاهوت، ولو كان ذلك بشكل غير مباشر، فاللّاهوت علم علاقة الإنسان باللّه وفهمه لطرقهِ. إنّ البعض يدعو الى توصيل الأفكار اللّاهوتية للإنسان البسيط وشرحها بأمثلة ووسائل إيضاح سهلة.
والبعض الآخر لا يستطيع إلّا أن يضع أفكار وشروحاته اللّاهوتية المتعمقة في إطارٍ مركب لا يستطيع القارئ فهمه، إن لم يكن باحثًا لاهوتيًا غارقًا في النّظريات اللّاهوتية، وبالتّالي لا يستطيع الدّارس البسيط أن يفهمها ويتجاوب معها. ومن حيث أنّ الدّكتور أبو خضرة لم يتوخَ في هذا القاموس تدريس اللّاهوت، وانّما لجأ إلى تفسير المعاني اللّغوية للكلمات الواردة في الإنجيل بصورة لمّاحة أدّت الهدف الأساسي المنشود، وأسهمت الى حدٍ لافتٍ جدًا في إيرادها مزيدًا من الشّروحات اللّاهوتية والتّفسيرات الدّراسية المتنوعة الّتي برز فيها أيضًا إشارات توضيحية نحوية في لغتنا العربية وهو بذلك يكون قد مارس أسلوب السّهل الممتنع في الشّرح والتّفسير اللّغوي البعيد عن التّعقيد والمواربة.
وأخيرًا وليس آخرًا، سُئلَ أحد كبار اللّاهوتيين أن يلخص الإنجيل في جملة واحدة، فرنّم لهم ترنيمة مشهورة باللّغة الإنجليزية.
“Jesus Loves me yes I Know.. The Bible tells me so”، وترجمتها بالعربية: “أعلم يقينًا أنّ المسيح يحبني لأنّ الكتاب المقدّس يقول ذلك”.
وهكذا تنطبق عليك مقولة هذه التّرنيمة يا دكتور فهد العزيز أبو حبيب، فلك منّا كل محبة وتقدير، واحترام على هذا الإنجاز الرّائع، مع أطيب تمنياتنا لك بدوام الصّحة والعطاء والعمر المديد.
مداخلة د. منير توما بعنوان – الرّمزيّة في قصص مجموعة – بعدَ أنْ كَبُرَ الموج – للأديبة هيام مصطفى قبلان
إنّ أول ما يستوقفنا عند قراءة قصص كتاب “بعدَ أن كَبُرَ الموج”، أنَّ الأديبة الشّاعرة هيام مصطفى قبلان قد انتهجت في هذا الكتاب النّهج الشّعريّ أو ما يُعرَف باللّغة الشّعريّة (poetic language)، من خلال رؤية تشاؤمية لحياة المرأة في مجتمعٍ ما تَغْلُب عليه الرّوح المحافظة، حيث تعاني الأنثى بشكل عام من الغُبن الاجتماعيّ وحرمانها من الحرية حتى ولو كانت هذه الحرية معتدلة ومحدودة الممارسة مما يعكس كره الكاتبة لمضامين مثل هذه الحياة بصورة نقدية مفهومة ايحائيًا، فهي تنظر الى مثل هذه الحياة وكأنها بمثابة حياة بدائية ساذجة للمرأة الّتي تصبو الى التّحرّر من الكبت بكونها ضحيّة فَرَض عليها المجتمع الذّكوري قيودًا حرمها من أن تكون وليدة الرّفاهية والاسترخاء، بل كانت قرينة سلسلة من المحن والآلام. فقد انتجت الكاتبة في قصص الكتاب نساء مغموسات في الأسى، فكان انتاجها أقرب الى الصّيحة تنطلق من قلبٍ جريح. عند قراءة قصص كتاب “بعد أن كَبُرَ الموج” نستنبط أنّ الكاتبة قد آمنت بأن الإبداع الأدبي عن معاناة الأنثى في المجتمع، محور حديثنا، يوقظ وجدان البشرية، وأن مستوى هذا الإبداع اذا ما ارتفع شكّل نظرة جديدة قوامها العدالة والرّحمة والمحبة، وجعل حياتنا طيّبة خضراء حقيقيّة سماوية وواقعًا قدسيًا تُكرِّم فيه المرأة أو الأنثى وتُمنَح الحرية والاحترام الإنسانيّ على أقل تقدير.
لقد ضّمّنتْ الكاتبة في هذه القصص كثيرًا من الصّور الرّمزيّة الّتي تشارك الألفاظ همسها وإيحاءَها، لم تخْلُ من غموض في عيون بعض القرّاء الّذين اختلفوا في تفسيرها.
إنّ الشّخصيات النّسائية الّتي تصورها الكاتبة تنطق بشعور الحياة، وتنبض في طياتها ما يشبع نفس الكاتبة ويحقّق ما تبتغيهِ.
إنّ لغة الكاتبة الشّعريّة جعلتها قادرة على تحويل عباراتها النّثرية الى ما يشبه القصائد الّتي تحمل رنين الشّعر، وإن لم تحمل أوزانَهُ، وتلوينها بالظلال ونبضات العواطف، مما أضفى على لغة الكاتبة تألقًا وقدرة على التّأثير والإيحاء.
أما إذا انتقلنا الى التّطبيق الرّمزيّ على عدد من قصص الكتاب كنماذج، فإنّه من الأجدر بنا اولًا أن نتناول بالتّحليل الرّمزيّ لعنوان الكتاب “بعد أن كَبُر الموج”، فهذا العنوان يشكِّل مفتاحًا لثيمات مضامين الكتاب الرّمزيّة، فالموج يرمز الى المبدأ الأنثويّ (the feminine principle) الّذي يحتاج الى التّجديد والتّجدّد (regeneration)، والى الإنبعات الرّوحيّ المجتمعي بحيث يؤدي ذلك الى جريان للأحلام الأنثويّة بانحسار وارتداد الكبت والقهر والقمع والحرمان، مع الحفاظ على ما في اللّاوعي من طهارة في خضم التّغيُّر الواجب إحداثه في ظروف وحياة الأنثى المتبلورة في قصص الكتاب، والّتي تعكس لنا حتمية ووجوب انقلاب جوهري في حياة الباطل القهرية الّتي تتعرض له الأنثى، والّتي تحلم بنشاط وقوة روحية متجدّدة، من خلال تغيُّر جذري في الأفكار (radical change in ideas) ونبذ كل الأوهام (illusions) الّتي يتبناها أفراد المجتمع ذكورًا وإناثًا بأفكارهم التّقليدية الرّجعية البائدة.
وفي بداية حديثنا عن القصص بالتّحديد، نجد في قصة “أفقد نفسي” (ص 5) مضمونًا يرمز الى الأمومة والموت (maternity and death) المتمثّل في خيانة الزّوجة الجنسية، وغرورها وخيلائها (vanity) تجاه بنات زوجها، وخداعها للزوج الّذي يموت في نهاية المطاف قهرًا، بعد مغادرة ابنته (راحيل) بيت أبيها وزواجها ممن اختارته بعد عدم نجاحها في اقناع والدّها بخيانة زوجته المرائية المفترية.
وفي قصة “أشتهيتك يا موت” (ص 30) نرى رمزية الرّغبة الجنسية القوية والشّهوة (lust) للرجل الّذي يعتدي على الفتاة الأنثى، ويستغلها جنسيًا ويفض بكارتها ملاحقًا إياها بعد محاولتها الهرب منه، حيث يمثل عكاز هذا الرّجل المعتدي في مشهد اللّحاق بها رمزًا جنسيًا قضيبيًّا (phallic symbol).، لتحقيق اصطياد فريسته الأنثى الفتاة الّتي تحاول الهرب منه.
وتصادفنا مرةً أخرى حادثة خطيب إحدى الفتيات المدعو (سالم) الّذي تسلمه هذه الخطيبة نفسها جنسيًا، ثم يتخلّى عنها بعد ان تحمل منه، فتقوم أمها بقتل الطفل المولود لإخفاء عار ابنتها المدعوّة (سماح). وفي مشهد مكان العمل أي حقول التّفاح تكمن رمزية هذه الحقول الّتي ترمز في هذا السّياق الى الموت والحرمان من الأمومة، واغتنام الذّكر للفرص للوصول الى مآربهِ الشّريرة ولا مبالاته بفضيحة مَن عاشرها وسبّب لها بمأساة حياتها. وفي جوهر هذه الحادثة تَدين الكاتبة رمزيًا الرّجل الّذي لا يلتزم بمبدأ الرّعاية الرّوحيّة أو التّهذيب الرّوحيّ (spiritual cultivation).
وفي قصة “بعد ان كبر الموج” (ص 58) الّتي يحمل الكتاب هذا العنوان، نجد أنّه جاء في نهاية نص القصة على لسان الفتاة: “كيف باستطاعتي أن أترك قطعة مني بعد أن كبر الموج بداخلي؟ كيف باستطاعتي ان اترك قطعة مني، بعد ان بَنَت العصافير
اعشاشها بين ضلوعي، لتعيش بأمان؟” وفي كلمة العصافير في هذا السّياق رمزية الى روحانية النّفس في الفتاة، وأفكارها المُتسِمّة في التّحرّر والتّمرد على الحرمان، وذلك بفعل ثراء خيالها الّذي يهفو الى تجاوز التّقاليد البالية والقيود المتعارف عليها، والسّير في اتجاه الإبداع والحب المنشود في اطار الحرية الّتي ترمز إليهِ العصافير.
وباستمرارنا في التّعامل مع الرّمزيّة في قصص الكتاب، نأتي الى قصة “ذاكرة العسل المر” (ص 68)، حيث يرمز العسل المر الى فقدان كلٍ من الأمور التّالية: الهناء الأبدي (loss of eternal bliss)، الحلاوة (sweetness)، الحكمة الرّوحيّة spisitual wisdom)، الوفرة (abundance)، المبادرة (initiation)، والأنا العليا للذات (the higher ego of self).، ومعاني هذه الرّموز يعكسها ويجسدها النّص التّالي في ختام هذه القصة:
” وبين شهقتين، يلتقط ستيفانوس بقايا حلمه.. يطفو على وجه الماء خيال، لجسد يعبق برائحة الكرز الممزوج بعسل مرّ!”
وهنا يرمز الكرز الى العذرية (virginity)، وإلى الإثمار (fruitfulness) الّذي لا يكتمل جانبه الإيجابي بوجود العسل المرّ الموحي بخيبة الأمل والإحباط.
وختامًا، نكتفي بهذا العدد من قصص الكتاب، ولكن لا بُدَّ لنا أخيرًا أن ننوه الى الحقيقة بأنّ الموج الوارد في عنوان الكتاب مرتبط بالبحر واقعيًا ورمزيًا، حيث يرمز البحر في سياق مضمون الكتاب إلى المرأة، والى المصدر المولِّد للحياة (the generative source of life)، والى القوة الدّيناميكية لها (dynamic force)، والى الشّوق للمغامرة (longing for adventure)، وارتباط المرأة بالرّغبة الجنسية (sexual desire)، والتّطهُّر (purification)، والضّمير (conscience) والاستكشاف الرّوحيّ (spiritual exploration)، والموت والتّجدّد، والوحدة (loneliness)، والفوضى (chaos)، والهاوية أو الجحيم (abyss)، والحرية (liberty). وبهذا فإنّ معاني رمزية البحر هذه كلُّها تؤكِّد أنَّ الوقت قد حان ونضج للسير بالمرأة قُدُمًا، لتجاوز السّلبيات المجتمعية الّتي تحدثت عنها الكاتبة رمزيًا، وايحاءً لتحقيق الآمال المرجوة في انفراج حالات وظروف المرأة الإنسانيّة “بعد أن كَبُر الموج” بكل تداعيات وتشعبات معاني هذا العنوان الرّمزيّ.
فللأديبة الشّاعرة الفاضلة هيام قبلان أطيب التّمنيات بالصّحة ودوام الابداع والعطاء.