أمد/
إن هذا الكتاب ، نقد السياسة الكوردية (غربي كوردستان أولاً) امتداد طبيعي للأساس الذي قمت بتشييده وأعني به كتابي الفكري البكر (الحب وجود والوجود معرفة) ومن نقد وتعرية الذهنية الشمولية والإسلام السياسي وحقبة الربيع العربي وبعث الإنسان المعرفي، وحديثي عن الأنظمة والأحزاب الشمولية بشقيها المؤيد لتلك الأنظمة والمعارضة لها على ضوء الشرق الأوسط وكوردستان كان بمثابة تأكيد مستمر على ذلك التحلق حول إحياء الجثة المتفسخة غير القابلة للتحنيط وإعادة الإحياء وقد رأيت من الأهمية بمكان كتابة هذا الطرح أو الرؤية لتكون البديل لا أن أكتفي كما يفعل الكثير بالإدانة والشجب والتشخيص والشكوى تاركاً ذلك الفراغ المرعب يلف الأطلال، فلاشك أن الكثيرين يعرفون طبيعة تلك المشكلات ومصادرها ويبحثون عن علاج لتلك العلل أي لبدائل وإلا لن يغدو الحديث عن المشكلات إلا ضرباً من ضروب الثرثرة والحذلقة والدوران في حلقة فارغة كمن يبيع الماء في حالة السقائين، هكذا يفعل مريدو أحزابنا عندما يؤلفون الكتب ويكون محتوى تلك الكتب الطعن والتشويه وممارسة الكراهية للطرف الخصم لغاية فحواها التملق والتكسب، فقد غدا الوطن عبارة عن طلل وقفار بسبب تلك الذهنية وكذلك هجرة العقول والشباب عامة من تلك البلاد بعد أن حاولوا باستماتة البقاء أو إحداث تغيير دون جدوى ، ففي كتاب الحب وجود والوجود معرفة ركزت أكثر على الإنسان العاقل وضرورة أن يمارس ريادته في الوجود مستفيداً من تطورات العصر وكثرة وسائل الاتصال بالناس والتواصل مع الآخرين دون الحاجة للمرور من قنوات الأحزاب ورجال السلطة ، لكن هذا الكتاب مخصص لزاوية ارتأيت من خلالها على الانفتاح على الواقع الكوردي في غربي كوردستان رأيت في ذلك نجاعة وصوابية، من تقديم الرؤية العامة التي قد لا تصل للكثيرين، فهم يحتاجون من يضع الضماد فوق الجرح مباشرة دون الدوران حول الجرح بلا حقنه أو معالجته.
كتابي نقد السياسة الكوردية منفتح فكرياً على واقع غربي كوردستان ويقدم رؤيتي وطريقة فهمي للمعضلات القائمة وسبل علاجها، هذا الجزء المتمايز عن الأجزاء الأخرى والذي قدم طاقته البشرية الشابة لجنوبي وشمالي كوردستان انطلاقاً من حسها القومي العالي حيث لم يقابل ذلك الفضل بالكثير الذي قد يذكر من قبل قيادات وأقطاب الحركة الكوردية في ذلك الجزأين إنما ظلوا يتعاملون مع ذلك الجزء كملحق أو كحديقة خلفية أو مستودع للخدمات اللوجستية، فنرى الإنسان الروجآفائي قد فقد إحساسة بواقعه لتماهيه الكلي أو شبه الكلي بواقع الجزئين الجنوبي والشمالي من كوردستان فنجده مصاب بعقدة الدونية والانشغال الدائم بأن يلقى رضا واستحسان الجنوب فيطعم لهجته بألفاظ بهدينانية كما يفعل ذلك الميال للطرف الآخر فيتحدث لهجة كورد الشمال مطعماً إياها بمفردات تركية، لقد تقاسم الشعب حالة الولاء الأعمى حد التصوف وتماهى بسياسة الحزبين الديمقراطي والعمال الكوردستاني حداً فقد فيه الإحساس بواقعه وخصوصية الجزء الذي ينتمي إليه، فباتت تلك الساحة لتصفية الحسابات الحزبية وظلت مفرخة الإنشقاقات ولاّدة بالمزيد المزيد من الأحزاب والمشهد يعج بالضبابية والانفصام يوماً بعد يوم.
مما لاشك فيه فإن القومية حالة روحية لابد من وجودها فكما أن العربي يحلم بالوحدة العربية وذلك حلم مشروع إلا ان واقعه واقع قطري بحت حيث فشل البعث بشقيه السوري والعراقي بتحقيق شيء مما يناديه نظرياً بل بات خير وسيلة للبقاء على الكرسي فوق جماجم الشعب، ولن يتم جني كوردستان موحدة نتيجة واقع جيواستراتيجي تاريخي تم تثبيته بشكل يجعل وجود كوردستان موحدة بأجزائها الأربعة ضرباً من الوهم العقيم، لهذا الإبقاء على الحلم ضرورة وفهم خصوصية كل جزء عن الآخر ضرورة قصوى، بحيث على كل جزء من كوردستان العمل على بناء الاقليم الذي ألحق بالدولة حسب سايكس بيكو وإقامة شراكة جيدة بحدها الأدنى مع تلك الدولة دون أن تهدد سيادتها أو سيادة الجوار وتكون السياسة الكوردية متزنة واقعية دون أن تختلط بالأحلام والآمال المعسولة، حيث لن ترى عربياً دمشقياً يبكي على الخرطوم ودمشق أمامه تحترق مثلاً ، إذ أن الانتماء الاقليمي أو القطري أقرب للمرء من الانتماء القومي العام، وعندما يهب حريق في منزلك ومنزل جارك وفي المنزل أطفالك فإنك أولاً تسارع بإنقاذ الأطفال من ثم منزلك وبعد ذلك إن تمكنت من إنقاذ الاثنين تهرع لمساعدة وإطفاء حريق منزل جارك كيلا يعود الحريق لمنزلك مجدداً، هكذا يمكن فهم خصوصية كل جزء من كوردستان وضرورة أن يهتم كل مواطن بجزئه دون نفي التعاطف أو المساعدة للجزء الآخر إن اقتضت الضرورة، فلا مزيد من القرابين لأجل كرمى عيون التناقضات الحزبية العقيمة، فكان من الأهمية أن أقوم بطرح هذا الإشكال للقارئ والأجيال القادمة لمحاولة إعادة الذاكرة لفاقد الذاكرة فلا مزيد من الخسائر بعد أن تم إخراج عفرين سري كانيه وكرى سبي من خارطة غربي كوردستان، وما يزال حال الأقطاب المتناحرة ضرب بعضها البعض دون تفكير بالغد والشعب ولقمته وضياع أبنائه.
هذا الكتاب يؤكد على الاقليمية كنزعة سياسية واقعية لا تتعارض مع الحلم القومي العام بكوردستان واحدة موحدة ولا تقف بالضد من حق تقرير المصير المشروع وإنما الاقليمية منبثقة من فهم ملي للحاضر وتجارب الماضي وكذلك المستقبل غير المنظور.
ولا أنحاز هنا كما يفعل البعض لأحد المشاريع الحزبية ليصب انحيازي في خانة الجهة التي أنحاز إليها ضد الجهة الخصم فلا أنوي الغرق في مستنقع الاصطفاف الحزبي الذي يعد طقساً قبلياً جاهلياً كان وراء غياب الفكر القومي أو التنظير له كون الحزب بات الوثن والغاية والوطن بذاته بدل أن يكون الوسيلة لصيانة روح الأمة ونهضتها.
ولم أبين مثالاً تأييدي أو رفضي الكاملين في هذا الكتاب إنما غايتي أن يقرأوه الجميع ويلمسوا الموضوعية فيه ما أمكن كوثيقة تؤكد ولائي المطلق لجغرافية غربي كوردستان التي أنتمي إليها وأراها قلب الكردياتية النابض كما اعتاد القوميون العرب نعت سورية بقلب العروبة.
أملي أن ألملم المتناثر بفعل تصدع الحركة السياسية الكردية وأوجه البوصلة باتجاه الوطن الذي تركناه خلفنا وصرنا نبكي أو نتباكى عليه.
سألجأ للنقد الحذر حتى تصل الفكرة فليس العبرة تجريح الأفراد أو الشخصيات أو الأحزاب وإنما العبرة الأكيدة تكمن في وضع النقاط على الحروف فالكثير يتعامل مع النقد من منطلق شخصي ويثير الزوبعة لمجرد تفسير يعكس نية الشخص الذي يرغب في الانشغال بالبردعة تاركاً الحمار.
حينما سأضع أمثلة فإني سأشخص الحدث ليكون مثالاً وحجة لفكرتي اذ ليست الغاية تشهير أحد
تجنبي يدخل في باب الحرص على حيوية الكتاب وطريقة ولوجه لداخل المتلقي بل وإشراكه في النقاش لتغدو الكلمة جسراً بيني وبينه ولكل مجتهد نصيب ولعلي سأسعد لمجرد أني قد حاولت ولندع النتائج تتحدث بعد ذلك.