أمد/
كتب حسن عصفور/ ربما هي المرة الأولى في تاريخ الصراع الفلسطيني مع العدو الصهيوني، دولة وحركة، أن يكون أهل قطاع في مشهد لا يستقيم أبدا مع حقيقتهم الكفاحية، والتي شكلت رافعة ثورية منذ بدء الصراع، حيث أصبح المشهد بحثا عن مكان يمنحه فرصة بقاء ممكنة، أو ما يمكنه من “وسائل بقاء” طعاما ومياه وإن كانت ملوثة.
تهرب غالبية المكونات الفلسطينية من رؤية الحقيقة شبه المطلقة عما يعيش أهل قطاع غزة، من ظروف لم يعرفها أبدا حتى في زمن النكبة الكبرى الأولى، بين انتظار موت مفاجئ لا يعرف كيف يأتي، وبحث عن مكان ربما يقيه موتا مفاجئ، وكلاهما يسيران جنبا إلى جنب بذات الفرص والنسب المئوية، بل ربما الموت دوما هو الأقرب رصاصا أو جوعا او هلعا.
خلال الحرب العدوانية منذ 270 يوما، دفعت دولة الكيان إلى وضع المواجهة العسكرية، وكأنها الصورة العامة لتخفي بين طياتها “كارثة إنسانية” هزت كثيرا من أركان النظام العالمي، دفعت جنوب أفريقيا الى تقديم دعوى أمام محكمة العدل الدولية حول ما تقوم به قوات الفاشية اليهودية ضد قطاع غزة المكان والسكان، جذبت لها عشرات دول مشاركة لها، فيما غالبية الدول العربية لا تزال بعيدة عن ذلك الفعل.
محاولة تبيان المشهد الغزي وكأنه “حرب مقابل حرب” جريمة سياسية – إنسانية، أرادت تكريسها دولة العدو، وانجرفت لها “بعض فصائل إما عاطفة أو سذاجة”، أو بعض ممن يبحث تجارة بدماء أهل القطاع بكل مكونات التجارة، سياسة ومالا ونفوذا أجوف، عمليا شكلت خدمة كبرى لمخطط الفاشية اليهودية، والتي حاولت تمرير جرائم حربها وكأنها رد فعل وليس فعل.
مقاومة الحرب العدوانية ضرورة وطنية لا خيار للفلسطيني بها، لكن “الادعاء التضخيمي” في المقدرات العسكرية وبناء نظام عسكري متطور في قطاع غزة، وكأنها دولة مقابل دولة، كما تدعي بعض قيادات حماس التي تعيش بين قطر وتركيا، يمثل خدمة مجانية للهدف الكامن من أهداف دولة العدو ضد الكيانية الفلسطينية العامة وخصوصية قطاع غزة تحديدا.
بعد 270 يوما من حرب تدميرية عاد قطاع غزة الى الوراء سنوات وسنوات، الى خلف سياسي قد ينتج فصلا يطول زمنه عن فصل حماس له منذ يونيو 2007، مضافا له أوسع عملية تهجير أو هجرة، تعيد احياء المشروع الأمريكي القديم، ما يعرف بمشروع جونستون للتوطين في سيناء عام 1955، ولكن بشكل مختلف رغم ذات الهدف، تفريغ القطاع من غالبيته السكانية، ومع مكان غير المكان.
المفارقة التي يشير لها “أهل قطاع غزة”، أن مظاهر الكارثة الإنسانية تزداد مع سلوك غير إنساني ممن يتسلطون على “زمن السكون الحياتي” في الوقت المستقطع من الموت، سيطرة على مساعدات تصل، مصادرة بأشكال مختلفة، تحكم هو الأوقح في التجارة بها، سطو على المال العام في البنوك ما يحرم المواطن من استخدام ما تبقى له مالا..
سلوك يحمل كل مظاهر الاستغلال والبلطجة الغريبة بمسميات متعددة، ما دفعت أهل قطاع غزة للصراخ العلني كاسرين الخوف ورهبة “سلاح الترهيب”، فلا بعد الجوع وفقدان الآمان ما يمكن الخوف منه أو عليه، طابعها حتى تاريخه كلاما ولكنه قد لا يبقى كذلك دون أن يحد جوابا.
كان الاعتقاد أن تكون حرب الفاشية اليهودية تجربة لتغيير مفاهيم “الاستكبار” التي سادت طوال حكم حماس الانفصالي، لكنها زادت منها باستغلال مضاعف زمن حرب الدمار العام، وتلك مسألة بدا الحديث عنها علانية إلى جانب المواطن الذي يدفع ثمنا، بعضا من تيارات تعتبر “حليفة” لها.
الصمت على سلوك الاستغلال والترهيب لأهل قطاع غزة وسط الحرب العدوانية، يجسد مظاهر “الانحدار الوطني”، الذي لن تخفيه أبدا مظاهر “البعبة العسكرية”.
ورغم أن الزمن لم يعد به بقية لتصويب ما كان جرما، فربما بات ممكنا أن يعلن المستغلين خروجهم من المشهد لمن يستطيع خيرا منهم فعلا وسط خراب عام.
ملاحظة: بلينكن وزير خارجية دولة الأمريكان المترنحة تحت “صعقة حصانة ترامب”..حاول يتذاكي بتقديم ما يجب أن يكون في اليوم التاني لحرب تدمير غزة..الصراحة أنه قدم متاهات لها أول وما لهاش نهاية..مرات بتحسهم بدهم يحكوا عشان يقولوا حكى ..بس يا ريته ما حكى..
تنويه خاص: لما تقرأ عن غضب أجانب ضد شركات أو منتجات داعمة لدولة الفاشية اليهودية، بيصيبك “مغص وطني”، وانت بتعرف انه هاي مش جزء من واقعنا العربي..بالعكس بعضهم فرحانين جدا بملايين رعاية شركات الموت لهم..وقال بيقلك “فلسطين في القلب”..والصراحة هي عندهم في مكان تاني..
قراءة مقالات الكاتب على الموقع الشخصي