أمد/
قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا قلت أن الفن انهار كما انهارت الكثير من الأمور في المنظومة المشكلة لمفاهيمنا وأخلاقنا،فصار الزحام على من تتعرى أكثر،حتى صارت هيفاء وهبي و”ابوس الواوا” عنواناً آخر للمرحلة المترهلة للفن.
أثناء قراءتي لكتاب صبحي حديدي،الخاص بإدوارد سعيد: ادوارد سعيد الناقد،استغربت وجود مقال مسهب لإدوارد سعيد عن الراقصة المصرية تحية كاريوكا بعنوان: احتفاء براقصة شرقية تحية كاريوكا.
كانت قراءة مختلفة تماماً عن أي توقّع،بقدر ما كانت صدمة التساؤل: ما الذي يمكن ان يكون قد رآه ادوارد سعيد أدبياً برقص تحية كاريوكا.طبعا، تساؤلي تساؤل ساذج،يمكن دحضه عند التفكير ان الابداع يشمل الرقص كما يشمل الادب واشكال الفن المختلفة.ومقال ادوارد سعيد عن تحية كاريوكا ليس اقل من وضع الرقص الشرقي كفن أساسي في فهم الحضارات ولا يقل أهمية بالحاجة لفهمه وتأمله من أنواع الرقص الأخرى كالباليه مثلا.
ومقال ادوارد سعيد هذا ينتمي كما يشير الحديدي في هامش المقال الى “النوع الاستثنائي (النادر) الذي اعتاد سعيد كتابته بين الحين والآخر، يجمع في ضمير القارئ إحساس المفاجأة بأحاسيس ضرب القدوة الممتازة في موقف المثقف الموسوعي من قضايا وشخوص عصره،وحاجة ذلك الموقف الى المزيج من اللمسة الإنسانية،والعمق الفكري ونزعة المسح البانورامي للعناصر الثانوية ذات التأثير الخاص في صناعة التفصيل الشخصي والتفصيل المشهدي.”
طبعاً،لم يخل ابداع ادوارد سعيد في ذلك المقال من طريقته الخاصة بالتعبير الذي مزج الفكر والادب في تحليله وتصنيفه وتعريفه لرقص تحية كاريوكا وعلاقة تحية كاريوكا بالحراك السياسي واهميته في حينه بمصر،ودورها في ذلك،ومن ناحية أخرى كان نصيب ذكريات ادوارد سعيد المراهق ووجود تحية كاريوكا كجزء فاعلا ممتعا من ذكرياته البعيدة.
في مقال بديع للغاية،تناول فيه كذلك أهمية ام كلثوم وكونها المطربة الأعظم في العالم العربي على مر القرن العشرين،وسحر تأثيرها واعتبارها شخصية طاغية في عملية إعادة اكتشاف فنون الشعوب الجارية على نطاق عالمي،ودورها في انبثاق حركة نساء العالم الثالث بوصفها كوكب الشرق التي تحولت صورتها الى مثال للاحتشام الداخلي والوعي النسائي.فاعتبرت رمزا وطنيا وحظيت بالاحترام على مر عهود الحكم من العهد الملكي الى عهد عبد الناصر بعده.
بنفس القدر من الأهمية لأغانيها بكلمات قوية ومحترمة ورومانتيكية، كانت أغانيها إلهاما للراقصات.فملأ صوت أم كلثوم بأغانيها العظيمة الآذان وأطربها،وكان الرقص على إيقاع أغانيها تغذية العيون. وكانت تحية كاريوكا التي تتلمذت على يد الراقصة بديعة مصابني أكثر من أبدع في تجسيد هذه الحالة من التماهي بين المطربة العظيمة بكلمات أغانيها وسحر الالحان.
فكرت بالرقص كما يطغى على عالمنا اليوم،فيفي عبده وقفزاتها غير المنقطعة،الاغراء لا الرقص الذي يتمثل بكل راقصة أخرى. أكثر من ذلك،امتهان الكثيرات للرقص بالأغاني والاستعراض بكل ما تم وصفه في الفقرة السابقة.
هكذا خطرت لي ” سوزان” ” أيقونة” حفل الفنان” المخضرم”راغب علامة على ركح مسرح قرطاج،في هذا الموضع..!
أضحك بينما أفكر بجديّة أو أهميّة الكتابة بهذا الصدد…
لقد امتلأت الشاشات بالمعروضات الأقرب الى العريّ المليئة بالإغراء والايحاءات،التي تجعل المتلقّي يشعر بالأسى من ناحية، والى حجم البخس التي صارت عليه الأجساد،وترجيح الاثارة والاغراء والتعري على الفن.فكان كل ما نراه اليوم،فقد تشكّل هيفا وهبه عرّابة هذا النهج،لأن نانسي عجرم وبالرغم من جرأتها أوّلا،إلّا انّها كانت صاحبة صوت قد فرض نفسه.هيفا أثبتت انّ النجومية بالغناء أو بالموهبة الفنية ليست بالضرورة مرتبطة بالصوت.فيكفي أن تمتلك الانثى حضوراً مليئاً بالإغراء الطاغي والجرأة على التعرّي وإقحام المشهد بالإيحاءات لتصبح أيقونة الفن والغناء والرقص والتمثيل.ولكنها كذلك،تبدو قدّيسة وفنّانة ملتزمة أمام ما يجري الآن.أو ما جرى بالأمس على ركح مسرح قرطاج،وكانت ” سوزاننا التونسية” عنوانا بارزا لذاك المشهد المخزي..مشهد يشي بالأبتذال وألإنحطاط..ويمكن أن يوصَف بالانحراف في كثير من الأحيان..