أمد/
باريس: لا تزال الجبهة الشعبية الجديدة، التي تضم ائتلاف الأحزاب اليسارية الفرنسية، عالقة في الخلافات بشأن مرشحها لرئاسة الحكومة.
وبعد 5 أيام من المناقشات لم يُتّفق على اسم محدد، بل دائرة الأسماء تتسع، ومعها تتزايد الخلافات بين الاشتراكيين الذين يصرون على طرح اسم أوليفييه فور، وبين حزب "فرنسا الأبية" الذي يتزعمه جان لوك ميلانشون ويتمسك بحقه في فرض مرشحه لرئاسة الحكومة، بوصفه الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان الجديد، من بين مكونات الجبهة.
وظهر اسم هوغيت بيلو على الساحة كمرشحة "توافقية" ولكنها لا تزال تواجه اعتراض الحزب الاشتراكي المتمسك بطرح اسم رئيسه أوليفييه فور.
وهوغيت بيلو هي رئيسة المجلس الإقليمي لريونيون، وتحظى بدعم حزب "فرنسا الأبية" ولا تواجه معارضة من حزب الخضر.
مواجهة داخلية
وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إنه "في قلب هذا المسلسل من المشاورات هناك مواجهة بين الاشتراكيين، الذين يرغبون في فرض زعيمهم أوليفييه فور، وهو الوحيد في نظرهم الذي لن يتمكن إيمانويل ماكرون من رفضه، وحزب "فرنسا الأبية"، الذي يعتبر أنه الأولى بـ "ماتينيون" ويطرح اسم زعيمه جان لوك ميلانشون.
وحتى الخميس الماضي كانت المعادلة منحصرة تقريبًا بين مرشحين: أوليفييه فور وجان لوك ميلينشون، قبل أن يدفع الحزب الشيوعي باسم هوغيت بيلو.
وكشفت "لوموند" أن "مشاجرات" نشأت بين الحزب الشيوعي وحزب الخضر البيئي؛ بسبب طرح اسم بيلو، إذ لا يبدي الحزب البيئي انحيازه لأحد الطرفين، ما أثار استياء الحزب الاشتراكي.
ووفق "لوموند" فقد طُرِحَ 3 أسماء وهي سيسيل دوفلو عن حزب الخضر وكريستوف روبرت عن الحزب الشيوعي قبل بروز اسم هوغيت بيلو، وقالت إنه رغم التكتم فقد كان ميلانشون أول من اتصل ببيلو وأبلغها بأن رئيس الحزب الشيوعي فابيان روسيل اقترح اسمها.
قريبة من ميلانشون
وعلى الرغم من أنها لا تنتسب إلى حزب "فرنسا الأبية" فإن هوغيت بيلو "تكاد تكون جزءًا من العائلة" وفق تعبير الصحيفة الفرنسية، فقد دعمت الحملة الرئاسية لميلانشون العام 2022 وكانت مرشحة عن قائمة حزبها للانتخابات الأوروبية الأخيرة.
وقال السيناتور الشيوعي من أوت دو سين بيير أوزولياس "إنها امرأة ذات شخصية، ولديها علاقة معقدة مع ميلانشون وليست من النوع الذي يدعم استبداد أي شخص"، وفق تعبيره.
وفي إشارة إلى أنهم يأخذون هذا التهديد لترشيح أوليفييه فور على محمل الجد، استحضر الاشتراكيون مواقف سابقة لهوغيت بيلو، وأشار النائب السابق باتريك مينوتشي إلى امتناعها عن التصويت على قانون الزواج للجميع" العام 2013، خلال رئاسة فرانسوا هولاند، لافتًا إلى أنه "مع ذلك فقد تطورت واحتفلت بأول زواج للمثليين في ريونيون" وفق تعبيره.
مسيرة سياسية حافلة
تتمتع هوجيت بيلو، البالغة من العمر 73 عامًا، بمسيرة سياسية غنية ومتنوعة تمتد لعقود، وفقًا لما ذكرته صحيفة "لومانيتيه" الفرنسية، إذ شغلت بيلو منصب نائبة في البرلمان الفرنسي عن جزيرة لا ريونيون لمدة 23 عامًا، من عام 1997 إلى 2020.
خلال هذه الفترة الطويلة، كانت عضوًا فاعلًا في المجموعة البرلمانية للحزب الشيوعي الفرنسي ونواب ما وراء البحار لمدة 13 عامًا تقريبًا، هذه الخبرة البرلمانية الممتدة منحتها فهمًا عميقًا لآليات العمل السياسي على المستوى الوطني، وأكسبتها شبكة واسعة من العلاقات السياسية.
تحول سياسي وصعود محلي
شهدت السنوات الأخيرة تحولًا ملحوظًا في مسار بيلو السياسي، إذ انتقلت تدريجيًا من معسكر الحزب الشيوعي إلى حركة فرنسا الأبية اليسارية، وتشير صحيفة لومانيتيه إلى أن بيلو أيدت بشكل علني جان لوك ميلانشون في الانتخابات الرئاسية عام 2022، بل وظهر اسمها في القائمة الرمزية لحزب فرنسا الأبية في الانتخابات الأوروبية.
وعلى الصعيد المحلي، حققت بيلو نجاحات لافتة، ففي عام 2020، فازت برئاسة بلدية سان بول، ثاني أكبر مدينة في جزيرة لا ريونيون، مما اضطرها للتخلي عن مقعدها في الجمعية الوطنية الفرنسية.
وبعد عام واحد فقط، في 2021، نجحت في الفوز برئاسة المجلس الإقليمي لجزيرة لا ريونيون في انتخابات شديدة التنافس، ضد الرئيس السابق للمجلس المدعوم من حزب الجمهوريين الذي أسسه الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي.
هذه النجاحات المتتالية عززت من مكانتها كقائدة سياسية قوية في أقاليم ما وراء البحار الفرنسية.
دعم أطياف اليسار
يبدو أن ترشيح بيلو لمنصب رئيس الوزراء يحظى بدعم متزايد من مختلف أطياف اليسار الفرنسي، إذ كشفت الصحيفة الفرنسية أن الحزب الشيوعي الفرنسي هو من اقترح اسمها كمرشحة توافقية قادرة على جسر الهوة بين مختلف مكونات الجبهة الشعبية الجديدة.
وفي تصريحات لافتة، أعلن النائب أنطوان ليومون، المقرب من زعيم حركة فرنسا الأبية جان لوك ميلانشون، لقناة "بي إف إم تي في" أن بيلو ستكون "اسمًا جيدًا جدًا" لرئاسة الوزراء، ما يشير إلى استعداد فرنسا الأبية للتنازل عن طموحها في تولي أحد قيادييها لهذا المنصب الرفيع.
من جانبها، أضافت النائب ساندرا ريجول من حزب الخضر، في تصريحات لموقع "فرانس إنفو"، أن بيلو تتمتع "بثلاث نقاط إيجابية، فهي امرأة، ومن أقاليم ما وراء البحار، ولديها خبرة"، ما يعكس رغبة واضحة لدى الخضر في التوصل سريعًا إلى توافق حول مرشح لرئاسة الوزراء.
معسكر ماكرون
قد يشكل ترشيح بيلو تحديًا أكبر لمعسكر الرئيس ماكرون مقارنة بمرشحين آخرين من اليسار، فعلى عكس بعض الشخصيات اليسارية الأخرى التي اشتبكت بشكل مباشر مع الرئيس وحكومته، ظلت بيلو بعيدة نسبيًا عن الخلافات الحزبية الحادة في الأسابيع الأخيرة، ما يجعل من الصعب على المعسكر الرئاسي تصويرها كتهديد للاستقرار السياسي أو كشخصية متطرفة.
بل إن بعض الشخصيات البارزة في معسكر ماكرون سبق أن أشادت ببيلو، فعلى سبيل المثال، وصفها جابرييل أتال، حين كان وزيرًا للتعليم في أغسطس 2023، بأنها "جمهورية عظيمة" و"شخصية وضعت دائمًا قضية تعليم أطفالنا في صميم التزامها السياسي".
كما وصفتها أورور بيرجيه، الوزيرة السابقة، في أبريل الماضي بأنها "مناضلة من أجل الكرامة الإنسانية وحقوق المرأة" و"برلمانية تركت أثرًا دائمًا في جمعيتنا الوطنية".
تحديات وفرص
رغم الدعم المتزايد الذي تحظى به بيلو، إلا أن الطريق إلى منصب رئيس الوزراء لا يزال محفوفًا بالتحديات، فحسب ما أوردته لومانيتيه، يبدو أن الحزب الاشتراكي هو الأقل حماسًا لترشيحها حتى الآن.
ومع ذلك، فإن عدم ارتباطها المباشر بجان لوك ميلانشون، قد يكون عاملًا مرجحًا لصالحها في نهاية المطاف.
من ناحية أخرى، يمكن لبيلو أن تستفيد من خبرتها الإدارية كرئيسة للمجلس الإقليمي في لا ريونيون، وهو منصب يتطلب مهارات قيادية وإدارية عالية.
كما أن خلفيتها كنائبة برلمانية لفترة طويلة تمنحها فهمًا عميقًا لآليات العمل السياسي على المستوى الوطني.