أمد/
قرأت للكاتب المقدسي جميل السلحوت العديد من الإصدارات ومنها “ظلام النهار”، “رولا”، “عند بوابّة السماء “، “اليتيمة “،”الخاصرة الرخوة” المطلقة”، “الليلة الأولى” و”ثقافة الهبل وتقديس الجهل”.
ومن خلال مشاركتي في ندوة اليوم السابع المقدسيّة قرأت رواية “الوبش” (تصميم شربل إلياس الصادرة عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة لصاحبها صالح عباسي، وتشمل الصفحات 172-179 سيرته ومسيرته وتعداد إصدارات الكاتب.)
عنوان الرواية صادم “الوبش”، أي السافل، ليؤكدّ موقفه الواضح من الشعوذة والمشعوذين، تلك الآفة المستشرية وأثرها على مجتمعنا وتحطيمها للكثير من القيم والألفة الأسريّة والاجتماعية.
قرأت في حينه روايته “الليلة الأولى” وفي عشرات الصفحات الأولى تخيّلتني أعرف أبطالها وسيرتهم فتساءلت بيني وبيني “هل يكرّر الشيخ جميل نفسه؟” فكلّ من قرأها يعرف عن كثب قصّة ليلى وموسى (الطواشي)، ووالدته/ حماتها، والفتّاحة التي لا ترحم، والجن الذي تلبّسها وهدم بيت الزوجيّة.
فشلت كلّ محاولات الجماع بين العروسين، موسى وليلى، مما اضطر موسى للهجرة إلى بلاد بعيدة، فلم يتحمّل نظرات أهله ومجتمعه، وكلّنا مرّ بتجربة “العوق منّك ولّا منه” إذا لم تحمل العروس بعد مرور ثلاثة أشهر من الزواج! فتبدأ الأقاويل والضغوطات، وهنا نجد الأهل قد لجأوا للمشعوذين، مما زاد الطين بلّة، وكان قرار موسى الهروب ليجد نفسه ويحقّق ذاته هناك، في بلاد الغربة، يستقر ويتزوّج ويصير أباً لثلاثة أولاد وينجح اجتماعيا واقتصادياً ويشار له بالبنان.
وبُعيد هروبه تتوجّه ليلى للمحكمة الشرعيّة طالبة التفريق والطلاق لتتزوّج سميح وتصير أماً لثلاثة أولاد.
كانت نهاية سعيدة لكلّ من ليلى وموسى، على حِدَة، وفشل مدوّي للخرافات والخزعبلات والمشعوذين والسحرة.
حاول الكاتب بجرأة تعرية المجتمع وكشف زيفه، من ممنوعات/محرّمات/مقدّسات وحطّم التابوهات، وحارب الجهل والتخويف والترهيب.
حاول تسليط الضوء على محاولة المشعوذين؛ مبروكة و(أبو ربيع)، اللذين امتهنا حرفة النصب والاحتيال بواسطة الشعوذة والنصب، مع سبق الإصرار والترصّد، تبييض صفحاتهم السوداء عن طريق الحجّ، ليثير تساؤل مهما – هل من يقوم بفريضة الحج يصفّي ذنوبه ويُغفر له عن خطاياه رغم سوء النيّة؟ هل هناك توبة صادقة حقيقيّة؟
يقولها بصريح العبارة؛ الشعوذة والسحر دجل وتضليل وإياكم اللجوء لهما بأيّة حال من الأحوال.
استعملَ الشيخ جميل السلحوت لغةً بسيطةً وسهلةً نسبيًّا، وتبّلها بالعاميّة أحيانًا مستعينًا بالأمثال الشعبيّة المحليّة ممّا زادت من متانة الرواية، وعلى سبيل المثال: “يا غبرا يا مَدهيّه حطّيتِ اللي فيك فيّ”، “المكتوب على الجبين بتشوفه العين”، “لعب الفار في عبّه”، “اللي بعرف بعرف، واللّي ما بعرف بقول في الكفّ عدس”، “اللي بيته من قزاز ما براجم حجار على بيوت الناس”، “وللي في بطنه عظام بتقرقع”، “عين الحر ميزان” وغيرها ووُفّق في ذلك.
وظّف الكاتب السخرية السوداء ليصوّر لنا تقاليد وعادات وأفكاراً بالية.
أعجبتني جرأة التعامل مع مواضيع الرواية ومناصرته للمرأة وثورته على المجتمع الذكوري.
اختياره للأسماء والألقاب جاء موفّقاً، وخاصة موسى “الطواشي”، عدنان الجحش، ربيع، زوادة وغادة، وكذلك اختياره للعناوين الفرعيّة ل”فصول” الرواية.
ولكن هناك ملاحظات لا بدّ منها:
تعتبر الرواية جزءا ثانيا لرواية “الليلة الأولى”، تماماً كما جاءت رواية “الخاصرة الرخوة” جزءا ثانيا لرواية “المطلقة” مما اضطرّه للتكرار والإطناب، وجاء مملّاً بعض الشيء.
وجدته يكرّر نفسه في عدّة مواضيع طرقها، فممارسة الجنس خارج إطار الزواج لتحمِل الفتاة ويتزوجّان ويعايرها الخليل/الزوج/ الأب بعد الزواج والخلفة “لعقت غادة جراحات قلبها وهي ترى زوجها سميح قد انقلب عليها بعد زفافهما، فهو يحمّلها مسؤولية تسليمها جسدها له قبل الزواج، وعندما تذكرّه بأنّه هو من انقضّ عليها كثور هائج لم تستطع مقاومته” (ص.119).
تناول أسماء وأنواع النباتات والفواكه والخضار التي زرعوها بإسراف ولكن بعضها لا يتلاءم موسميّا مع الآخر.
والمشعوَذ الداهية المحتال الذي يعاشر ضحاياه ويمارس الجنس معهن عالطالع والنازل ويحملن ويخلّفن منه ويسكتن “غلب وستيرة ولا غلب وفضيحة” بدلاً عن فضحه وتعريته (ذكّرني بحملة عالميّة قمنا بها في حينه -عندما كنت مستشارا قانونياً لأمنستي/ منظمة العفو الدوليّة-لمحارية ظاهرة الإفلات من العقاب لمن يغتصب فتاة ويتجوّزها)، وخاصّة في فصل “متشابهون”.
كذلك الأمر إسرافه بالاستعانة بأحاديث نبويّة وآيات قرآنية ومصادر أثقلت على سيرورة النص الروائي، ممّا جعله وعظيّاً توعويّاً دينيّاً ونحن لسنا بصدد بحث فقهيّ من على منبر مسجد.
وأخيراً، ألف مبارك الإصدار شيخنا وزدنا عطاء.
*** مشاركتي لندوة اليوم السابع المقدسيّة يوم الخميس 11.07.2024