أمد/
تل أبيب: كشفت دراسة معمقة لمجموعة الأبحاث الإسرائيلية «تمرور» معطيات جديدة تدل على أن مشروع الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية يواجه تحديات كبيرة، ويفشل في مواجهة كثير منها. وعلى رغم تطرف المستوطنين سياسياً وآيديولوجياً، فإنه على صعيد جمهور المستوطنين يوجد تراجع عن فكرة الانتقال للاستيطان، بحسب الدراسة التي أشارت أيضاً إلى أنه ينشأ صراع طبقي يصبح فيه الأثرياء أكثر ثراء والفقراء أكثر فقراً، بل إن نسبة الفقر في المستوطنات تبلغ 10 أضعاف النسبة داخل إسرائيل.
وجاء في تقرير «تمرور»، الذي يستند إلى معطيات المكتب المركزي للإحصاء، أن قادة الاستيطان يتحدثون عن مشروعهم على أنه «معجزة تاريخية»، على حد وصف وزيرة الاستيطان في حكومة بنيامين نتنياهو، أوريت ستروك، لكن الواقع يدل على أنه مشروع فاشل، برغم كل ما يفعله المستوطنون وكل الدعم الحكومي غير المسبوق لهم مادياً وعسكرياً وسياسياً.
ومن علامات الفشل، حسب التقرير الذي نشرته الجمعة صحيفة «هآرتس»، أنه منذ بداية عام 2023 حتى منتصف سنة 2024، انتقل من إسرائيل إلى الضفة الغربية 615 شخصاً فقط، أكثر من الذين عادوا من الضفة إلى إسرائيل. وفي ثلث المستوطنات (47) كان هناك في الفترة ذاتها ميزان كامل للهجرة السلبية، أي أن الذين غادروا المستوطنات أكبر من الذين جاؤوا إليها. والظاهرة الوحيدة التي ساعدت على تخفيف المنحى السلبي هي وصول 965 مهاجراً جديداً من خارج البلاد بشكل مباشر إلى المستوطنات.
والزيادة في عدد المستوطنين نجمت بالأساس عن التكاثر الطبيعي في عائلات يهودية دينية متزمتة (حريديم). لكن هؤلاء يسكنون في بلدات تقع على حدود الضفة الغربية مع إسرائيل. ويقول التقرير إن عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية (لا يشمل سكان القدس الشرقية) بلغ 497 ألف نسمة في نهاية مايو (أيار) 2024، يعيشون في 134 مستوطنة، و120 بؤرة استيطانية غير قانونية. ولكن الأغلبية الساحقة للزيادة في الضفة، وتحديداً 92 في المائة من إجمالي الزيادة، كانت نتيجة الزيادة الطبيعية (الولادات ناقص الوفيات)، التي بلغت في هذه الفترة 17814 نسمة.
ويُظهر فحص سريع أن نصف الزيادة الطبيعية (46 في المائة) مصدرها في المدن الحريدية الكبيرة، وهي «موديعين عيليت» و«بيتار عيليت» و«جفعات زئيف» (الأخيرة آخذة في التدين بنسبة أكبر). ونسبة الزيادة الطبيعية في هذه المدن الثلاث هي تقريباً نصف إجمالي الزيادة الطبيعية في الضفة الغربية. وهذه المستوطنات الثلاث القريبة من الخط الأخضر يُتوقع ضمّها إلى إسرائيل في إطار تبادل للأراضي وفق اتفاق الحل الدائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وتوضح الأرقام التي كُشفت أن نسبة الحريديين بين السكان الإسرائيليين في الضفة ارتفعت إلى 37 في المائة. وهذه المجموعة السكانية، إلى جانب مستوطنات أخرى فقيرة، تعني أن أكثر من 40 في المائة من المستوطنين ينتمون إلى الشريحة الاقتصادية الاجتماعية الأدنى التي تزداد فقراً في إطار صراع طبقي يصبح فيه الأثرياء أكثر ثراء. وعلى سبيل المقارنة، هذه النسبة من الفقراء هي أكبر تقريباً بـ10 أضعاف من نسبة الذين ينتمون إلى الشريحة الاجتماعية الأدنى داخل حدود إسرائيل.
كما تكشف الأرقام أنه رغم الزيادة في عدد الإسرائيليين في الضفة فإن نسبتهم في إجمالي سكان الضفة هي 14 في المائة فقط. أي أنه في أوساط سكان الضفة توجد أغلبية عربية ثابتة.
ويتساءل الكاتب شاؤول أرئيلي وخرين، في ختام تقريره: «هل الجمهور الحريدي والجمهور العلماني سيتعاونان في نهاية المطاف مع الخطوات التي يدفعها قدماً الجمهور القومي المتطرف المسيحاني الصغير؟ هل إزاء التسهيلات الاقتصادية المبالغ فيها، التي ترافق الانتقال إلى الضفة الغربية، سينتقل حريديون وعلمانيون إلى هناك بالآلاف بشكل سيغير التوجه الديمغرافي السلبي، ويلغي الإمكانية الموجودة الآن لحل الدولتين؟ هل تبذير موارد الدولة من أجل تحقيق الحلم المسيحاني الذي لا توجد له أي فائدة سياسية، سيستمر، ويضرّ بمكانة وصورة واقتصاد، وبالأساس أمن، دولة إسرائيل؟».