أمد/
باريس: دراما ميونيخ في أذهان الجميع في فرنسا وإسرائيل وفي كلّ مكان، حيث تتزايد المخاوف من احتمالات تعرّض الرياضيين الإسرائيليين لأعمال خطف وقتل كما حدث خلال دورة الألعاب الأولمبية في ألمانيا عام 1972، وأن تتحوّل باريس بالتالي إلى ميونيخ جديدة.
وبين دعوات المقاطعة والتهديد، الأمن في باريس وضواحيها بات في أقصى درجاته استعداداً لاستضافة الأولمبياد من 26 يوليو (تموز)- 11 أغسطس (آب)، حيث تمّ نشر 30 ألف شرطي في العاصمة الفرنسية، بالإضافة إلى حوالي 20 ألف جندي. ومن المتوقع كذلك تعبئة ما يزيد عن 22 ألف من رجال الأمن الخاص في الملاعب الأولمبية ومناطق المُشجّعين.
وخوفاً من الهجمات أو الاستفزازات المرتبطة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتعاطف المُتزايد مع الضحايا ومُعاناة الفلسطينيين من الحصار، سوف يستفيد الوفد الرياضي الإسرائيلي المُشارك في الألعاب الأولمبية من الحماية المباشرة غير المسبوقة من جانب جهاز الأمن الإسرائيلي "شين بيت".
استفزازات وإهانات
وتنقل الصحافة الفرنسية عن بيتر بالتشيك، عضو الجودو في الفريق الإسرائيلي، قوله "أنا متأكد من أنه ستكون هناك استفزازات" نافياً أن يكون ذلك مُجرّد أوهام. ووفقاً له، فإنّ الأشهر الماضية من الحرب في قطاع غزة، قد تسببت بالفعل في "تغيير في المواقف بين الرياضيين الذين أعرفهم والذين يرفضون الآن التحدّث معي أو حتى مصافحتي" ومع ذلك، فهو يأمل أن تكون الألعاب "آمنة على الجانبين الفرنسي والإسرائيلي".
🇮🇱 Au sein de la délégation israélienne aux JO, la peur que des athlètes israéliens soient assassinés comme lors des Jeux olympiques de Munich en 1972 est omniprésente.https://t.co/DJInpcW2SR
— Marianne (@MarianneleMag) July 17, 2024
وستكون الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل من بين الوفود الأكثر مُتابعة أمنية عن كثب خلال ما يزيد عن أسبوعين من الألعاب الأولمبية في باريس. وتعمل إسرائيل بشكل وثيق مع السلطات الفرنسية لضمان سلامة رياضييها الذين يبلغ عددهم نحو 80 رياضياً، فيما يضم الوفد الإسرائيلي مع الإداريين والمسؤولين حوالي 200 عضو.
ويبدو الرياضيون الإسرائيليون مُستعدّين ذهنياً لمُنافسات تشمل الإهانات أو صيحات الاستهجان، فيما يقول بطل الجودو راز هيرشكو "لن أستطيع سماع ما يحدث حولي. أستمع إلى مدربي، وما يدور في ذهني"، مُظهراً عدم اهتمامه "يُمكن للجمهور أن يصرخ في وجهي، وأنا أبذل قصارى جهدي من كل قلبي".
"أشباح ميونيخ"
بالتزامن مع هذه المخاوف، وفي دراسة مُتعمّقة نشرتها الكثير من وسائل الإعلام الفرنسية مؤخراً، يعود الصحفي إيريك تشامبل إلى عملية احتجاز أعضاء الوفد الإسرائيلي كرهائن خلال دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ عام 1972. ففي 5 سبتمبر (أيلول) من ذلك العام تعرّضت دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ لهجوم كبير من قبل كوماندوز لمنظمة أيلول الأسود الفلسطينية، حيث تمّ احتجاز أعضاء الوفد الرياضي الإسرائيلي كرهائن في قلب القرية الأولمبية. وكانت الحصيلة النهائية لهذا الهجوم فادحة حيث قُتل أحد عشر رهينة.
ويرى تشامبل أنّ التدخل السيّئ التنسيق للشرطة الألمانية على مدرج مطار فورستنفيلدبروك جعل من هذه الدراما قضية يكتنفها غموض كثيف، مُحاولاً في تحقيقه تعقّب ما أسماه "أشباح ميونيخ". فبعد مرور أكثر من خمسين عاماً على هذه المأساة، لم يتم بعد رفع الغطاء بالكامل عن ملفاتها في ألمانيا، وتتولى لجنة من المؤرخين مسؤولية توضيح هذه القضية بحلول عام 2026 على أساس الأرشيفات التي لا تزال سرّية لغاية اليوم.
ويتهم التحقيق السلطات الألمانية بإهمال وإخفاقات وإنكار، واضعاً أسئلة حول دور الموساد والمخابرات الخارجية الإسرائيلية، والتغطية الإعلامية للحدث، والصدمة السياسية والمُتابعة في فرنسا. ويتساءل تشامبل كيف "يُمكن أن تحدث مثل هذه المأساة؟" مُتّهماً السلطات الألمانية حينها بتجاهل تحذيرات الأجهزة السرّية وعدم مراعاة العديد من الإشارات التحذيرية الأخرى. ويُضيف "لماذا لم يكشف هذا الهجوم المروع كل أسراره حتى الآن، وهل لا يزال يحتوي على الكثير من المناطق الرمادية؟".
إحياء ذكرى الهجوم سرّاً في باريس
من جهة أخرى ترددت معلومات أنّ الحفل التذكاري القادم لألعاب باريس لتكريم ضحايا الهجوم الإسرائيليين في أولمبياد ميونيخ عام 1972 سوف يُقام خارج القرية الأولمبية في مكان سرّي وسط مخاوف من احتمال استهدافه من قبل المُتطرّفين، نظراً لتزايد مشاعر معاداة إسرائيل.
وبحسب بعض وسائل الإعلام العبرية، كان من المقرر في البداية إقامة الحفل في 24 يوليو (تموز) في قاعة بلدية مدينة باريس، ولكن تمّ إلغاؤه لأسباب أمنية. وذكرت مصادر أنّه بدلاً من ذلك، سيتم إقامة حفل بديل أصغر مع عدد أقل من المشاركين في مكان لن يتم الكشف عنه للجمهور، وذلك في الأسبوع الأول من أغسطس (آب) القادم.
وفي حديثه مع "تايمز أوف إسرائيل"، قال بابتيست غيغان، المتخصص في الجغرافيا السياسية الرياضية، إنّ خوفه الأكبر هو "أننا نشهد إيقاظاً لذاكرة ميونيخ ورغبة بعض الجهات الفاعلة في جعل باريس ميونيخ جديدة".