أمد/
مع بداية الألفية الميلادية الثالثة، ظهر إلى النور كتابٌ يحمل اسم “شُرب ماء البحر في غزة” أو Drinking the Sea at Gaza، وهو للصحفية والكاتبة الإسرائيلية اليسارية “عميرة هاس”، وهي من أبرز رائدات القلم ورواده الذين يدافعون عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، واشتهرت بمقالاتها في صحيفة هآرتس العبرية، وتسكن وسط الفلسطينيين بالضفة الغربية.
قالت السيدة “هاس” في كتابها المميز والمؤثر هذا: “إن غزة تختزل كل فصول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتسلّط الضوء على التناقض الجوهري الكامن في إسرائيل، بين من يراها منارةً للديمقراطية، ومن يعتبرها رمزاً للظلم والحرمان، فغزة هي جرحنا المفتوح”.
وينعكس صدى تلك الكلمات بقوة الآن، على الوضع الحالي في القطاع الذي يئن جراء العدوان الإسرائيلي على كافة مناطقه وأهله منذ شهر أكتوبر الماضي، فالحرب الدائرة أسفرت عن ضحايا بعشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين بين شهيد وجريح ومفقود تحت الأنقاض، وخلفت دماراً شاملاً في مختلف جنبات غزة الأبية، بل طالت تبعاتها المنطقة برمتها، ونالت تداعياتها من العالم أجمع، إذ شهدت عواصم ومدن عربية وغربية مسيرات ومظاهرات غير مسبوقة منذ سنوات؛ تنديداً بالحرب.. أما عن مياه البحر في غزة، فبعد 9 أشهر من عدوان إسرائيلي مستمر على القطاع، وحصار شامل لا إنساني على أهله من الفارين أسفل نيران القصف الإسرائيلي جواً وبحراً وبراً، لم يعد أمام مئات الآلاف من نازحي غزة، سوى مياه البحر المالحة لتلبية احتياجاتهم اليومية، وبات الوصول إلى المياه النظيفة أمراً بالغ الصعوبة لأحياء غزة.
وبالعودة إلى الكتاب ومؤلفته الإسرائيلية، نجد أن من أصدق المعاني غير المباشرة التي تضمنها عنوانه، هو أن بحر غزة سيشرب منه الجميع، قريبين كانوا أم بعيدين، فهو يحفظ للمتخاذلين حقهم في الشرب من الجحيم هناك.. فمتى تُحل أزمة غزة الحالية، ستتنفس القضية الفلسطينية الحرية من جديد، ومن ثم سينتهي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الدائر منذ أكثر من سبعة عقود من الزمان.
وقد لاح في الأُفق، انتصار بيّن وشرعي للقضية الفلسطينية، ضد عجرفة إسرائيل وأكاذيبها وافتراءاتها المعهودة، حينما أعلن رئيس محكمة العدل الدولية “نواف سلام” من لاهاي بالأمس وأمام العالم برمته، عدم قانونية استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية بالضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وألزم تل أبيب بإنهاء الاحتلال في أقرب وقت ممكن.
تلك الخطوة القضائية الدولية غير مسبوقة، ولم يكن لها مثيل من قبل في تاريخ فلسطين الحديث، فمحكمة العدل أكدت أن سياسات إسرائيل الاستيطانية واستغلالها للموارد الطبيعية في الأراضي الفلسطينية تمثل انتهاكاً للقانون الدولي، وطالبت تل أبيب بوضع حد لاحتلال أرض فلسطين بعد عام 1967، ودعت إلى إنهاء أي تدابير تسبب تغييراً ديموغرافياً أو جغرافياً.
محكمة العدل دعت في قراراتها الاستراتيجية، المجتمع الدولي للتعاون من أجل التطبيق الملزم، والامتناع عن تقديم أي دعم لإسرائيل كقوة احتلال.. وهو الأمر الذي يضع فرصة سانحة وجاهزة أمام النظام العالمي لتصحيح مساره، وإعطاء الفلسطينيين جزءا بسيطا من حقوقهم المشروعة، التي تآكلت بسبب روايات إسرائيل الكاذبة على مدار العقود الماضية.
والآن، دعوني انتقل من لاهاي الأوروبية، إلى مدينة العلمين الجديدة القاطنة في الساحل الشمالي الغربي لمصر، حيث يُرفرف حالياً العلم الفلسطيني بجانب العلم المصري، فوق منطقة مهرجان “العالم علمين” الذي انطلق في 11 يوليو الجاري وتستمر فعالياته حتى 30 أغسطس المقبل.
هذا المهرجان الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط، جاءت نسخته الثانية الحالية، داعمه وبقوة للقضية الفلسطينية، من خلال عدد من العروض المبهرة لفرقة استعراض فلسطينية تضمنت التراث والفلكلور الفلسطيني الأصيل.. بل ازدان دعم مهرجان العلمين لفلسطين، بقرار إدارة المهرجان تخصيص 60% من إيراداته لصالح المصابين من أهل غزة، وهذا يعني أن كل عائلة مصرية أو عربية ستشارك في أنشطة وفعاليات المهرجان ستدعم أشقاءنا الفلسطينيين.. تلك الخطوة التي تُعد لفتة طيبة من الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، لتؤكد أن مهرجان العلمين ليس بمعزل عما يحدث في قطاع غزة المحاصر.
عن اليوم السابع