أمد/
السُّليمانيَّة الأُولى
1
مَخافَةُ الرَّحمنِ رَأْسُ المَعْرِفَةْ!
والجاهِلُونَ يَرْتَعُوْنَ حاسِرِي رُؤوسِهِمْ،
في بَيْضَةٍ أُدْحِيَّةٍ مِنَ السَّفَهْ!
2
إذا تَـمَلَّقَتْكَ مَذْلَةٌ:
«هَلُمَّ، طِفلَ صَبْوَتي أنا،
نَكْمُنْ بِجُبِّ يُوسُفٍ،
نَمْلَأْ كُؤوسَنا أغانِيًا،
تَعالَ، قَلْبَ قَلْبي..
لا تَخَفْ ولا تُـرَعْ…
نَبِـعْ خُيُولَنا غَدًا لِلطَّاعِنِيْنَ في الحِمَى،
نَبِـعْ عُقُولَنا بِعَقْلِنا هُنا..
ما هَمَّنا..
ولا نَدَعْ!…»
…
إذا…
إذا…
لا تَلْتَفِتْ لِوَجْهِها،
لا تَرْتَشِفْ مِن صَوْتِها!
فطالَما، في عَيْنِ كُلِّ ذِي جَناحٍ،
تُنْصَبُ الشِّراكُ،
تُوْقَدُ النُّجُومُ لِلشُّعُوبِ في مَداخِلِ البِيَعْ!
3
مِن حِكْمَتِي شَوارِعٌ تَسِيْلُ،
تَسْقِي صَوْتَها
في كُلِّ سُوْقٍ قَسَّها،
أو صَلْتَها
مُنادِيًا:
«إِلَى مَتَى؟!..
إِلَى مَتَى؟!»
…
«مُغَنِّـيًا وأَصْنَجًا بِثَغْرِهِ»(1):
«إِلَى مَتَى؟!..
إِلَى مَتَى؟!»
…
يَظَلُّ فاغِرًا سُؤالَهُ كالزَّوْبَعَةْ!
كَذلِكُمْ مَنْ يَأْكُلُونَ مِنْ ثِمارِ قَحْطِهِمْ،
ويَشْبَعُونَ مِنْ رَحِيقِ جُوْعِهِمْ،
ثُـبًى.. ثُـبًى،
مِن كُلِّ مُنْحَلِّ الوِكاءِ إمَّعَةْ!
السُّليمانيَّة الثانية
هُوَ المِجَنُّ،
ظاهِرًا وباطِنًا، لِلسَّالِكِينَ بِالكَمالِ،
جُنَّةٌ مِنَ الغَرِيْبَةِ الَّتي أَنفاسُها الحَيَّاتُ في النَّاياتِ،
مَن هَفا،
هَفا..
لَهُ تَصُبُّ رَأْسَها،
وتَسْكُبُ الرَّبِيعَ في الخَرِيفِ؛
بَيْتُها: يَسُوخُ في المَواتِ،
سُبْلُهَا: مَشَتْ في داجِياتِ الأَخْيِلَةْ!
فكُلُّ داخِلٍ عَلَيْها لا يَؤُوبُ،
كُلُّ عابِرٍ إليها غَيْرُ عابِرٍ مَدَى الحَياةِ لِلحَياةِ،
كَيْفَ؟
وهْوَ عاشَ عاشِقًا لِلَبْوَةٍ ضِرْغامَةٍ،
لِدِفْءِ نَهدَيها يَشُفُّهُ الوَلَهْ!
السُّليمانيَّة الثالثة
1
تَقَلَّدِ الجَمالَ مِن جِيدِ الغَزالْ
قُمْ، يا غَزالُ، واكْتُبِ الحَقَّ الزُّلالْ
بِلَوْحِ قَلْبِكَ الحَرِيرِ،
تَمْتَلِئْ خَزائِنُ السَّحابِ بِالثِّمارِ والغِلالْ
تَفِضْ مَعاصِرُ الكُرُومِ بِالجَمِيلاتِ
اللَّواتِي مِن عُيُوْنِهِنَّ
لاحَ ما اشْتَهَيْنَ مِن مَعادِنِ الرِّجالْ!
2
طُوْبَى لِـمَنْ تَقَطَّرُ السَّحابُ مِن نَدَى مَحَّبَتِهْ!
لا تَبْرَحُ النُّجُومُ في سَماواتِ النَّعِيمِ
تَقْتَفِي ما تَقْتَفِي مِن وارِفاتِ جَنَّتِهْ
إِذا اضْطَجَعْتَ،
لا تَخافُ طارِقًا،
ولا تُراعُ مِن فَحِيحِ بَغْتَتِهْ
يَصُونُ رِجْلَكَ الأَمانُ
في حَفِيفِ مُوْرِقاتِ دَوْحَتِهْ
مِنْ سارِقٍ أو مارِقٍ بَيْنَ الرُّؤَى بِشِكَّتِهْ
إِنَّ الحَكِيمَ وارِثٌ مَجْدًا،
ومَوْرُوثُ السَّفِيهِ مِن رَمادِ ما احْتَـبَى مِن رِمَّتِهْ!
السُّليمانيَّة الرابعة
الحِكْمَةُ الرَّأْسُ،
الَّذي..
«كَأَنَّهُ رَأْسُ حَضَنْ
في يَومِ غَيمٍ ودَجَنْ»
…
لِأَنَّهُمْ مِن خُبْزِ شَرٍّ يَطْعَمُونَ،
خَمْرِ ظُلْمٍ يَشْرَبُونْ
لِأَنَّهُمْ مِثْلُ الظَّلامِ لِلظَّلامِ يُوْفِضُونَ،
لا يَعُونَ ما بِهِ سيَعْثُرُونَ
في طَرِيقِهِمْ إلى سَيْفِ الـمَنُونْ
مَهْما يَكُونوا،
أو تَكُنْ،
ففَوْقَ كُلٍّ احْفَظِ الفُؤادَ،
وابْعَثْ فِيْهِ كُلَّ ساعَةٍ
تاريخَهُ مُجَدَّدا
لِأَنَّ مِنْهُ فِيكَ تَخْرُجُ الحَياةُ لِلحَياةِ،
لا تَدَعْ سَماءَهُ،
بِعَيْنِ أَنْجُمِ الغَرامِ،
صَخْرَةً،
أو كالفَضاءِ فَدْفَدا!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من أغاني (اليَمَن)، للشَّاعر (مهدي علي حمدون)، مقطعٌ بليغ: «أَصْنَجْ بِجَنْبِهْ مُغَنِّي». وأَصْنَج- أو أَسْتْنَج، بلهجات (فَيْفاء)- تعني: أَصَمُّ. وقد وردت هذه الكلمة، المستعملة في محكيَّات جَنوب الجزيرة العَرَبيَّة، على أنها: «أَصْلَج»، في تراثنا المكتوب. ومعلوم أنَّ العَرَبيَّة تَرَحَّلت إلينا عبر المشافهة إلى الكتابة، فوقع خلطٌ كبير، وتصحيفٌ واسع، ساعدت عليه إشكالات الخطِّ العَرَبي؛ فرُبَّ مسموعٍ أصحُّ من مكتوب.
واقرأ للكاتب:
مفاتيح القصيدة الجاهلية (نحو رؤية نقديّة جديدة عبر المكتشفات الحديثة في الآثار والميثولوجيا)، (جُدّة: النادي الأدبي الثقافي، 2001، ط2: إربد- الأردن: عالم الكتب الحديث، 2014). [محكّم من المجلس العلمي بجامعة الملك سعود].