أمد/
(عبد الرحيم محمود،محمود درويش،نزار قباني،عزيزة بشير)
لشعراء الوطن العربي دور هام في الحديث عن حقوق الشعوب الضائعة،اذ كانت القضية الفلسطينية مصدر إلهامهم الأول فأصدروا لأجلها عديد قصائد كانت رثائية حزينة على واقع الحال تارة، وحماسيّة تحرض المظلومين على استرجاع حقوقهم تارة أخرى.
لطالما كان للشعراء في الوطن العربي دور هام في الحديث عن حقوق الشعوب الضائعة،فكانت القضية الفلسطينية مصدر إلهامهم الأول،فأصدروا لأجلها العديد من القصائد التي كانت رثائية حزينة على واقع الحال تارة،وحماسيّة تحرض المظلومين على استرجاع حقوقهم تارة أخرى.
هذه المجموعة الأولى،تضم قصائد منتقاة عن فلسطين،تحمل قوة الحزن بجدارة،وتفيض بمشاعر التضامن رغم كونها لا تغفل القيمة الجمالية،حيث الجرح يتحول إلى وردة.
وهذه القصائد،وإن تحررت من المعنى السياسي المباشر،وتصيدت التفاصيل الصغيرة في حيوات إنسان غير خارق، فإنها تظل تدور حول “سؤال الضحية” وتتمسك بالشرطين الإنساني والأخلاقي، وتبشر بالاحتجاج والثورة في أزمنة انكسار الحب والبلاد.
من الشاعر “المُقاتل” عبدالرحيم محمود حتى شاعر “الأرض المحتلة” محمود درويش،مرورا بنزار قباني ووصولا إلى الشاعرة الفلسطينية عزيزة بشير.
إليكم أبرز القصائد التي كتبها الشعراء العرب من أجل فلسطين.
قصيدة “الشهيد” عبدالرحيم محمود
عندما اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى في عام 1936،استقال الشاعر عبدالرحيم محمود من وظيفته كمدرس لغة عربية من أجل الانضمام إلى صفوف المناضل عز الدين القسام ضد القوات البريطانية والصهيونيّة.
وخلال فترة تواجده معهم كتب محمود الذي كان يبلغ من العمر حينها 23 عاماً،واحدة من أشهر قصائده التي صوّر بها الروح الحماسية التي امتاز بها المناضلون الفلسطينيون على جبهات القتال،وأسماها “قصيدة الشهيد”:
سأحمل روحي على راحتي../وألقي بها في مهاوي الردى
فإمّا حياة تسرّ الصديق../وإمّا مماتٌ يغيظ العدى
ونفسُ الشريف لها غايتان../ورود المنايا ونيلُ المنى
وما العيشُ؟ لا عشتُ إن لم أكن../مخوف الجناب حرام الحمى/
بقلبي سأرمي وجوه العداة.. /فقلبي حديدٌ وناري لظى
وأحمي حياضي بحدّ الحسام../فيعلم قومي أنّي الفتى..
يذكر أنّ عبدالرحيم محمود استشهد في عام 1947 عندما انضم إلى “جيش الإنقاذ” وخاض معهم العديد من المعارك.
“أريد بندقية” نزار قباني
بعد نكسة العرب في حرب الأيام الـ6،أخد الشاعر السوري الكبير نزار قباني على نفسه عاتق الدفاع عن القضية الفلسطينية من خلال أشعاره التي طرحها من خلال منظورين مختلفين الأول: حماسي لشحذ نفوس الشباب،والثاني : رثائي لما وصل الحال بها.
ومن أشهر قصائده قصيدة “طريق واحد” التي كان لها أثر كبير في نفوس الناس حتّى إنّ كوكب الشرق أم كلثوم قامت بغنائها بعد تلحينها من قبل الموسيقار محمد عبدالوهاب.
ويقول في بعض أبياتها:
أريد بندقية..خاتم أمي بعته،من أجل بندقية
محفظتي رهنتها،من أجل بندقية
اللغة التي بها درسنا،الكتب التي بها قرأنا
قصائد الشعر التي حفظنا،ايست تساوي درهماً،أمام بندقية
أصبح عندي الآن بندقية،إلى فلسطين خذوني معكم
إلى ربىً حزينةٍ كوجه مجدلية
يا أيها الثوار..
في القدس،في الخليل،في بيسان،في الأغوار
في بيت لحمٍ،حيث كنتم أيها الأحرار
تقدموا،تقدموا..
فقصة السلام مسرحية،والعدل مسرحية
إلى فلسطين طريقٌ واحدٌ،يمر من فوهة بندقية.
“على هذه الأرض” لمحمود درويش
ليس هناك ماقبل-الخاتمة أجمل من قصيدة لشاعر “الجرح الفلسطيني” محمود درويش،الذي يعتبر أيقونة الشعب الفلسطيني بعد أن أخذ على عاتقه مهمة نقل مأساتهم من خلال قصائده.
ولا شكّ أنّ من بين عشرات القصائد التي كتبها لوطنه،فإن لقصيدته “على هذه الأرض” مكانة خاصة عند محبيه:
“على هذه الأرض ما يستحق الحياة،تردد أبريل،رائحة الخبزِ في الفجر،آراء امرأة في الرجال،كتابات أسخيليوس،أول الحب،عشب على حجرٍ،أمهاتٌ يقفن على خيط ناي،وخوف الغزاة من الذكرياتْ.
على هذه الأرض ما يستحق الحياةْ: نهايةُ أيلولَ، سيدةٌ تترُكُ الأربعين بكامل مشمشها،
ساعة الشمس في السجن،
غيمٌ يُقلِّدُ سِرباً من الكائنات..
هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم باسمين..
وخوفُ الطغاة من الأغنياتْ.
على هذه الأرض ما يستحقّ الحياةْ
على هذه الأرض سيدةُ الأرض، أم البدايات أم النهايات..
كانت تسمى فلسطين، صارتْ تسمى فلسطين
.سيدتي : أستحق، لأنك سيدتي، أستحق الحياة”.
لأن لغة الشعر تتجاوز العزلة لترتمي في أحضان المشاركة، فإن الذات الشاعرة تمنح المتلقي مشاركتها بوحا يختلج النفس بعمق يؤثت لمشاهدة تصويرية آنية حينا واسترجاعية حينا آخر، ويشيد حوارا روحيا يتجلى في عالم خاص تُشخّص فيه القصيدة لتكون هي المخاطَبة الحاضرة وحوارها هو المهيمن على النص.
وهنا أضيف: تتوق لغة النص الشعرية إلى الوصف والرمز، فتزيد من قوة النص دون أن تجعله طلاسمًا، إذ تعبّر الذات الشاعرة بلغة المجاز بعفوية مطلقة بعيدة عن التكلف، لتمنحَ المتلقي لذة القراءة والتأويل.
لكن العديد من الكتّاب والشعراء عبّروا عن موقف آخر نقيض،ألا وهو مكابدة القصيدة والاكتواء بأوارها…فصوّروا الأحوال النفسية التي تعتري الشاعر وهو يقبل على فعل الكتابة حتى أنّ هذه الأحوال تصبح أحيانا شبيهة بالأحوال الصّوفية التي تتطلّب مكابدة ومجاهدة في سبيل بلوغ شفافية النفس والارتقاء بالرّوح حتى يبلغ الشاعر ذروة النشوة الشّعريه.وهم كثيرا ما يشتكون من ارتباكهم أمام اللغة وخضوعهم لصولتها وإفلاتها أحيانا من حضرتهم حتى تصبح مطلبا عصيّا مستحيلا.
فاللغة في هذه الحالة تتحوّل من أداة يسخّرها الشاعر ليسبر أغوار نفسه ويتصفّح بها أحوال العالم من حوله لتصبح مطلبا عزيزا،أو عقبة كأداء تحول بينه وبين التعبير عمّا يجيش بخاطره ووجدانه.
تضيق اللغة في هذه الحالة وتفلت وتميع وتصبح معادية للشاعر متأبّية عليه وسببا في محنته بعد أن كانت نعمة وأداة طيّعة يصرّفها كيف يشاء..
ولكن الشاعرة الفلسطينية المغتربة الأستاذة عزيزة بشير المترعة بعشق فلسطين والمؤمنة بالقضايا الإنسانية العادلة،ما فتئت تمارس اكراهاتها على القصيدة فتنحني-هذه
الأخيرة-إليها-مكرَهة-ودون عناد،وهنا تتجلى المهارة والبراعة في مسك خيوط القصيدة ونسجها بساطا إبداعيا لا تخطئ العين جماله وحسنه الآخّاذ..
النص الشعري الذي بين أيدينا،هو للشاعرة المتألقة-كما أصفها دوما-الأستاذة عزيزة بشير-وهو في منتهى الروعة والإبداع، ويغري بالمزيد من القراءة،والتفكيك،ولكن سأكتفي بتقديمه للقراء عساه يداعب ذائقتهم الفنية فيرقصون على ايقاعات كلماته العذبة..إذ يعد الرقص للقارئات والقراء رمزاً حضارياً متوهجاً هذه المرة بدلالة الازدهار ومفعما بعطر فلسطين، إذ تقدم لنا الشاعرة جهداً مضاعفاً في تأصيل البناء النصي الذي عملت فيه على تنمية فضاء الشعرية.
وأشكر الشاعرة المبدعة ( الأستاذة عزيزة بشير )،على هذا الجمال الأخاذ،في تقديم الشعر بصورة بديعة،وأعتذر عن التقصير بحق النص،فهو يحتاج إلى وقفة أطول وقراءة أعمق.
أرَى نصْرَ( غزّةَ) قادِماً..وستَنْجَلي
أرَى نصرَ غزّةَ والهزيمةُ لِلعِدا
والنِّتنُ يُقهَرُ والبِلادُ..تعودُ لي
(غزّا )تُحاسِبُ كلَّ مُجرِمِ دَكَّها
وتقولُ للدّنيا انظُري..وَتأمّلي :
“أللهُ معْنا ناصِراً عَلى (نِتْنِهِمْ)
مَهْما أَبادَ،فلنْ يَفوزَ..بِأَنْمُلِ
فالأرضُ أرْضي والسّماءُ مِظلّتي
ثَرَواتُ أرْضي لَن تكونَ..لِقاتِلي
ثَرَواتُ أرضي والبِلادُ وقُدسُها
(غزّا )،لنا لن تُستباحَ..بِمَقتَلِي
(غزّا) تُحاسِبُ (بايْدِناً) وفَصيلَهُ
ماذا جنَى الأطفالُ..كيْمَا تُقتِّلِ ؟
ماذا جنيْنا كيْ نُبادَ وَنُبتَلى ؟
قُطِعَتْ رؤوسُ..مَعَ الأيادِي وَأرجُلِ
ذابتْ جُسومُ تبخّرتْ..يا ويلَكمْ!
أيُّ السّلاحِ اختَرتُموهُ..لِمَقْتَلي؟
تحت التّرابِ دِمانَا تسألُ قاتِلاً:
أيْنَ الجُسومُ وأينَ بيتِي؟..وتعتَلي
ما تفعلوا ( بالغازِ) بعدَ إبادَتي؟
سيكونُ ناراً في الحَشا.بِهَا تصْطَلي
ثَرَواتُ تحت الأرضِ باقيَةٌ لَنا
بِدِمانَا نحرُسُها وَعيْنِ..مُقاتِلِ!
ويبقى القول ان الشعر الفلسطيني من أشد الآداب التصاقاً بشخصية شعبه،وأهدافها في التعبير عن همومه تعبيراً حياً،وعن العطاء الذي قدمه الفلسطينيون لوطنهم وقدرتهم على الصمود والمقارنة والبذل والتضحية..