أمد/
أهداني صديقي صالح عباسي نسخة من رواية “في قلبي…” للكاتب المقدسيّ رضوان يحيى صندوقة (198 صفحة، لوحة الغلاف: الفنان ماهر شهاب القواسمي، تصميم شربل إلياس الصادرة عن مكتبة كل شيء 2024 ناشرون الحيفاويّة) وتزامن الأمر مع ندوة مناقشتها في ندوة اليوم السابع المقدسيّة.
يعالج الكاتب قصة حب من النظرة الأولى بين بطله فارس، صحافي وأديب ومُنظّر… وعاشق، ومطبّبة القلوب، غدير، وثالثهم ملكَة اللغة الانسيابيّة الشاعريّة الحاضرة بينهما في كلّ اللقاءات، في عيادتها وفي الحديقة العامة وعبر شاشة الهاتف والحاسوب، ملازمة لهم كلّ الوقت.
يتناول الكاتب قضايا اجتماعيّة ساخنة، فالكاتب ابن بيئته وقضايا وحكايا شئون العائلة التي ترافقه في شغله المهنيّ كمحامً تلاحقه عبر صفحات الرواية، ويركّز على قضايا الزواج والفراق وما بينهما، السلطة الأبويّة و”حقّها” بالتدخلّ بهوية الزوج/ الزوجة واختياره، غير آبه بمشاعر وأحاسيس الابن/ الابنة وشيء اسمه الحب؟ فوالد غدير/ الطبيبة الجامعيّة يختار لها ويقرّر بدلاً عنها خطوبتها لعسكريّ نتاج مصالح شخصيّة بحتة. وكذلك الأمر بالنسبة لفارس، الفهمان والعاشق المغوار، يختار له والده واحدة من بنات العائلة زوجة له؛
نعم، ما خلّى المثل شي ما قاله” السكافي حافي والحايك عريان”.
وكذلك الأمر زواج البدل وما يترتّب عليه من مشاكل وإجبار الطرف الراضي على الطلاق بسبب مشاكل الزوج البديل؛ الطلاق حال اختلاف البديلة مع زوجها نتاج ضغوطات العائلة؛
وزيجة “المصلحة” والزواج بالإكراه لرجل طاعن بالسن هرباً من العنوسة؛
وجبروت الحموات واستبدادهن؛
وتبقى لغة الكاتب بطل الرواية دون منازع، صفحة 19-20 مثالاً، بعيدة عن الحب والمشاعر والأحاسيس، التي تبدو شعاراتيّة أحياناً وبعيدة عن أرض الواقع، وكما كانت تقول جدّتي، رحمها الله، “حكي كُتُب”. حبّذا لو تحدّثت شخوصها بلغتها المتفاوتة، من القلب، وأحاسيسها وليست لغة حوارية مونوتونيّة حديديّة. حبّذا لو تفاوتت لغة هيفاء العفويّة و/ أو عوض الثرثار و/ أو سهى البريئة الصادقة، كلّ بلهجته وحواريّته الانسيابيّة.
راق لي عنصر التشويق عبر صفحات الرواية، والقفزات بين شخوصها، وتبدّل الأزمنة والأمكنة، ولكن لم ترق لي انهزاميّة شخوصه ومياعة مواقفهم وعدم الثبات على حقهم في اختيار قرينهم وشريك حياتهم. يا لها من مقولة رجعيّة. اللغة الرومانسية وحدها لا تكفي.
ظهرت عبر صفحات الرواية ثقافة الكاتب الموسوعيّة فجاءت بنيويّة دون ابتذال؛ فاستحضر ابنة إيسس (ص. 16)، “الأسود يليق بك” (ص. 39)، “المعادلات الخوارزميّة” (ص. 49)، “معارك دونكشتيه” (ص. 63)، برنارد شو: “ما دامت أبواب السجون مفتوحة، فلم يعد مهما من منّا سيدخل أوّلا” (ص. 152)، و”رسائل غسّان كنفاني إلى غادة السّمان” (ص. 155)، و”عائد إلى حيفا” و”رجال في الشمس” (ص. 158) وجين وبستر، صاحبة “صاحب الظلّ الطويل” (ص. 162) وغيرها.
راقت لي مقولته “ما يفيدنا إكليل من الورود تضعونه على قبورنا بعد وفاتنا، وقد استكثرتم علينا زهرة، تقدّم لنا في حياتنا” (ص. 33)؛ وجاءني المثل الجزائري: “عندما كان حياّ كان يشتاق إلى ثمرة وعندما مات غرسوا نخلة جنب قبره”.
ذكر الكاتب كلمة “حب/ قلب/ وطن الحب” مئات المرات عبر صفحات الرواية بتكرار محبط ولو جاء ذكرها مرّة واحدة فقط لكان وقعها وأثرها أكبر بكثير، فكان يكفيها ما جاء في صفحة 197 “مرّت ثلاث سنين عجاف على تلاقي فارس مع غدير، سنة فاضت بها القلوب بسنابل الحبّ، وسنة أذابت مهجة القلب، وسنة دقّت أفراح العيون، واستمرّ جفاف القلب إلّا من بصيص أمل، ثلاثة أعوام، وهو ينقّح الكلمات والسطور، وعشرة أعوام ويزيد، وهو يبحثُ عن وطن الحبّ …”
مباشرة بعد انتهائي من قراءة الرواية، قرأت مجموعة قصصيّة للكاتبة أصيل سلامة، ابنة رفح النازحة في خانيونس، “قمر 14 وقصص أخرى”، وكتبت قصة قصيرة جدّاً تحمل عنوان “وطن”:
“رأى فيها وطنه فأحبّها
تعلّق بها، أدمنها بجنون،
ثم تزوّجت من غيره
يا للمسكين! نسي أنّ الوطن يغزوه محتلّون.”
فكتبت رنقيّة لصديقي المقدسيّ محمود شقير في ساعة متأخّرة من الليل، أرفقت بها النصّ: “مساء الخير، أصيل سلامة تلخّص رواية “في قلبي” لرضوان صندوقة!”.
نعم؛ إن الحب أكبر من أن يحبس خلف جدران، وأقوى من القيود التي تلتفّ حول سواعد العاشقين.
*** مشاركتي في ندوة اليوم السابع المقدسيّة يوم الخميس 08.08.2024