أمد/
“التأقلم مع الظروف المحيطة مهما كانت سيئة”.. يظهر الفصل الثاني من الرواية هذا الجزء من شخصية السنوار التي وسم بها الشخصية الفلسطينية والتي ظهرت جلياً خلال فترة الحرب، فيشرح في روايته كيف اختفى عمه ووالده في حرب 1967، وكيف علمت العائلة بمقتل عمه فيما بقي مصير والده مجهولاً، وعلى الرغم من ذلك عادت حياة العائلة إلى طبيعتها سريعاً مع تطبيق نظرية التأقلم على الظروف حيث يظهر هذا الجانب أن الرجل لا يعطي مساحة واسعة في حياته للمشاعر الإنسانية مثل الحزن والفرح والحرمان والفقد، ويحاول تعويض ذلك بالدعوة للانشغال بأمور ربما تكون أكثر أهمية بالنسبة له مثل رحلة الجد في توفير الطعام للعائلة والأحاديث الجانبية لوالدته مع النسوة في المركز الصحي.
لكن أيضاً هناك تضارب آخر في نفس الشخصية يظهر مع بداية وصف السنوار لخاله الثري الذي يملك مصنعاً للقماش وكان يعمل في عصر الحكم المصري للقطاع واستمر في عمله بعد هزيمة 1967، فيصفه السنوار بأنه “صاحب حظ وفير” ما يعطي انطباعاً آخر عن ذات الشخصية بأنها تعاني من اضطراب ثنائي القطب يتمثل بالدعوة للشيء والإيمان بعكسه، ويصف السنوار زيارته إلى بيت خاله بقوله، “سرنا طويلاً حتى وصلنا إلى بيت خالي صالح.. بيت خالي كان أفضل بكثير من بيتنا فهو ليس مسقوفاً بالقرميد مثل بيتنا بل بالباطون وأرضه مرصوفة بالبلاط وفيه كهرباء”، وكانت تلك الزيارة لوضع اللمسات الأخيرة على زواج خالة السنوار من شاب ينحدر من الضفة الغربية، وهذا يعطي لمحة عن توق السنوار منذ كان طفلاً إلى حياة الرخاء والاسترخاء والتي تمثلت في الاستثمارات الكثيرة التي امتلكتها العائلة في مدينة خانيونس بعد خروجه من السجن حيث وصلت العائلة إلى مستوى مرموق في التجارة خاصة تجارة الأجهزة الإلكترونية والهواتف والعقارات حتى مجال الحلويات.
كما يحاول السنوار من خلال القصة المتعلقة بزواج خالته من شاب من الضفة الغربية أن يضفي لمسة توحي بارتباط اسم عائلته مع بعض العائلات في الضفة الغربية خاصة أن حياة السنوار داخل السجن كانت على الأغلب بين معتقلين من الضفة الغربية، وتوحي هذه القصة بشيء من المجاملة بمدى القرب بين السنوار والضفة الغربية على الرغم من أنه لم يذهب إلى هناك في السابق.
كما لم ينسى السنوار إضفاء لمسة درامية تنتمي إلى البيئة الشامية في روايته، حيث أنه يصف مشهد عودة شخص يدعى أبو حاتم ويصنفه على أنه جندي في قوات جيش التحرير بعد أن تناثرت الأخبار بأنه استشهد أو غادر إلى مصر بعد انتهاء الحرب، لكنه في هذا المشهد يعود متسللاً إلى الحارة ويطرق نافذة منزل شخص يدعى أبو يوسف والذي بدوره يتفاجئ من عودة أبو حاتم مرة أخرى رغم انتشار القوات الإسرائيلية في المنطقة ويفتح له الباب ويستضيفه ويبدأ بينهما نقاش حول شباب المقاومة، فيخبره أبو حاتم بأن أبو ماهر ما زال في خانيونس، وأبو صقر في رفح، وأبو جهاد في المعسكرات الوسطى، وأنه قد اتفق معهم على استئناف المقاومة من جديد.
أما عن المختار، وهو على ما يبدو لقب لأحد الأشخاص، فكان رد أبو حاتم بأن المختار يتنقل بين البيارات الشرقية في الشجاعية والزيتون وأنه يحاول الوصول إليه للبدء بتنظيم عمل المقاومة في كافة مناطق القطاع، وهنا يتحدث عن أول موعد لاجتماع كل هذه الأسماء التي ذكرها في روايته على أن يكون الموعد ليلة زفاف خالة السنوار في منزل خاله المترف حيث سيكون المنزل خالياً في تلك الليلة.
ومن هذه القصة الدرامية التي نسجها السنوار لهذه الأسماء والتي تمت الاستعانة بها على أغلب الظن في مسلسل باب الحارة قبل سنوات حين اختفى أبو عصام فجأة بسبب بعض المشاكل مع مخرج العمل قبل أن يعود مرة أخرى في الأجزاء اللاحقة، يمكننا الاستنتاج بأن السنوار يمتلك عقلية طفولية تجيد نسج قصص البطولة التي تبنى على اختفاء البطل لفترة من الزمن قبل العودة بأثر قوي يعطي شعوراً بالنشوة والانتصار.