أمد/
في رحاب الفنّ والإبداع، يشرق نجم الفنّان الفلسطينيّ جمال بدوان، ليروي للعالم حكاية شعب يتحدّى النسيان.
بريشته تتهادى الألوان والخطوط على اللّوحات الخالدة، تلك التّي تجسّد معاناة شعبنا وآماله، وتتردّد فيها أصداء القضيّة.
تتجلّى قصّة الفنّان جمال بدوان، ابن قرية عزون في قلقيليّة، الّذي حمل على كاهله أوجاع اللّجوء والتّشرّد منذ نعومة أظفاره، وفي الثّانية عشر من عمره، خطّت أنامله أولى لوحاته على قماش خيمته المتواضعة في قلب المخيم.
لم يمضِ عامان حتّى تحوّلت كلّ أقمشة الخيام في المخيّم إلى لوحات فنّيّة نابضة بالحياة، تجسّد معاناة اللاجئين وتطلّعاتهم، وفي إحدى زياراتها الدّورية للمخيم، أُعجبت لجنة من هيئة الأمم المتّحدة بما رأت، فقرّرت تكريم الفتى الموهوب، ومنحه أوّل علبة ألوان، لتفتح أمامه آفاقا جديدة في عالم الفنّ.
منذ ذلك الحين، انطلق بدوان في رحلة إبداعيّة متواصلة، يمزج فيها الألوان المائيّة والزيتيّة؛ ليصنع لوحات تحاكي الواقع وتلامس الرّوح.
في السّابعة عشر من عمره، غادر الأردن إلى بلغاريا ليكمل دراسته الجامعيّة، ثمّ انتقل إلى أمريكا لمتابعة دراسة اللّقب الثّاني، ومنها إلى روسيا حيث نال درجة الدّكتوراه في الفنون الجميلة، واليوم، يعمل د. بدوان محاضرا في قسم الفنون بالجامعة، يشارك طلّابه شغفه بالفنّ، ويغرس فيهم قيم الجمال والإبداع.
لم يكتفِ الفنّان جمال بدوان بالعمل الأكاديميّ، بل انطلق يحمل رسالته الفنّيّة إلى العالم، عارضا لوحاته في أروقة معارض أوروبا وأمريكا.
تجاوزت معارضه الفرديّة الخمسة والسّتين معرضا، موزّعة على ثلاث وثلاثين دولة، ناهيك عن مشاركاته العديدة في معارض جماعيّة حول العالم.
كانت لوحاته بمثابة مرآة تعكس آمال شعبه، وتراثه، وهويّته، لتخاطب الضّمير الإنسانيّ بلغة الفنّ الخالدة، وقد أثمرت رحلته الإبداعيّة عن جوائز عديدة من مختلف الدّول الأوروبيّة، وَتُوِّجت بتكريم ملكيّ من ملكة هولندا وملك المغرب. كما حاز على لقب “فنّان دوليّ” من الأكاديميّة العالمية للفنّون، وهو الفنّان العربيّ الوحيد الّذي نال هذا الشّرف.
اختير مرّتين لعضويّة لجنة التّحكيم الدّوليّة لاختيار أفضل فنّان للعام على مستوى العالم، ومنحته دولة فلسطين لقب “سفير الفنّ الفلسطينيّ” بمرسوم رئاسيّ، تقديرا لإسهاماته الفنّيّة.
على أرض الوطن، أقام ثلاثة معارض؛ ليشارك أبناء شعبه ثمرة جهده وإبداعه، وليؤكّد أنّ الفنّ رسالة سامية، تتخطّى الحدود وتجمع القلوب على الخير والجمال والمحبّة.
كما تخطّت لوحات بدوان حدود المعارض لتزيّن أغلفة المجلّات، وأبرز الكتب والدّواوين الشعريّة والرّوايات، كرواية “رحلة إلى ذات امرأة” و”فرصة ثانية” للكاتبة صباح بشير، ومجموعة من الأعمال للكاتبة رُلا غانم، وللكاتبة نوال حلاوة، والكاتبة سارة الشمّاس، الأديب جميل السّلحوت، الكاتبة نجوى أبو الهيجا، د. محمود صبري عودة، والكاتب محمد العرّوقي وغيرهم الكثير من الأدباء العرب والأجانب، وفي بادرة تشجيعيّة، أعلن عن استعداده لتقديم لوحاته كأغلفة مجانيّة لكتب المبدعين الفلسطينيين.
كما تقوم العديد من المتاحف والمعارض والمؤسّسات الثقّافيّة في أوروبا بعرض لوحاته، وفي عام 2011م، سطّر بدوان اسمه في موسوعة الأرقام القياسيّة برسمه أكبر لوحة زيتيّة على القماش في العالم، بمساحة بلغت (310) أمتار مربّعة، وهو رقم قياسيّ لم يُكسر حتّى يومنا هذا.
تجوب هذه اللّوحة الفريدة العالم في جولة مكّوكية، وقد عُرضت حتّى الآن في تسع دول أوروبيّة وثلاث دول عربيّة.
يعتبر د. جمال بدوان الأب الرّوحي لمجموعة كبيرة من الفنّانين الفلسطينيين، حيث ساهم في إحضار العشرات منهم إلى أوروبا؛ ليتفاعلوا ويتبادلوا الخبرات مع الفنّانين الأوروبيين، كما دعا فنّانين أوروبيين إلى البلاد والأردن؛ للمشاركة في فعاليّات فنّيّة مشتركة، وقد سُمح له ولمجموعة من الفنّانين الغربيين برسم لوحة ضخمة في ساحة المهد، مكان مولد السيّد المسيح عليه السّلام، بقرار من رئاسة السلطة الفلسطينيّة، لتغدو هذه اللّوحة أيقونة مشهورة في الغرب لما تحمله من رمزيّة دينيّة وروحيّة، فهي نتاج عمل جماعيّ لفنّانين مختلفين بقيادة الدّكتور بدوان.
في نهايّة المطاف، يقف الفنّان جمال بدوان شامخًا على طريق الإبداع، يؤكّد أنّ الفنّ قوّة لا تقهر، تتجاوز الحدود وتنشر رسالة السّلام والمحبّة.
فليبقَ اسمه محفورًا في الذّاكرة، وليكن إرثه الفنّيّ مصدر إلهام لكلّ من يحمل في قلبه شغف الفنّ والجمال.