أمد/
قسمت قناة الجزيرة مفهوم الدروع البشرية إلى قسمين ولا أعرف ما إذا كان هذا التصنيف يأتي طبقاً للقوانين والنظم الدولية أو للهوى، أما القسم الأول بحسب الجزيرة فإنهم المدنيين الذين يعرضون أنفسهم للخطر لحماية أشخاص أو مواقع أو أشياء قيمة لديهم، أما التصنيف الآخر فيشمل المدنيين الذين يستخدمهم طرف محارب لحماية نفسه. أما يحيى السنوار صاحب الاسم الأبرز في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فإنه قرر من تلقاء نفسه في رائعته “الشوك والقرنفل” أن المدنيين يجب أن يكونوا جزءاً من المقاومة بتوفير الغطاء الذي يتمثل بالازدحام الكثيف في المخيمات الفلسطينية، والذي بحسب السنوار سيمنع تقدم أية قوات معادية باتجاه المخيمات للرد على أي فعل للمقاومة.
بداية ينسب السنوار في مطلع الفصل الثالث من روايته “الشوك والقرنفل”، بذرة المقاومة الأولى في قطاع غزة بعد هزيمة 1967 لعائلته، بحديثه عن أول اجتماع للعائد من الموت أبو حاتم الذي تحدثنا عنه في الجزء الثاني، برفقة بعض الرجال في منزل خاله أبو صالح بعد انتهاء حفل زواج خالته ومغادرة المعازيم. ويقول السنوار “بعد الاجتماع مرت الأيام متشابهة لكني أصبحت أكثر قدرة على إدراك ما يدور حولي.. الشيء الوحيد الذي بدا واضحاً هو انطلاقة المقاومة ..”.
ويشدد السنوار في روايته على أن ردة الفعل الإسرائيلية على أية عملية للمقاومة سوف تتأثر بأعداد السكان داخل المخيمات التي تعاني من كثافة سكانية كبيرة، وأن القوات الإسرائيلية لن تجرؤ على الدخول إلى المخيمات الفلسطينية بسبب الازدحام والتكدس، الأمر الذي يوحي بقصور فكري كبير وجنون عظمة لا داعي له، فقوات الاحتلال هدمت مخيمات القطاع فوق رؤوس ساكنيها وجعلت منازل المواطنين شوارعاً لآلياتها التي باتت تسرح وتمرح في القطاع بطريقة غير معهودة.
وفي روايته لم يقبل السنوار أن يسقط فكرته حول منطقته فقط بل إن الأمور قد خرجت من سيطرته وأصبح يرى أن منطقته تمثل كافة مناطق غزة والضفة الغربية أيضاً ولا خصوصية لأي منطقة أو مدينة ولا مجال للاختلاف عما يحدث حوله، حيث يقول، “هذا لم يكن فقط في مخيمنا بل كان في كافة المخيمات في قطاع غزة وفي كل شوارع المدن والقرى أو الكثير منها في الضفة الغربية وغزة ..”. وهذا التفكير غير المنطقي جلب الكثير من البلاء للسكان الذين يعتبرهم السنوار وقوداً حقيقياً للفعل المقاوم وتتمثل مهمتهم فقط في الحماية حتى وإن كان على حساب دمائهم ودماء أبنائهم، لكنهم أيضاً بحسب السنوار فإن المواطنين لن يكونوا جزءاً من الحل حتى ولو في إبداء الرأي في حال الوصول إلى أية حلول في المستقبل المظلم.
وعلى ما يبدو أن فكرة السنوار حول الحياة في مخيمات قطاع غزة لم تتغير طوال سنوات السجن رغم أنه اعتقل عام 1988 وفي ذلك الوقت كانت غزة ومخيماتها تحت السيطرة الإسرائيلية وبالطبع كانت الحياة مختلفة تماماً عما هي عليه الآن، لكن ما أثارني هو تشديده في روايته على مقولة “نحن لا نملك سوى كرت الوكالة لنخسره”.. ويبدو هذا القول منطقياً بالنسبة لتلك الفترة، لكن يبدو أن السنوار لا يعلم أن سكان غزة أصبح لديهم أكثر من كرت الوكالة ليخسروه، فقد أصبح لديهم أطفالهم ومنازلهم وذكرياتهم وجامعاتهم وأحلامهم البسيطة ومستقبلهم، بل إن المدينة بكاملها قد تغيرت وأصبحت تشبه المدن كما أصبحت الرفاهية جزءاً من حياة السكان حتى وإن كانت تتمثل بقليل من الآيس كريم من كاظم أو ساندويتش فلافل من أبو السعيد أو السوسي أو حتى جلسة نوعاً ما هادئة على شاطئ البحر.
كما لم ينسى السنوار أن يعرج في روايته إلى اللعبة الشهيرة التي كانت منتشرة آنذاك بين الأطفال “يهود وعرب”، والتي أصبحت أكثر حماسة بالنسبة للأطفال كما يقول السنوار، بسبب ضربات المقاتلين الفلسطينيين في ذلك الوقت، كما أصبحت القاعدة الأساسية للعبة هي أن العرب سيغلبون ويقتلون أعدائهم، وعلى ما يبدو أن السنوار ظن نفسه حتى العام 2023 يعيش داخل تلك اللعبة التي كان يلعبها مع أطفال المخيم، وقرر أن يجازف ببداية اللعب بجر مليوني إنسان لا يدرون عن تلك اللعبة شيئاً، فالزمن قد تطور وأصبح لدينا الكاونتر سترايك وغيرها الكثير …