أمد/
دروب حائرة للكاتب ماهر طميزة عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة، تتكون من 140 صفحة من القطع المتوسط ومن منشورات دار الرعاة في رام الله/ فلسطين ودار جسور في عمَّان/ الأردن، ولوحة غلاف جميلة معبرة عن الحيرة للبشر وبدون اشارة لمن رسمها أو صممها، بينما الغلاف الخلفي صورة للكاتب ولمحة سريعة عنه، مع اهداء مطول للوالدين والأبناء والأحفاد، وابو الأمير رفيق دربه وإلى النساء اللواتي خذلتهن القلوب وإلى كل إمرأة تمتلك الحب، وإلى الذين يبكون بصمت على شهداء طوفان الأقصى وإلى كل من وقع عليه ظلم، وقد قسم الكتاب الى جزئين: القصة القصيرة من ثماني عشر قصة ومنها قصتان هي اعادة انتاج لحكايات تراثية، وآخر ثلاث قصص كان يجب الحاقها بالقصص القصيرة جدا، والقصة القصيرة جدا من ثمان وعشرين قصة، وقدمت للكتاب الشاعرة عبير غالب فليحان تحت عنوان: أراء الكُتاب.
وهذا الكتاب هو الثاني الذي أقرأ للكاتب والأول كان سيرة ذاتية عن تجربة الكاتب في الانتفاضة، بينما في هذا الكتاب اتجه الكاتب نحو القصة كفن أدبي مميز وضارب الجذور في الأدب العربي، وقد تطرق الكاتب لعدة محاور في كتابه سأشير إلى أهمها ولنماذج من القصص التي كانت في كل محور منها:
المحور الأول/ الجانب الاجتماعي: وهذا كان الغالب على المجموعة وهو كان بداية الكتاب في قصة “تضحية وخذلان” حيث نجلاء الجميلة التي تعمل خادمة في المنازل لتعيل أسرتها، وزوجها السكير والمتعاطي للمخدرات والحبوب المخدرة، والديوث الذي لم يهتم بشرفه وكان يريد من زوجته أن تسلم نفسها لأحد المسؤولين في القضاء كي يساعده في قضية والذي يعيش عالة على زوجته، وفي النهاية يسكب عليها الوقود ويحرقها وتموت وتقفل القضية، وهذه القصة اجتماعية بالكامل ولكن ليس شرطا أن تكون نجلاء ابنة أسرى تعيش في أحد المخيمات الفلسطينية، فكان يمكن الاكتفاء بالاشارة انها ابنة أسرة تعيش بأحد الأحياء الفقيرة، وتحديد المسؤول أنه بالقضاء اشارة لفساد البعض من رجال القضاء، وإذا فسد القضاء فعلى المجتمع السلام، وإقفال القضية بدون محاسبة القاتل يشير للضعف في تحقيق الشرطة وهذا غير مقنع، فليس هناك جريمة كاملة.
وفي قصة “حوار في الأرحام” كان خيال الكاتب قد وصل الى درجة مرتفعة من التخيل والأسلوب الغرائبي بالكتابة حتى جعلنا نستمع الى حوار بين جنينين في رحم الأم، وبلغ به الخيال أن اطلق عليهما الأسماء ويتحدث أحدهم مع أمه، رابطا كل ذلك بوباء “كورونا كوفيد 19″، ويمكن اسقاط هذه القصة على العلاقات الأسرية في الحياة الواقعية، بينما في قصة “اختيار خاطئ للمرة الثانية” يعود الكاتب للحديث عن ذكور متسلطين على زوجاتهم واستخدام الضرب والشتائم والخيانة، مشيرا لنظرة المجتمع بشكل عام للمرأة المطلقة بسلبية دون التفكير بسبب الطلاق، وضياع الأبناء بطلاق الأب والأم، وفي قصة “الزوجة الأولى” يتطرق لزواج الرجل من زوجة أخرى بدون مبرر ولا سبب، ، وكذلك قصة “محتال” فهي اجتماعية أيضا.
وفي قصة “إمرأة حالمة” يعود الكاتب للحديث عن قضية الفقر الذي يدفع الأهل للخلاص من بناتهم بتزويجهن لأول طارق للباب، وهذا فعليا اعادة لوأد البنات في الجاهلية ولكن بأسلوب الزمن الحالي، حيث قد يكون الزوج قاسيا جدا ولكن الأهل يرفضون لابنتهم فكرة الطلاق، فهم يسكتون بجهلهم على كل البشاعة التي يمارسها الزوج الجاهل على أن لا يقال أن ابنتهم مطلقة، أو أن تعود وتكلفهم مصاريف حياة من جديد وهم كل همهم أن يزوجوها بسبب الفقر، ونهاية القصة غير مقنعة، فالسيء لا يتغير والطبع غلب التطبع، فلن يصبح حنونا إن مرضت زوجته واقتربت نهايتها، وفي قصة “خيانة” وهي قصة عابقة بالجنس والخيانة وسوء الخلق وانعدام الشرف للذكر لسيدة القصة والرجال الذي عرفتهم، كان يجدر أن لا يشار للمكان والمدينة فهذا يمثل اساءة لذلك الشعب والبلد، وإن كانت الاشارة لما تجلبه وسائل التواصل الاجتماعي من مسائل مضرة ومسيئة لمن لا يتعامل معها بحرص مسألة جيدة ومهمة.
بينما في قصة “على ضفاف بحيرة طبريا” يسرد قصة حب مع فتاة اسمها يافا، لكنه فقدها وما زال يحلم بها، فكما قالت: “نحن محاطون بقيود العادات والتقاليد”، وهو رد عليها: “نحن أسرى تلك الموروثات”، ولكن الكاتب لم يوضح كيف ضاعت يافا منه، وإن أكد أنه ما زال يحلم بها، إلا إذا أسقطنا اسم يافا على المدينة التي ضاعت منا واغتصبها الأغراب بقوة السلاح، والخوف على العرض أكثر من الأرض في الموروث المتوارث، وفي قصة “ويبقى الحب” يشير لخوف الأهل على بناتهن من أن يلتحقن مع “طابور العوانس” كما قال الكاتب، والقصتين من التراث أيضا أسقطت قضايا اجتماعية من خلال الحيوانات، وفي القصص القصيرة جدا نجدها تتجه نحو المحور الاجتماعي وهي: “صديق مخادع”، “عبثية”، “عار”، “شيخ منافق”، “كشيش حمام”، “زواج دون مهر”، “شيخ مأجور”، “خريف أخضر”، “بكاء شاب”، “حوار”، “مدمن”، “انتهازي”، “رجل دين بخيل”، “رجل استثنائي”، “كبت”، “عجوز خرف”، “زهايمر من نوع خاص”، “فتاة ليست للزواج”، “تاجر”، “خوف”، وأعتقد ان هناك خطأ طباعي فيها فقد وردت عبارة: “اعتقلوه في أحد النوادي الليلية بتهمة الاتجار بالمتفجرات” وأعتقد المقصود هو المخدرات.
المحور الثاني/ الوطن: وهنا وفي قصة “بين الحلم والواقع” تقوم القصة على حلم تحرر الوطن المحتل وحوارات حول ما سيكون نظام الحكم فيه، وجولة بين القرى ومنها الدوايمة المدمرة وهي بلد الحالم وزيارة الأقصى والصلاة فيه، والقصة لخصت حلم العودة للوطن وتحرره، وفي الحلم هواجس يفكر بها الكاتب حول تجنب الاقتتال الداخلي واعمار الوطن ونظام الحكم فيه من خلال حوارات بين “سلفي” وعلماني وشخص واع بالدين والوطن ، بينما نرى الكاتب في قصة “الأم المكلومة” بحث بجانب آخر وهو جانب المطاردين من جانب الاحتلال، وهو يرسل لأمه خبرا انه بخير وتمكن من مغادرة الوطن، لتفرح الأم وكل أهل القرية معها، ليتبين بعد فترة ان ذلك ادعاء من الابن لسبب أو آخر، وفي قصة “حكاية أستاذ” نراه يروي حكاية مناضل من البداية حتى النهاية وهو سرد لسيرة ذاتية لذلك المناضل وهذا يخرجها عن مفهوم القصة، مع ملاحظة أن الحصول على درجة الأستاذية “بروفيسور” لا يتم من خلال الدراسة في الأردن، ولكن بعد اجتياز مراحل وأبحاث وسنوات في الخدمة الجامعية، وفي هذا المحور ايضا نجد قصة “طوفان الأقصى”، “حر”، “فاجعة”، وقصة “قائد على المقاييس الغربية”، وقصة “اختلاف فكري”، “تضليل”، “اختلاف فكري”، “زلزال”، “إسقاط”، “عميل”.
المحور الثالث/ الفلسفة الفكرية: حيث نلاحظ ان قصة “ليلة باردة جدا” والتي اعتمدت الأسلوب الغرائبي في فكرتها كانت قصة فلسفية بإمتياز، وكانت تثير التساؤل الفلسفي بالقول: “اخبرتنا الديانات أن الأجساد تموت وتنفصل الروح عنها وتعيش هناك في برزخها، فكيف تعود الأرواح للأجساد؟”، وهذه الفلسفة نراها في قصة “رحلة الشك” وهي تبحث في الدين وفهمه بين متشدد ومتنور، وهي أقرب للسرد من القصة، وهذا موضوع شائك والبحث فيه يحتاج الحذر والانتباه والدراسة المتعمقة، وأيضا الفلسفة في قصة “اختلاف المعايير” من القصص القصيرة جدا.
نلاحظ في المجموعة القصصية أن الكاتب كان يطيل بالسرد في بعض القصص، بينما القصة القصيرة بغض النظر عن عدد صفحاتها من أهم مزاياها التكثيف باللغة، وربما كان ذلك بأنها تجربته القصصية الأولى، كما أن القصة لها مقدمة وذروة ونهاية مفتوحة أو مغلقة وبطل واحد الا نادرا، ولكن ذلك لم ينطبق على كل القصص لدى كاتبنا ماهر، ومثال لذلك قصة “ويبقى الحب” فهي أقرب للحكاية من القصة وفي قصص أخرى نلمس ذلك، وأحب أن أشير انه في بداية هذه القصة قال القاص: “أي اله سكب هذا الجسد المكتمل؟!” وأهمس للكاتب: أنتبه لما قلته فهناك اله واحد لا غير، والذات الالهية ليست مجال للتساؤل، كما يلاحظ أن الكاتب لجأ للغرائبية في مجموعة من القصص ومنها بشكل خاص “ليلة باردة جدا”، والغرائبية في القصص والرواية ترفع من نسبة التشويق والتفكير لدى القارئ المهتم بما يقرأ، فالغرائبية بعض من الخيال الأدبي يقابله الخيال العلمي، وفي الحالتين الخروج من الواقعية المجردة إلى خيال غريب، ونلاحظ وهذ جيد أن الكاتب تناول كم وعدد من المشاكل الاجتماعية في حياة الناس المعاصرة، وكان المحور الاجتماعي هو من حظي بأعلى عدد من النصوص، ويمكن تأويل وإسقاط بعضها على الوطن، وفي نفس الوقت هناك ملاحظة فنية على تصميم الكتاب، فالمفترض حين تنتهي قصة في الجزء الأول من المجموعة أن تبدأ التالية بصفحة جديدة لا أن تتداخل القصص مع بعضها.
“عمَّان 14/8/2024”
دروب حائرة للكاتب ماهر طميزة عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة، تتكون من 140 صفحة من القطع المتوسط ومن منشورات دار الرعاة في رام الله/ فلسطين ودار جسور في عمَّان/ الأردن، ولوحة غلاف جميلة معبرة عن الحيرة للبشر وبدون اشارة لمن رسمها أو صممها، بينما الغلاف الخلفي صورة للكاتب ولمحة سريعة عنه، مع اهداء مطول للوالدين والأبناء والأحفاد، وابو الأمير رفيق دربه وإلى النساء اللواتي خذلتهن القلوب وإلى كل إمرأة تمتلك الحب، وإلى الذين يبكون بصمت على شهداء طوفان الأقصى وإلى كل من وقع عليه ظلم، وقد قسم الكتاب الى جزئين: القصة القصيرة من ثماني عشر قصة ومنها قصتان هي اعادة انتاج لحكايات تراثية، وآخر ثلاث قصص كان يجب الحاقها بالقصص القصيرة جدا، والقصة القصيرة جدا من ثمان وعشرين قصة، وقدمت للكتاب الشاعرة عبير غالب فليحان تحت عنوان: أراء الكُتاب.
وهذا الكتاب هو الثاني الذي أقرأ للكاتب والأول كان سيرة ذاتية عن تجربة الكاتب في الانتفاضة، بينما في هذا الكتاب اتجه الكاتب نحو القصة كفن أدبي مميز وضارب الجذور في الأدب العربي، وقد تطرق الكاتب لعدة محاور في كتابه سأشير إلى أهمها ولنماذج من القصص التي كانت في كل محور منها:
المحور الأول/ الجانب الاجتماعي: وهذا كان الغالب على المجموعة وهو كان بداية الكتاب في قصة “تضحية وخذلان” حيث نجلاء الجميلة التي تعمل خادمة في المنازل لتعيل أسرتها، وزوجها السكير والمتعاطي للمخدرات والحبوب المخدرة، والديوث الذي لم يهتم بشرفه وكان يريد من زوجته أن تسلم نفسها لأحد المسؤولين في القضاء كي يساعده في قضية والذي يعيش عالة على زوجته، وفي النهاية يسكب عليها الوقود ويحرقها وتموت وتقفل القضية، وهذه القصة اجتماعية بالكامل ولكن ليس شرطا أن تكون نجلاء ابنة أسرى تعيش في أحد المخيمات الفلسطينية، فكان يمكن الاكتفاء بالاشارة انها ابنة أسرة تعيش بأحد الأحياء الفقيرة، وتحديد المسؤول أنه بالقضاء اشارة لفساد البعض من رجال القضاء، وإذا فسد القضاء فعلى المجتمع السلام، وإقفال القضية بدون محاسبة القاتل يشير للضعف في تحقيق الشرطة وهذا غير مقنع، فليس هناك جريمة كاملة.
وفي قصة “حوار في الأرحام” كان خيال الكاتب قد وصل الى درجة مرتفعة من التخيل والأسلوب الغرائبي بالكتابة حتى جعلنا نستمع الى حوار بين جنينين في رحم الأم، وبلغ به الخيال أن اطلق عليهما الأسماء ويتحدث أحدهم مع أمه، رابطا كل ذلك بوباء “كورونا كوفيد 19″، ويمكن اسقاط هذه القصة على العلاقات الأسرية في الحياة الواقعية، بينما في قصة “اختيار خاطئ للمرة الثانية” يعود الكاتب للحديث عن ذكور متسلطين على زوجاتهم واستخدام الضرب والشتائم والخيانة، مشيرا لنظرة المجتمع بشكل عام للمرأة المطلقة بسلبية دون التفكير بسبب الطلاق، وضياع الأبناء بطلاق الأب والأم، وفي قصة “الزوجة الأولى” يتطرق لزواج الرجل من زوجة أخرى بدون مبرر ولا سبب، ، وكذلك قصة “محتال” فهي اجتماعية أيضا.
وفي قصة “إمرأة حالمة” يعود الكاتب للحديث عن قضية الفقر الذي يدفع الأهل للخلاص من بناتهم بتزويجهن لأول طارق للباب، وهذا فعليا اعادة لوأد البنات في الجاهلية ولكن بأسلوب الزمن الحالي، حيث قد يكون الزوج قاسيا جدا ولكن الأهل يرفضون لابنتهم فكرة الطلاق، فهم يسكتون بجهلهم على كل البشاعة التي يمارسها الزوج الجاهل على أن لا يقال أن ابنتهم مطلقة، أو أن تعود وتكلفهم مصاريف حياة من جديد وهم كل همهم أن يزوجوها بسبب الفقر، ونهاية القصة غير مقنعة، فالسيء لا يتغير والطبع غلب التطبع، فلن يصبح حنونا إن مرضت زوجته واقتربت نهايتها، وفي قصة “خيانة” وهي قصة عابقة بالجنس والخيانة وسوء الخلق وانعدام الشرف للذكر لسيدة القصة والرجال الذي عرفتهم، كان يجدر أن لا يشار للمكان والمدينة فهذا يمثل اساءة لذلك الشعب والبلد، وإن كانت الاشارة لما تجلبه وسائل التواصل الاجتماعي من مسائل مضرة ومسيئة لمن لا يتعامل معها بحرص مسألة جيدة ومهمة.
بينما في قصة “على ضفاف بحيرة طبريا” يسرد قصة حب مع فتاة اسمها يافا، لكنه فقدها وما زال يحلم بها، فكما قالت: “نحن محاطون بقيود العادات والتقاليد”، وهو رد عليها: “نحن أسرى تلك الموروثات”، ولكن الكاتب لم يوضح كيف ضاعت يافا منه، وإن أكد أنه ما زال يحلم بها، إلا إذا أسقطنا اسم يافا على المدينة التي ضاعت منا واغتصبها الأغراب بقوة السلاح، والخوف على العرض أكثر من الأرض في الموروث المتوارث، وفي قصة “ويبقى الحب” يشير لخوف الأهل على بناتهن من أن يلتحقن مع “طابور العوانس” كما قال الكاتب، والقصتين من التراث أيضا أسقطت قضايا اجتماعية من خلال الحيوانات، وفي القصص القصيرة جدا نجدها تتجه نحو المحور الاجتماعي وهي: “صديق مخادع”، “عبثية”، “عار”، “شيخ منافق”، “كشيش حمام”، “زواج دون مهر”، “شيخ مأجور”، “خريف أخضر”، “بكاء شاب”، “حوار”، “مدمن”، “انتهازي”، “رجل دين بخيل”، “رجل استثنائي”، “كبت”، “عجوز خرف”، “زهايمر من نوع خاص”، “فتاة ليست للزواج”، “تاجر”، “خوف”، وأعتقد ان هناك خطأ طباعي فيها فقد وردت عبارة: “اعتقلوه في أحد النوادي الليلية بتهمة الاتجار بالمتفجرات” وأعتقد المقصود هو المخدرات.
المحور الثاني/ الوطن: وهنا وفي قصة “بين الحلم والواقع” تقوم القصة على حلم تحرر الوطن المحتل وحوارات حول ما سيكون نظام الحكم فيه، وجولة بين القرى ومنها الدوايمة المدمرة وهي بلد الحالم وزيارة الأقصى والصلاة فيه، والقصة لخصت حلم العودة للوطن وتحرره، وفي الحلم هواجس يفكر بها الكاتب حول تجنب الاقتتال الداخلي واعمار الوطن ونظام الحكم فيه من خلال حوارات بين “سلفي” وعلماني وشخص واع بالدين والوطن ، بينما نرى الكاتب في قصة “الأم المكلومة” بحث بجانب آخر وهو جانب المطاردين من جانب الاحتلال، وهو يرسل لأمه خبرا انه بخير وتمكن من مغادرة الوطن، لتفرح الأم وكل أهل القرية معها، ليتبين بعد فترة ان ذلك ادعاء من الابن لسبب أو آخر، وفي قصة “حكاية أستاذ” نراه يروي حكاية مناضل من البداية حتى النهاية وهو سرد لسيرة ذاتية لذلك المناضل وهذا يخرجها عن مفهوم القصة، مع ملاحظة أن الحصول على درجة الأستاذية “بروفيسور” لا يتم من خلال الدراسة في الأردن، ولكن بعد اجتياز مراحل وأبحاث وسنوات في الخدمة الجامعية، وفي هذا المحور ايضا نجد قصة “طوفان الأقصى”، “حر”، “فاجعة”، وقصة “قائد على المقاييس الغربية”، وقصة “اختلاف فكري”، “تضليل”، “اختلاف فكري”، “زلزال”، “إسقاط”، “عميل”.
المحور الثالث/ الفلسفة الفكرية: حيث نلاحظ ان قصة “ليلة باردة جدا” والتي اعتمدت الأسلوب الغرائبي في فكرتها كانت قصة فلسفية بإمتياز، وكانت تثير التساؤل الفلسفي بالقول: “اخبرتنا الديانات أن الأجساد تموت وتنفصل الروح عنها وتعيش هناك في برزخها، فكيف تعود الأرواح للأجساد؟”، وهذه الفلسفة نراها في قصة “رحلة الشك” وهي تبحث في الدين وفهمه بين متشدد ومتنور، وهي أقرب للسرد من القصة، وهذا موضوع شائك والبحث فيه يحتاج الحذر والانتباه والدراسة المتعمقة، وأيضا الفلسفة في قصة “اختلاف المعايير” من القصص القصيرة جدا.
نلاحظ في المجموعة القصصية أن الكاتب كان يطيل بالسرد في بعض القصص، بينما القصة القصيرة بغض النظر عن عدد صفحاتها من أهم مزاياها التكثيف باللغة، وربما كان ذلك بأنها تجربته القصصية الأولى، كما أن القصة لها مقدمة وذروة ونهاية مفتوحة أو مغلقة وبطل واحد الا نادرا، ولكن ذلك لم ينطبق على كل القصص لدى كاتبنا ماهر، ومثال لذلك قصة “ويبقى الحب” فهي أقرب للحكاية من القصة وفي قصص أخرى نلمس ذلك، وأحب أن أشير انه في بداية هذه القصة قال القاص: “أي اله سكب هذا الجسد المكتمل؟!” وأهمس للكاتب: أنتبه لما قلته فهناك اله واحد لا غير، والذات الالهية ليست مجال للتساؤل، كما يلاحظ أن الكاتب لجأ للغرائبية في مجموعة من القصص ومنها بشكل خاص “ليلة باردة جدا”، والغرائبية في القصص والرواية ترفع من نسبة التشويق والتفكير لدى القارئ المهتم بما يقرأ، فالغرائبية بعض من الخيال الأدبي يقابله الخيال العلمي، وفي الحالتين الخروج من الواقعية المجردة إلى خيال غريب، ونلاحظ وهذ جيد أن الكاتب تناول كم وعدد من المشاكل الاجتماعية في حياة الناس المعاصرة، وكان المحور الاجتماعي هو من حظي بأعلى عدد من النصوص، ويمكن تأويل وإسقاط بعضها على الوطن، وفي نفس الوقت هناك ملاحظة فنية على تصميم الكتاب، فالمفترض حين تنتهي قصة في الجزء الأول من المجموعة أن تبدأ التالية بصفحة جديدة لا أن تتداخل القصص مع بعضها.