أمد/
القدس – حياة حمدان: تعد عمليات المقاومة في فلسطين جزءً من اشكال التعبير عن الرفض الشعبي للاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته بحق المدنيين، إذ يسعى الفلسطينيون من خلالها لتحقيق أهداف وطنية تتعلق بالتحرر من الاحتلال، لكن هذه العمليات غالبا ما تتباين في نتائجها بين النجاح والفشل. يُطرح السؤال هنا حول مدى فعالية هذه العمليات: هل يتمكن المقاومون من الفرار بعد تنفيذها، أم أن الأغلبية تتعرض للاعتقال أو القتل المباشر قبل أو خلال تنفيذها؟
هل يخاطر الفلسطيني بحياته تجاه أهداف ليست مدروسة جيدًا؟ وهل تستحق هذه المخاطرة الثمن المدفوع؟ وكيف اختلفت المقاومة الشعبية الحالية عما كانت عليه في فترة انتفاضة الحجارة عام 1987 وانتفاضة الأقصى عام 2000 هذه الأسئلة وأخرى ستتم مناقشتها من خلال عرض نماذج واقعية في هذا التقرير من قصص مقاومة في الفترتين، أضافة لآراء بعض الكتاب والناشطين حول فعالية عمليات المقاومة هذه.
بعد مرور نحو ثلاثة عقود من الزمن على بدء انتفاضة الحجارة، وفي الوقت الذي يتعرض فيه أبناء شعبنا للإبادة الجماعية في قطاع غزة للشهر الحادي عشر على التوالي، تبدأ المقاومة الشعبية بأخذ مواقعها في الضفة الغربية بعمليات فدائية سواء كانت جماعية منظمة او فردية غير مدروسة وغير مرتبطة في حزب سياسي معين. لكنها مجتمعةً تدرج تحت إطار الاحتجاج الشعبي لاحتلال دام 76 عاما مارس فيها كل أشكال القمع والانتهاكات الإنسانية بحق الفلسطينيين الى جانب اعتداءات مستوطنيه على المدنيين العزل في بيوتهم وفي أراضيهم الزراعية.
المقاومة الشعبية الحالية مختلفة بتفاصيلها عن فترة الانتفاضة الأولى والثانية، فالحجر كان شعلة الانتفاضة وكان له الأثر الشعبي في هبة جماعية غير مسبوقة للشعب الفلسطيني فقد كانت الجامعات مصدرا للتنظيمات في كل المناسبات والفعاليات فكان للكلمة قيمة وكذلك للحجر والشعارات ورفع العلم الفلسطيني وكل الفعاليات غير المسلحة لها أثرها في المقاومة الشعبية.
ليست كل عمليات المقاومة فاشلة ولا كل هذه العمليات ناجحة أو مدروسة ومخطط لها بالشكل الصحيح، فقد كانت وما زالت العمليات الفردية هي من أكثر العمليات المرتبطة بالتحفيز الشخصي والعامل النفسي للثأر من الحالة التي يمر بها شعبنا، فهناك عشرات الحالات لأطفال وفتية وسيدات وشبان استشهدوا عند نقاط التماس بعمليات غير مدروسة ولكن المشاعر الوطنية والحالة النفسية هي التي حركت شعور الحاجة لتنفيذ عمليات مقاومة.
وفي مقابلة خاصة للتقرير هذا شاركنا المناضل والأسير المحرر (م.ح ) قصته في تنفيذ عملية مقاومة في فترة انتفاضة الحجارة والتي شاركه فيها أحد أصدقائه وكان الهدف منها تعطيل عمل الاحتلال في توسعة شوارع استيطانية وأنفاق في الضفة الغربية:" كان هناك حراس اثنين في المكان ومعهما أسلحة كان هدفنا أن نستطيع أخذ أسلحتهم فذهبنا ومعنا مسدسين كانا لأحدى المطاردين آنذاك، كانت الخطة أن نطلق الرصاص من مسافة الصفر على الحراس في ليلة لم يكن فيها عاملين في الموقع، فذهبنا ووجدنا الحارسين تحدثنا معهم لبعض الوقت ثم بدأت انا بإطلاق النار على أحدهم وأصيب ب 3 رصاصات أما زميلي فكان قريب من الحارس الثاني ووضع المسدس في صدره لكن حصل عطل تقني في المسدس فأضطر للهروب, حاولت أخذ المسدس من الحارس الذي اصبته انا لكنه كان ملقى على الأرض على بطنه ولم أستطع رفعه لأخذ السلاح، في تلك اللحظة رأيت الحارس الأخر يصوب المسدس باتجاه زميلي أثناء هروبه فرفعت عليه المسدس وأصبته في خاصرته ثم اضطررت للهروب". بعد ثلاثة أشهر من المطاردة تم اعتقالي وزميلي وقضينا في الأسر 7 سنوات".
وحول رأيه بمدى فعالية هذه العملية وعن المخاطرة في حياته تابع:" نعم انا كنت ذاهب مع صديقي وخاطرنا في حياتنا لان الخطة كانت تحقيق الهدف ثم الهروب، وفي رأيي هذه التجربة لم تنجح ولم تفشل فقد اوصلنا رسالتنا وعلى إثرها منع التجول مدة 3 أيام وتعطل العمل في الأنفاق مدة 3 أيام، واستمر البحث عنا 3 اشهر حتى تم اعتقالنا، في تلك المرحلة كان للمسدس معناه الخاص وللرصاصة صداها حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين هو من أعلن عن اعتقالنا في تلك الوقت، حتى لو لم ننجح ب أخذ السلاح او قتل الحراس فهذه العمليات ليست مربوطة بعدد القتلى ولكن كان لها صدى ورسالة مقاومة مفادها انه طالما هناك احتلال هناك دفاع عن الأرض, وهناك إرث مستمر بالنضال من جيل لجيل خاصة في العائلة نفسها".
وحول المقاومة الشعبية الحالية في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وانعكاساته على الضفة الغربية، فقد شهدنا نوعا اخر من المقاومة وجيل جديد شهد أحداثا صعبة ومشاهد علقت في ذاكرته من أحداث غزة فصارت الحاجة لديهم للانتقام من خلال المقاومة الشعبية، فخرج البعض منهم لنقاط التماس بالحجارة فكان بعضهم يقتل والبعض الاخر يتم اعتقاله. وفي مقابلة خاصة مع والدة الشهيد (ع.خ) في إحدى مخيمات الضفة الغربية حول ظروف استشهاد نجلها قالت:" في منتصف الليل اقتحمت قوات الاحتلال المخيم كان ابني بجانبي في تلك الليلة ورأيت كم هو مندفع للخروج لأنه كان متأثرا بأخبار الحرب على غزة، توسلت اليه حتى لا يخرج لأنه إذا خرج لن يعود لأن قانصات جنود الاحتلال كانت على أسطح منازل جيراننا، لكنه بطريقة ما غافلني وذهب كان يريد ان يمنع الاحتلال من اقتحام المخيم ذهب ومعه الحجر ليدافع عن اهل المخيم لكنه عاد لي شهيدا".
ومع استمرار العدوان على شمال الضفة الغربية جنين وطولكرم لليوم الخامس على التوالي, وفي الأسبوع الحالي شهدنا عمليات مقاومة ربما تعيدنا بالمشهد الى أيام الانتفاضة، ومنها عملية الخليل المزدوجة في مستوطنة كرميه تسور في الخليل أدت لمقتل حارس المستوطنة، وحادثة انفجار مركبتين مفخختين قرب مستوطنة عتصيون وصفها الإعلام العبري بحادثة غير عادية وفي أعقاب هذه العملية أقامت الحواجز بين الخليل وبيت لحم وأغلق الجيش صباح الأمس الحرم الإبراهيمي أمام دخول المصلين الفلسطينيين خوفا من وقوع هجمات أخرى وسمح فقط للمصلين اليهود.
كما وأعلن جيش الاحتلال منتصف هذه الليلة عن ضبطه لمركبتين في منطقة حزما القدس وبحوزتهما عبوات ناسفة وأسلحة، وقد تمكن من كان بداخل السيارة من الهروب. أما صباحا فقد نفذ شابين عملية إطلاق نار على سيارة شرطة قرب حاجز ترقوميا غرب الخليل أدت لمقتل 3 من ضباط الاحتلال تمكن فيها المنفذون من الانسحاب وعلى إثرها ألغى نتنياهو مشاركته في حفل افتتاح العام الدراسي الجديد في مدرسة القدس.
وبعد كل هذه الأحدث انقسم الشارع الفلسطيني بين مؤيد ومعارض لعمليات المقاومة، منهم من يقول :"إن هذه العمليات خاصة "الاستشهادية" تعطي حججا للاحتلال ليوسع اقتحاماته في مدن الضفة الغربية"، ومنهم من يقول :"إن المقاومة حق مكفول لأي شعب تحت الاحتلال وأن المقاومة السلمية كالمقاطعة مثلا لها أثرها العالمي على الاحتلال, ويجب تعزيزها أكثر وأن إسرائيل ليست بحاجة الى ذريعة للقيام بأي جريمة لكن عمليات كهذه ممكن أن تسهل لهم تنفيذ مخططاتهم للانتقام من شعبنا وتهجيرهم"، ومنهم من أيد المقاومة وقال :"لا سبيل لنا غير المواجهة ومقاومة الاحتلال حتى رحيله لأن الاحتلال لم يعطنا شيئا بالسلم وأن الاستيطان تضاعف بعد أوسلو ووصلت المستوطنات الى عقر دارنا"، ومنهم من وضع اللوم على السلطة الفلسطينية وقال:" الشعب الفلسطيني لديه أزمة ثقة مع قياداته وهذا سببه الأساسي السلطة الفلسطينية لأن الناتج يختلف عن ما كان متوقع عندما وثق الشعب بالقيادة وسار في درب أوسلو".
الناشط الحقوقي المحامي فريد الأطرش شارك رأيه حول عمليات المقاومة:" ما يميز المقاومة الشعبية في الانتفاضة أنها كانت جماهيرية وبمشاركة الشعب بكافة اطيافه وكان لها قيادة وطنية موحدة وبمشاركة معظم الفصائل، أما المقاومة الشعبية الحالية فهي ليست جماهيرية ولا توجد لها قيادة وطنية موحدة ومنها ما هو مناطقي في بعض التجمعات ومنها ما هو عبارة عن مجموعات صغيرة تقوم بأعمال مقاومة شعبية وسلمية غير مؤثرة في الاحتلال او تغيير سياساته وان كان هنالك بعض النماذج الايجابية ، للأسف الاحزاب ترفع شعار المقاومة الشعبية ولا تطبقها على الأرض، أيضا هنالك عدم ثقة من الناس بالأحزاب والتنظيمات".