أمد/
أدرك أن الساعة شارفت الواحدة ظهرا، بمجرد أن صدح صوت مؤذن زاويته في منطقة نزوحة، حيث لا مساجد فيها ، أتت عليها صواريخ الحرب.
هرول بخطاه السبعينية، ينادي على حفيده.
جاسر ناولني ” الطنجرة” الكبيرة، آتي إليكم باللحم الذي تشتهونه.
– جاءه صوتها يتضور جوعا وتعبا: من أين اللحم ، أتهذي!!!
– اسرعوا بالطنجرة حان وقت (( التيكية))، والمناطق المجاورة لنا وسبقتنا أخبرتنا أن اليوم نصيبنا أرز ولحم.
مشى لاهثا، وما إن وصل المكان، أسند ظهره بِحنوه على نصف جدار مهدوم، يعُد بعينيه الزائغتين، كم شخص يسبقه في طابور الجوعى .
جاء صدى الصوت يتردد:” اليوم لا يوجد تيكية، اذهبوا إلى بيوتكم”.
ملأت تمتمات البؤساء الجوعى المكان، زفر زفرة قوية صافقا غطى طنجرته بكف يده الهزيل المتجعد، لقد وعدت أحفادي باللحم…….
تكوم في زاوية بعيدا عن عمود خيمته المغروز في قلبه، يفكر ماذا يملأ (( طنجرته))،مضت ساعة على حالة يأسه وتكومه.
أمسك بورقة ملقاه جانبه، يحركها أملا أن تُلطف من أجيج غضبه، حملت مع هواءها الهزيل صدى صراخ الصغار والكبار(( التيكية، جاءت التيكية)).
عرج على قدميه بعد ساعة تكومه مُتعبا، أنا الأول، جِئت من ساعة.
تبين أن الصغار يتمازحون .
غمرت دموعه طنجرته، كمرق لحم يشتهيه أحفاده، دار في المكان باحثا عن أمل يشفي غِله، لمح من بعيد تجمع آخر للصبيان والنساء وعجائز يترنحون.
أنا أولكم، أنا أولكم.
صعقته شظاياه من بعيد، عبق دمه طنجرته، وتناثر لحمه في المكان.
لملم أحفاده اللحم، وأوفى بالوعد.
عادوا باللحم، وأوفى بالوعد!