أمد/
الرياض: قبل أشهر، كان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قد أعرب عن اعتقاده بأن التطبيع بين بلاده وإسرائيل يقترب "أكثر فأكثر"، في نبرة مغايرة لتلك التي تحدث بها، الأربعاء، عندما أشار إلى ما وصفها بـ"جرائم" إسرائيل، مؤكدا أن بلاده لن تتخذ خطوة التطبيع قبل "قيام دولة فلسطينية".
واعتبر محللون تحدثوا لوكالة فرانس برس، أن هذه اللهجة التي تشددت، تهدف إلى "الضغط من أجل وقف الحرب" في قطاع غزة، المستمرة منذ قرابة عام، و"منع توسعها" إلى حرب إقليمية أوسع.
وأكد ولي العهد، الأربعاء، في كلمة لدى افتتاحه جلسات مجلس الشورى في الرياض، أن بلاده لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل "قيام دولة فلسطينية"، معربا عن إدانة المملكة لـ"جرائم" إسرائيل.
وجاءت هذه التصريحات في وقت تتصاعد فيه التوترات الإقليمية، حيث شهد لبنان تفجير أجهزة اتصال ينتشر استخدامها بين عناصر حزب الله، في هجوم نُسب إلى إسرائيل (التي لم تعلق عليه حتى الآن). بالإضافة إلى هجوم بصاروخ باليستي أطلقه الحوثيون في اليمن وسقط في وسط إسرائيل، الأحد.
وفي سبتمبر الماضي، كانت السعودية وإسرائيل على "عتبة" تطبيع علاقتهما برعاية أميركية، لكن اندلاع الحرب الدامية في غزة في 7 أكتوبر، دفع السعودية إلى تعليق المحادثات، منتقدة العمليات العسكرية الإسرائيلية، ومطالبة بوقف الحرب.
وقالت الخبيرة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، رابحة سيف علام، إن "حرب غزة وسلوك الحكومة الإسرائيلية، نسفا الترتيبات المعدة للتقارب السعودي الإسرائيلي".
وتابعت لوكالة فرانس برس، أن "قسوة الحرب الحالية وما تحمله من فظائع بحق الفلسطينيين، قتلت فرص تصور التطبيع وتقبل الرأي العام في السعودية له".
وبدورها، رأت المحللة في مجموعة الأزمات الدولية، آنا جايكوبس، أن "محمد بن سلمان يقول هذا الآن لأن حرب إسرائيل على غزة مستمرة منذ عام تقريبا، ولا تظهر أي علامات على التوقف".
وتابعت: "تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء، وتحاول بدء حرب متعددة الجبهات، مما سيؤدي إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط بشكل أكبر".
من جانبها، تشدد إسرائيل على أن عملياتها العسكرية تأتي في سياق "الدفاع عن النفس" إزاء تهديدات حركة حماس في قطاع غزة، وحزب الله في لبنان.
"وسط النيران"
وتنكب السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربي، منذ 2016 على مشروع إصلاح اقتصادي واجتماعي يهدف إلى تحويلها لمركز عالمي للسياحة والأعمال والرياضة.
ورأت سيف علام أن "الخوف من توسع الحرب يضرب خطط السعودية التنموية، لتكون بلدا جاذبا للاستثمار في المنطقة".
ورأت جايكوبس أن السعودية تريد "زيادة الضغوط" من أجل التوصل إلى هدنة الآن.
وأضافت أن ولي العهد السعودي يسعى إلى "محاولة زيادة الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة، لكن أيضا لمنع حرب إقليمية أوسع نطاقا"، معتبرة أن هذا قد يضع "الولايات المتحدة وإسرائيل على جانب" وإيران وما يعرف بـ"محور المقاومة" على الجانب الآخر.
وأكدت أن "هذا سيناريو مروع للرياض وجميع دول الخليج، التي قد تقع في وسط النيران".
واندلعت الحرب في غزة إثر هجوم غير مسبوق شنّته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، تسبّب بمقتل 1205 أشخاص في الجانب الإسرائيلي، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، حسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات رسمية إسرائيلية. ويشمل هذا العدد رهائن قضوا خلال احتجازهم في قطاع غزة.
وخُطف خلال الهجوم 251 شخصا، لا يزال 97 منهم محتجزين، بينهم 33 يقول الجيش إنهم لقوا حتفهم.
وردت إسرائيل بحملة قصف وهجوم بري على غزة، مما تسبب بكارثة إنسانية وأسفر عن مقتل أكثر من 41 ألف شخص، معظمهم نساء وأطفال، وفق وزارة الصحة في القطاع.
أقوال وأفعال
ولم تعترف السعودية بإسرائيل قط، ولم تنضم إلى اتفاقات أبراهام المبرمة عام 2020 بواسطة أميركية، التي طبعت بموجبها جارتا المملكة، الإمارات والبحرين علاقاتهما مع إسرائيل. وحذا المغرب والسودان بعد ذلك حذو الدولتين الخليجيتين.
وكانت السعودية في طريقها إلى ذلك، ضمن اتفاق كان سيوفر للرياض ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، ومساعدة في تطوير برنامج نووي مدني.
وقبل نحو عام، قال ولي العهد السعودي في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأميركية: "نقترب كل يوم أكثر فأكثر" من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكنه في الوقت نفسه شدد حينها على "أهمية القضية الفلسطينية" بالنسبة إلى المملكة.
وقالت سيف علام إن السعودية "كانت على شفا الاعتراف بوجود إسرائيل والتعامل معها، لكنها الآن تواجه تعنّتا إسرائيليا لا يقبل بتاتا بوجود دولة فلسطينية"، وهو الأمر الذي طالما ربطت السعودية التطبيع مع إسرائيل به.
وترفض الحكومة الإسرائيلية، التي يغلب عليها اليمين المتشدد، قيام دولة فلسطينية. وأكد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو مرارا أن الحرب في غزة لن تتوقف حتى "تحقق أهدافها"، المتمثلة في "القضاء على حماس" و"إعادة سكان الشمال إلى منازلهم".
يأتي ذلك في الوقت الذي أكدت فيه العديد من الدول، أبرزها الولايات المتحدة، دعمها حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وقال مستشار الحكومة السعودية، علي الشهابي، إن تصريحات ولي العهد، الأربعاء، "تهدف إلى إزالة أي غموض حول الموقف السعودي".
وأشار المحلل السياسي السعودي، محمد بن صالح الحربي، إلى استخدام ولي العهد "لهجة شديدة" في التعبير عن موقف بلاده.
لكن جايكوبس قالت إن "السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت هذه التصريحات الشرسة ستتبعها أفعال، خصوصا في علاقتها بالولايات المتحدة، أقوى حليف لإسرائيل، وكيف يمكن أن تحشد العالمين العربي والإسلامي".