أمد/
لا حدود للتوحش الاسرائيلي، فآلة القتل والدمار تتفلت دون رادع او مانع، وتحول العمران في المناطق الشيعية الى خراب شاسع وقبور دوارس، لا حياء او خجل يعتري التواطؤ الغربي مع الجرائم الاسرائيلية المرتكبة في عين الشمس، ولا وقف لسيل المساعدات العسكرية والمالية التي تقدمها اميركا وبريطانيا والمانيا لاسرائيل، لا نهاية لصمت عربي يضمر اهمالا واستخفافا ويأسا من مصير لبنان، لا غلالة او تعمية تخفي وقاحة ايران وتجارتها الدموية، فهي تبحث عن مصالحة مع أميركا، تعيد لها اموالا محجوزة، و ترفع عقوبات غربية مفروضة، و تحمي جاهزية نووية موعودة، وتؤكد الامتناع عن التورط باية حرب مع إسرائيل، في الوقت الذي يتم قتل من والاها وتبعها ووضع رقابه ومصائره ومصائرنا رهن أوامرها…
في قلب هذه الدوامة من التقلبات والانواء يتقلب لبنان وشعبه عرضة لمخاطر هائلة تهدد حاضره ومصيره ومستقبله.
فقد شكَّلت الحربُ على حزب الله وتُشكِّل عاملَ ضغطٍ عليه، تضعفه وتجبره على التنازل والإقلاع عن سياسات الفرض والاستعلاء وصم الآذان عن اي رأي او أيّة نصيحة، هذا الأمر أصبح صحيحا وواقعا، ومن المهم ان يدركه شيعة لبنان وجمهور الحزب وانصاره، كما ان الأهم ان تقتنع به الاطراف السياسية الخائفة من حزب الله مهيبا او مستنزفا، لان الحزب فقد كتلته القيادية التأسيسية، كما فقد جزءً كبيراً من قياداته العسكرية، والعشرات من آمري وحداته القتالية، ولعل خسارته الأكبر والأشمل تتجلى بإنهيار سرديته التي كانت تُبرِّرُ دورَهُ، وتُشرِّع مَهابَتَهُ، وتُحاكي وَعيَ ووجدانَ انصارِه و قناعاتِ جُمهورِه ومؤيديه، وتُشكِّلُ لحمة تياره، من انّه قويٌ وقادرٌ على مواجهة اسرائيل، وخَلْقِ توازنِ رُعبٍ في ميزان قوى يردعها، وانَّه يُشكِّلُ دِرْعاً للطائفة الشيعية يَحميها ويُؤمِّنُ لها غَلَبةً سافرة داخلية، تجاه بقية الطوائف، ويستطيعُ ترجمةَ هذه الغلبة، مكاسبَ في عائدات السلطة ومواردها، كما يُشكِّل قوةً اقليمية، تلعب في ملاعب الكبار والدول، فيما يترك لبقية الأطراف السياسية اللبنانية، التنافسَ على الشأن المحلي ومكاسب المشاركة في الحكومة والتَنفُّعِ من ثمارها.
من الواضح ان الصورة خلال هذه الحرب وبعدها تُظهِرُ زيف الأوهام التي رواها حزب الله عن نفسه، ويتبدى جليا عجزُ الحزب عن حماية لبنان و عن تأمين سلامة اهله وأنصاره، وفشلُه في حماية قياداته وامينه العام، كما أوضحت الأحداث ان حسابات حزب الله وخياراته قد وقعت في أخطاء فادحة وقرارات كارثية، ولم تأخذ بالاعتبار الا رغبات ايران وإملاءاتها دون مراعاة لمصلحة شيعة لبنان وشعبه.
ومهما حاول ما تبقى من قيادة حزب الله، ان يتنصل من مسؤوليته عن الكارثة التي اصابت لبنان عامة وابناء الطائفة الشيعية خاصة، فإن إدانة أدائه ستبدو امراً جلياً على كل لسان ! فقد تم إقتلاع اكثر من ٧٠٠ الف شيعي من قراهم ومدنهم وارزاقهم ودفعوا هائمين على الطرقات ونازحين الى مراكز ايواء لا تتوفر فيها شروط الإقامة، او تجهيزات المنامة او مستلزمات النظافة، وفي ظل سلطة لبنانية يمتلك قرارها حزب الله ويتحكم بشكل كامل بكل إجراءاتها.
الشقاء والمهانة والبؤس الشيعي اليوم ليس صناعة سلطة اخرى، ولا طائفة اخرى، ولا دولة أجنبية، بل وان كانت يد العدو الاسرائلي ووحشيته تنفذها، وهو أمر بديهي و منتظر ومعروف، فان مسؤولية ان نصل الى ما وصلنا إليه، هو مسؤولية حزب الله وقيادته..
بعد سنة من قرار الحزب، بالذهاب الى حرب قيل انها لمساندة غزة، وكان جليا انها حرب لا جدوى منها او فائدة لغزة، وانها حرب كان يمكن تجنبها، بقبول عشرات عروض وقف اطلاق النار، والذهاب الى حل ديبلوماسي على الجبهة الجنوبية، تمت مناقشته والدعوة لقبوله على مدى عشرة اشهر كاملة من قبل وزراء الغرب ومبعوثيه، وتم رفضه من حزب الله مرارا وتكرارا.
إنطلاقا من كل ما تقدم يواجه لبنان تحدي صعب وشائك : يتمثل بالإجابة على سؤال حرج هو ؛ كيف يمكن التعامل مع تقويض قوة حزب الله وانكشاف عجزه دون ان يتم دفع لبنان الى الفوضى والحرب الاهلية!!؟، ودون تحويله الى مستعمرة اسرائيلية!!؟
الاخطار جسيمة كبيرة وراهنة، يُركِّزُ العدو الاسرائيلي ودول الغرب والعديد من الأطراف السياسية اللبنانية على خطورة سلاح حزب الله، ويطالبون حلا لذلك بتطبيق القرارات الدولية ١٧٠١ و ١٥٥٩ و ١٦٨٠، لكن هذه القرارات سواء نفذت ام لم تنفذ، لن تواجه وتمنع الاخطار التي يتعرض لها لبنان وشعبه، ونوجزها بثلاثة أولها الخطر الاسرائيلي و ثانيها الخطر الايراني و ثالثها خطر الحرب الأهلية الداخلية:
١) إن سيطرة اسرائيلية سافرة على الاقليم، لا يمكن كبحها او ضبطها مع حكومة من مجانين اليمين الاسرائيلي ستكون كارثة اخرى، ولانه في تقديري ان نتنياهو قد يريد الوصول الى مدخل صيدا اي نهر الاولي والبقاء هناك طويلا من اجل تبديد الديموغرافيا الفلسطينية في مخيمات الرشيدية والبص والمية ومية والعباسية وعين الحلوة وانهاء ما يسمى بمشكلة اللاجئين واقفال الاونروا، وسيفعل نفس الشيء في مخيمات الضفة الغربية المحتلة، لانه من السهل السيطرة والتعامل مع المدن الفلسطينية بعد ذلك، ان التعايش مع هذا الواقع اذا حدث سيكون امرا مستحيلا، وسيدفع المنطقة في دورات عنف جديدة…
٢) ان بقاء تحكم ايران يشيعة لبنان خاصة وبكل لبنان عامة، لا يرتبط بسلاح حزب الله فقط، بل بعَقْلِ حزب الله وعقيدتِه، ونَمَطِ تَشَيُّعِه، وهو تَشَيُّعٍ حسب ولاية الفقيه، مستجد على تقاليد مذهب الامام جعفر الصادق، كما يرتبط بشبكة من الخدمات والمؤسسات التي مَكَّنَت إيران من توثيقِ قبضتِها على اغلبية شيعةِ لبنان، و عليه فإن فصل لبنان عن ايران وعودة جمهور حزب الله الى لبنانيتهم، هو مسار مركب يحتاج الى برنامج وافعال تطال مجالات متعددة، وعلى مدى زمني متدرج، ويتطلب إمكانيات وموارد مالية وخدماتية ورعائية واعلامية وثقافية.
٣) الخطر الثالث هو خطر الحرب الاهلية والذي تعرض لها لبنان، عند كل انقلاب في موازين القوى الاقليمية، وهذا الخطر متصل بطبيعة المنظومة الحاكمة والأطراف السياسية واحزابها الطائفية التي تستثمر بالكراهية والتعصب والتحريض الطائفي لتجديد سطوتها واستمرار فسادها ونهبها للاموال العامة والخاصة، وتأبيد سيطرتها على محازبيها،
الحرب الاهلية المحتملة سيكون أبطالها زعماء الميليشيات المتبقية، وان اية حلول تمر بإعادة تعويم هؤلاء، ستكون تجديدا لكارثة جديدة، الحكمة تقضي بان يتم يتم استعمالهم، كجسر عبور، تحت الضغط دون تعويمهم، من اجل اعادة تكوين السلطة بدءا بانتخاب فوري لرئيس الجمهورية، وبعد ذلك تشكيل حكومة كفاءات لا تشارك بها اطراف المنظومة، تسترد القرار السيادي والمالي والعلاقات الخارجية من حزب الله، وتفاوض من اجل حل مع اسرائيل ينفذ اتفاقية الهدنة.
الجيش هو ما تبقى من دولة وعليه مهمتان حيويتان ومصيريتان، تطبيق ال ١٧٠١ جنوب الليطاني وحفظ الامن ومنع الحرب الاهلية شمال الليطاني، ولذلك سيكون للجيش الدور الرئيس باستيلاد الخيار اللبناني الذي يفصل بين حرب لبنان وحرب غزة وحروب الاقليم كافة، وبنفس الوقت بين شيعة لبنان وبازار ايران مع اميركا…
نعم هناك ما يمكن للعرب فعله هو اعادة بناء الخيار اللبناني عبر المساهمة بفصل سياسي كامل ل لبنان عن الخيار الايراني، والشيعة امامهم هذا التحول، إما الخيار اللبناني المنفتح على العرب والعالم، وإما الموت خدمة لمحور ايران الذي يقاتل حتى آخر لبناني وآخر فلسطيني
نشرته ” جنوبية ” في ١٠/١٠/٢٠٢٤