أمد/
هل تعتبر رواية بديا بلدي … ترنيمة بد الصادرة عام 2021 تسجيلا لسيرة ذاتية؟
فهي ليست مذكرات شخصية بالمعني الحرفي ولكنها رواية توثيقية لأسرة فلسطينية من محافظة سلفيت وتحديداً قرية بديا، والتي أصبحت مدينة شأنها شأن باقي الاسر في تلك الحقبة الزمنية التي سجلتها الرواية.
رواية “بديا بلدي” التي قامت الكاتبة بكتابتها سرا حتى أهدت نسختها الأولى لأخيها الكوماندوز (كما سمته الكاتبة) المهندس مصطفى عيسى سلامه … صاحب شركة لأنظمة الكمبيوتر فقد كانت تكتبها على جهاز الحاسوب المحمول الخاص بها ولا تعلم أحد حتى ابنائها بالبيت ولم تفصح سرها لاحد حتى كاتم اسرارها امها فهي تقول كل شئ تقوم به وقبل تنفيذه لتأخذ مباركة امها وتوجيهاتها وتعليماتها ولم تخف عنها شئ الا كتابة هذه الرواية، اتمني من الكاتبة أن تقدم لنا مقال عن ابنائها و أخيها واخواتها وامها وكل من ورد ذكره بالرواية وردة فعلهم عند إطلاق الكتاب للعلن مطبوعا.
الست زهر
الكاتبة تروي لنا ذكرياتها مع الأم الست زهر ابو حجلة ابنة قرية سينيريا الصابرة الصامدة المكافحة، فهي عنوان للمرأة الفلسطينية التي تناضل من أجل عائلتها وضحت بكل شيء من أجلهم، هي بنت الاصل التي تركت بلدها واستقرت في بديا من أجل أن يبقى اولادها معها ومع عائلة زوجها المرحوم عيسى سلامه وتقرب ابنائها الأطفال الأربع بنات وصبي من عائلة أبيهم في بديا، فهي تحدت كل الظروف المحيطة والمجتمع وتحدتهم حتى ابنائها كانوا عندما يعرفوا عنهم يقولون هذه بنت السنيرية في بديا وتحدتهم من أجل تربية أبنائها وتعليمهم حتى أصبحوا جميعا يحملون الشهادات الجامعية العليا كما كانت تحلم.
قدمت الام باسلوب تربوي يحتذي به، قوانينها الخاصة التي سمتها الكاتبة “قوانين الست زهر” في التربية.
فقد وضعت لابنائها سبعة قوانين وهي:
القانون الأول:
(أي حد يسألكم عن أي شيء يتعلق في البيت أو عن حياتنا … الجواب لازم يكون ما بعرف).
القانون الثاني:
(قبل أن تضع اللقمة في فمك، اسأل نفسك: هل أكل أخي ( أختي).
القانون الثالث:
(من يقرط في عود كبريت، يفرط فيما هو أكبر منه).
القانون الرابع:
(لا تنظر لمن معه أكثر منك، بل أنظر لمن يملك أقل منك، أو لا يملك).
القانون الخامس:
(إللي إلك … كمان لأخوك).
القانون السادس:
(الشغل مش عيب).
القانون السابع:
(لا خروج من البيت إلا بموافقة وشروط).
قوانين الست زهر في التربية هي قوانين تصلح لكل زمان ومكان.
كتابة التاريخ الشفوي بين الرواية الأدبية والحقيقة:
كتابة التاريخ الشفوي هو من الكتابات الهامه، وهو موضع جدل واسع بين المؤرخين والباحثين والمثقفين، وهناك أيضاً فرق بين كتابة التاريخ وكتابة المذكرات الشخصية، هنا بالكتاب الذي بين أيدينا هو كتاب سيرة ذاتية بنص أدبي قد لا يصل إلى المذكرات بالمعنى الحرفي، ولا يصل إلى كتاب تاريخ بل هو تسجيل يوميات وذكريات بلغة أدبية.
تقول الكاتبة (خلال ترددي على مكتبة البطراوي، بين الحين والآخر، كان صديقنا المهندس يطرح سؤالا، كذلك السؤال الذي دفعني لكتابة أول مقالة، هذه المرة سألني: متى سيكون لك كتابك الخاص، كنت أبتسم، مقالة وكتبنا، أما كتاب؟ هذا شيء آخر.. وكنت أقول لنفسي: ربما ذات يوم أكتبه، وأهديك نسخة لوضعها على أحد رفوف المكتبة).
وبالرجوع إلى النص الأدبي فالكاتبة تتنقل بذكرياتها ما بين الكويت وبديا وسينيريا والأردن ورام الله ففي كل مكان من هذه الامكنة لها ذكريات وتأملات ما بين الفرح والحزن والأمل.
وطرحت الكثير من القضايا كعمل المرأة وتعليم بكل مراحله وتحدثت عن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في القرية والخلاف مع المدينة وعن الانتفاضة الأولي والثانية والأسرى ومعاناة المواطن مع الاحتلال والحواجز وعن الزواج و الاحتفالات والعادات والتقاليد الاجتماعية بالأعراس وعمل المرأة الفلسطينية المكافحة والأخوة وعن حياتها مع اخواتها واخيها كانت تصف وترسم المكان والحدث وكانك تقف أمام مشهد تلفزيوني، للكاتب اسلوب سهل ممتنع كلمات بسيطة وبعيدة المدى والعمق، ولديها قدرات بكتابة الوصف ودقة الملاحظة.
تقول الكاتبة عن أمها ومعلمتها “لم يكن مريحا جدا بالنسبة لي ان تكون امي معلمتي، اجتمعت الآن شدتها في البيت مع شدتها في المدرسة، لم يكن موضوع خوف على الإطلاق، فأنا احتل الترتيب الأول على الصف، واثقة من نفسي وقدراتي، ولكن أمي لا تقبل أصغر الأخطاء، ولا أريد لها أن تسبب لي الحرج أمام زميلاتي، وأصاب بالخجل أمامهن”.
تحدثت الكاتبة عن هذه التجربة والخوف من ان تقع بالإحراج مع والدتها أمام الطلاب بالمدرسة وحصل مرة رغم تفوقها في الإملاء ورمي الدفتر بوجها أمام الطلاب على الخطأ البسيط، وامها الشديدة التي لا تحب الا كل شئ بتفوق وإتقان.
تحدثت الكاتبة عن تجربتها بالحياة المدرسية والعائلية وفقدان الاب والجماعه والغربة والعمل والبعد عن العائلة وتجربة الزواج وفقدان الزوج وكيف اشتركت بنفس الطابع المشترك مع امها بتربية أبنائها وتضحيات الأم من أجلهم وعن اخوها والأسرى والوظيفة بأعمال ليس من تخصصها وابداعها بها.
هذه رواية أدبية ذاتية تستحق أن تحول لفيلم سينمائي للحديث عن معاناة الفلسطيني بكل مكان عبر التاريخ الطويل، أن كل فلسطيني هو قصة بحد ذاته وتجربه تستحق أن تكتب، وعلينا أن نكتب كل ما يخص التجربة الفلسطينية فهي تعبر عن معاناة وواقع المجتمع ولكن مكان هذه التجربة هو تعبير عن الهوية الوطنية والثقافية لمجتمع مكان الرواية.
ختاماً: ولنتأمل ما قاله سفيان الثوري عن التاريخ بأن “التاريخ هو العمق الاستراتيجي لمن يبتغي صناعة المجد في الحاضر والمستقبل”.
وعلينا دائماً ان نكتب كتب السيرة الذاتية فهي محل اهتمام الباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي والاجتماعي والتاريخي فهذه الرواية الأدبية والشخصية العائلية تتحدث عن تجربة شخصية بقالب ادبي واجتماعي.
طرحت الكاتبة في ختام روايتها العديد من الاسئلة:
هل سيكون لي غربة رابعة عن بديا، ام أن غربتي الثالثة هي الاخيرة؟
هل سأري بديا كما أتمنى لها أن تكون؟
هل سيرتبط أبنائي ببديا كما ارتبطت بها؟
هل ستبقى علاقتي ببديا كما هي، أم هناك تغير في طبيعة وشكل هذه العلاقة؟
ما الذي يمكنني تقديمه لهذه البلد، وهل سأنجح في أن أكون فاعلة أكثر فيها؟
هل ستصبح حياتي في بديا حكايات ترويها لأحفادي؟
ان الأدب هو طريق بيننا وبين التجربة البشرية بأكملها، ما يجعله ضرورة لكل إنسان يسعى إلى حياة أكثر ثراء وفهما وإدراكا وتجربة ومعرفة.
ساترك القارئ ليستمتع في قراءة الرواية الأولي للكاتبة اسماء سلامة وننتظر من الكاتبة روايتها الجديدة.