أمد/
كتب حسن عصفور/ عندما التقى “الوزاري السداسي العربي” في الرياض شهر فبراير 2024، وأطلق النداء السياسي الأول بـ “ضرورة إنهاء الحرب على قطاع غزة، وأهمية اتخاذ خطوات لا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتين، والاعتراف بدولة فلسطين على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية”. إلى جانب عناصر أخرى ترتبط بهما، كان الاعتقاد أن هناك نقلة استراتيجية في الحركة الرسمية العربية لمواجهة عدوانية دولة الفاشية اليهودية.
وبعد قمة المنامة بالبحرين مايو 2024، تعزز السداسي العربي بموقف سياسي وبالتنسيق مع رئاسة القمة للمضي قدما نحو مواجهة الحرب العدوانية، خاصة وأن رئيس حكومة دولة العدو نتنياهو بدأ يكشف مخططه المستقبلي، بإعادة احتلال قطاع غزة، وتهويد الضفة والقدس ورفضا مطلقا لدولة فلسطينية.
وتبلورت لأول مرة منذ ما بعد مبادرة السلام العربية في بيروت مارس 2002، رؤية سياسية تتوافق والتطورات اللاحقة، خاصة ما يتعلق بعضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، وزيادة الدول العربية التي وقعت اتفاقات تطبيعية مع دولة الكيان، تجاوزا للشرط العربي الرسمي بارتباطه بحل الصراع، فيما فتحت أبوابا جديدة للعلاقات التكاملية في المنطقة، ولكن الإدارة الأمريكية ووزير خارجيتها بلينكن، رفضها واعتبرها غير ذي صلة.
كان الرفض الأمريكي شكلا ومضمونا يحمل “وقاحة سياسية”، وكشف أن حركة قاطرة موقف إدارة بايدن مرتبطة بسرعة الحرب العدوانية على قطاع غزة واتساع حركة التهويد في الضفة والقدس، وبناء نظام فصل عنصري كامل داخل الأرض المحتلة، لقطع الطريق كليا على وجود دولة أو كيان فلسطيني موحد.
في شهر سبتمبر 2024، وخلال لقاء “الوزاري العربي” في القاهرة أقرت خطة عملية من عناصر محددة لمواجهة عدوانية دولة الكيان، لم تكتف بالمناشدات التي سادت، بل حددت خارطة عمل تستند لاستخدام الاقتصاد مرورا بحركة التطبيع إلى العمل على محاصرة الكيان في الأمم المتحدة، رؤية كانت الأكثر عملية منذ انطلاقة الحرب العدوانية، لكنها لم تنتقل إلى مسار النور السياسي، وواصلت حركتها داخل مقر الجامعة العربية.
بالتوازي عاد رئيس حكومة الفاشية اليهودية لعرض رؤيته الخاصة بـ “شرق أوسط جديد” يقوم على شطب فلسطين الدولة والكيان، مع بناء “نظام استيطاني كامل” في الضفة والقدس كجدار أمام أي احتمالية لوجود دولة فلسطين، وكجزء من “إسرائيل الموسعة” التي تتجاوز حدودها المعترف بها في الأمم المتحدة، رؤية ترسم ملامح يوم تالي أساسها “الاندماج الكبير” في المنطقة استنادا الى المتغيرات المفروضة عسكريا، دون ثمن مقابل في جوهر حل الصراع، بل العكس تدميره.
وبدلا من الذهاب لتطوير رؤية عربية ردا على مشروع نتنياهو “الشرق أوسطي الجديد”، وكذا الاستخفاف الأمريكي بالرؤية العربية المستحدثة، بدأ “السداسي العربي” باضمحلال دوره، والابتعاد إلى أن غاب عمليا عن المشهد، متوافقا مع عدم تفعيل قرارات الوزاري العربي السبتمبرية، رغم أنها باتت أكثر من ضرورة بعدما اتسعت دائرة الحرب العدوانية، واتضحت الأهداف السياسية الإقليمية منها، بتنسيق أمريكي – إسرائيلي.
توقف قاطرة عمل السداسي العربي، فتح الباب عمليا، لأن يحتل قيادة المسار السياسي “الثنائي” وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن وتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، لرسم ترتيبات المشهد الفلسطيني أولا، على طريق الترتيبات الإقليمية العامة.
ويبدو أن مشهد يناير 2003 يطل برأسه بثوب جديد وبهدف “متطور”، بدلا من فرض استحداث منصب رئيس حكومة في “العهد العرفاتي”، يكون بابا للخلاص من القيادة التاريخية للشعب الفلسطيني، اتجه “الثنائي بل بل” (بلينكن – بلير)، لوضع الترتيبات الخاصة لليوم التالي بتشكيل “إدارة ذاتية مدنية” في قطاع غزة، خالية من “الدسم الرسمي”، وبشعار محاربة الفساد، يمكن اعتباره استنساخا معاصرا لما كان عام 2003، وأيضا بهندسة مشتركة مع إدارة بوش عبر الجنرال باول وزير خارجية أمريكا في حينه (صاحب وصمة العار التاريخية بخطابه في فبراير 2003 أمام مجلس الأمن عن أسلحة الدمار الشامل في العراق وثبت كذبه المطلق).
ولذا تشق بعض أسئلة طريقها:
هل تخلى السداسي العربي” عن رؤيته الأولى، وما عززها خطة عمل الوزاري العربي، لصالح رؤية “بل بل”، لصياغة رؤية خاصة بفلسطين تلغي كليا كل ما هو مرتبط بقرارات الشرعية الدولية.
هل منحت الرسمية الفلسطينية الضوء الأخضر لمناقشة خطة “الثنائي بل بل”، من خلال نقاش فتح وحماس لمقترح جديد، لن يقف عن “إدارة غزة المدنية”، دون أن تكون لها صلة بها.
هل التخلي العربي الفلسطيني عن رؤية سياسية شاملة جزء من ثمن “إعادة الإعمار” في قطاع غزة.
هل هناك “ضمانات” لدى الرسمية العربية والفلسطينية أن خطة “الثنائي بل بل” مؤقتة وخاصة بمرحلة في قطاع غزة.
المؤشرات تعطي أجوبة سلبية، خاصة وأن قدرة الرسمية الفلسطينية على “مقاومة” المشاريع التي يتم مناقشتها والترتيبات المرتبطة بها لم تعد قائمة، بل وكأنها ارتضت أن تقوم بوظيفة “ذكر العسل”.
ربما لا يبدو هناك قدرة على مقاومة خطة الكسر الكياني في قطاع غزة، خاصة وأن أهل القطاع لم يعد لديهم “ترف الصبر والتحمل”، والمصدر لهم من فئة فقدت الحس الوطني والإنساني، لكنها بالتأكيد لا تزال عناصرها في الضفة والقدس والخارج.
المقاومة ممكنة وكسر عناصر “المؤامرة الحديثة” ممكنة..ولكنها تحتاج فعل بثمن أكثر من الكلام وأقل من الانتحار..غيره سيكون استسلاما رخيصا جدا.
ملاحظة: زعيمة حزب إسباني بشجاعة فائقة، قدمت مرافعة ولا أهم بمقارنتها صوت وصورة ما حدث في حرق خيام النصيرات من فاشية اليهود وما كان من حرق في غرف الغاز الهتلرية..ما ارتعشت ولا تحسست راسها خوفا..هو ليش الشجاعة النادرة كلها من غير المتحدثين بلغة الضاد..قديش نفخر بهم قديش نخجل من اللي عنا..
تنويه خاص: بدها صار نعمل جائزة اسمها “أقوى تهديد كلامي” في فلسطين والمنطقة العربية..من تجاوز الخط الأحمر إلى أنها لن تسمح مرورا بكلمات فيما، لو وإن…جائزة بتساعد الكلمنجية تطوير أدوات التهديد لانها صارت مملة ومكررة وبطلت تلفح المخ…بدها شي يلسع لسع..تلسعوا أكبر كوبرا في الكون..ترتاحوا وتريحوا..
لقراءة مقالات الكاتب تابعوا الموقع الخاص