أمد/
أول تساؤل يقع على البال بعد إعلان وفاة يحيى السنوار هو هل يفتح الباب لاتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسري ؟ ويليه مباشرة التفكير في كيفية الحدث على الأوضاع في الشرق الأوسط ،وبصفة خاصة ما بين اسرائيل وايران .
تعرضت حماس لضربات قاسية وعديدة خلال العام الماضي ،باستهداف قياداتها ومقاتليها ومواردها وتقييد تحركاتها عبر القطاع ، ومن ينفي ذلك لا يستوعب الواقع او يغلب العاطفة ورفض الاحتلال الاسرائيلي على المعلومات الموثقة.
وإنما يخطىء ويتسرع من ينتهي إلى أن حماس قد انهارت، وأن هيكلها قد دمر ، وأصبحت غير قادرة على استعادة عافيتها تدريجيا ،وترجح التجارب التاريخية عدم صواب هذا التقدير ،فرغم عدم شفافية ووضوح المعلومات تشير مصادر غربية إلى أن أحد اخوات السنوار كان له دور نشط ومباشر في قيادة العمليات العسكرية ،وهناك مصادر غربية أخرى تشير إلى انه رغم الخسائر الكبيرة لحماس ، إلا أنها استوعبت مقاتلين جدد في الاشهر الاخيرة نتيجة ضخامة الخسائر الإنسانية بالقطاع والتي تجاوزت ٤٢ ألف قتيل فضلا عن الجرحى والتدمير الهائل.
ولن أتوقف كثيرا عند حماس التي كانت على استعداد للتوصل الى وقف إطلاق النار وتبادل للأسرى منذ فترة ، على أساس الأفكار التي جاءت في المبادرة الأمريكية ،وتم استكمالها في قرار مجلس الأمن رقم ٢٧٣٥، كما أتصور أن حماس ستكون في مرحلة اعادة تشكيل وتهيئة مرة اخرى ،يصعب فيها اتخاذ قرار سريع بالموافقة على اقتراحات محددة ، إلا إذا عادت اسرائيل كلية إلى ما كان قد أقر قبل أن تتراجع ويرفضه نتنياهو .
ولن أتوقف عند موقف حماس لاعتقادي ان الأسلوب الوحيد لبتر الغضب وإنهاء النزاع هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وهي رسالة أكدها أخيرا عدد من السياسيين والشخصيات المرموقة الفلسطينية غير الموالية لحماس، بل سبق وصرح أمي أيالون الرئيس السابق للشين بيت الإسرائيلي المؤسسة المعنية بالأمن الداخلي، أن مقاومة الاحتلال وليس قوة السلاح هي اقوي رسالة وأداة في يد حماس،لذا تأمين اسرائيل يتطلب إنهاء الاحتلال والفصل بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي.
ورغم أن المصادر كلها تشير إلى ان قتل السنوار جاء صدفة ،فلم يفاجأ أحد أن نتنياهو والمؤسسات الاسرائيلية اعتبرته انتصارا عسكريا لهم ، وستعمل على استثمار هذا التطور سياسيا، وهو يشكل اضافة تكتيكية لصالح إسرائيل ،و يتسق مع رسالتها الان انها تقضي على معارضيها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط ، بصرف النظر انها لن توفر لها الأمن والاستقرار الاستراتيجي، دون معالجة أصل النزاع وجذوره وهو احتلال إسرائيل لأراضي الغير.
وحل اصل النزاع وجذوره لن يتحقق الا بالفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين ،وفي دول مستقلة ذات سيادة ايا كانت الترتيبات الامنية ، والبديل الوحيد لهذا الحل الدائم هو استيعاب الشعبين في دولة واحدة، بحقوق متساوية وهوية مشتركة ، والبديل الأول صعب، والآخر شبه مستحيل ، ويعارض نتنياهو كلاهما منذ زمن طويل .
وقد يستغرب البعض، وانما أرى ان قتل السنوار الذي يفتخر به نتنياهو خلق من حيث التوقيت ضغوط سياسية غير مريحة له، فرغم سعادته بالحدث ،واستغلاله سياسيا على أنه دليلا على حسن إدارته للمعركة والسياسات ، ووصفه له بأنه بداية النهاية لحرب غزة، ،فالحدث فتح الباب مرة أخرى في توقيت غير ملائم و بعجالة مطالبات من أهل الضحايا والمختطفين لعقد اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ،مطالبات استقبلت بحماس من ادارة بيدن المتراخية وصاحبة المواقف غير المتوازنة، والدعوة النظرية المؤيدة لحل الدولتين ، ووقف إطلاق النار الكامل في غزة ، فوجد نتنياهو نفسه مرة أخرى بين ضغط أهل المختطفين ومواقف ادارة امريكية متبنية لمواقف سياسية لا تتسق مع توجهاته الرافضة لفكرة الدولة الفلسطينية وحتى للهوية الوطنية الفلسطينية .
و نتنياهو كان يفضل توقيت للحدث أقرب إلى الانتخابات الأمريكية أو ما بعدها ،فإذا فاز ترامب أصبح له حليف تعاقدي مؤمن بالمكسب والخسارة وغير معني بالحق والباطل ، والحلول الخاصة بالقضية الفلسطينية بالنسبة لترامب ترتبط أساسا بترتيبات اقتصادية وتوفير فرص عمل وعائد للاجيال القادمة ، وغير مرتبطة او مؤسسة علي اي حقوق وطنية تاريخيّة ، وإذا انتهت النتيجة لصالح الديمقراطية هارس، فلا محالة إمام نتنياهو إلا العودة إلى المهارات و المواءمات، والرهان على قدرات اسرائيل وكفاءتها على الساحة الداخلية الأمريكية ، لأنه لا يؤمن بالحقوق السياسية الوطنية الفلسطينية، ولن يحيد عن هذا الموقف،وغياب السنوار عن الساحة والتفاخر بالنصر ، سيقوي من الدفوعات ادارة بيدن بضرورة تسهيل اسرائيل توفير المساعدات الانسانية بالقطاع طوال الأشهر المتبقية لها .
هذا وينتظر ان يتفاخر نتنياهو بالنصر دون ان يتحرك جديا للتهدئة في غزة أو الضفة الغربية ، بل ارجح انه سيناور بتصريحات وتحركات بالنسبة الي غزة ، مع التصعيد وليس التهدئة على جنوب لبنان وضد إيران ،خاصة وسبق ان اعلن ان طموحات اسرائيل الآن هي تغيير شكل الشرق الاوسط ،دون ان يشير الى السلام مع الفلسطينيين ،لأنه لا يرى التهدئة في مصلحته، ، ولا تتمشى مع ايديولوجيته، وباعتبار أن التوتر يجمع الاسرائيليين رغم اختلافاتهم ، يحصنه و اسرائيل من المحاسبة الوطنية أو الدولية .
واتوقع ان نشهد من نتنياهو ممارسة وتحركات مماثلة و تتجاوز حتى ما شهدناه من رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق شارون عام ٢٠٠٥ ،عندما قبل اقتراحات الرئيس بوش لتحريك عملية السلام مع الفلسطينيين مع وضع ١٤ تحفظ وشروط متناقضة ،ثم أعلن بعد أسابيع قليلة الانسحاب الاحادي من غزة، والتركيز على التوسع الإسرائيلي في الضفة الغربية ، و أصاب في مقتل عملية السلام مع الفلسطينيين ، بالتوسع الاستيطاني والأمني الممنهج ،لقطع التواصل بين الضفة والقطاع وحتى بين القرى الفلسطينية وجعلها بانتوستانات .
اؤيد الحل ا العربي الإسرائيلي الشامل وفقا لقراري مجلس الأمن ٢٤٢ و٣٣٨ وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، لأنه الحل الوحيد الذي يقفل باب النزاع كلية .
وأثنى دائما على العمل الدبلوماسي النشط والمبادرات حول هذه القضية وغيرها ،خاصة مع التوترات المتزايدة بالمنطقة ، وإنما أدعو للاحتياط من عدم الجدية وغياب المصداقية في مواقف نتنياهو قبل الأحداث الأخيرة والآن،حيث يريد توسيع رقعة الأمن الاسرائيلي دون حل القضية ،الأمر الذي ستنصب عليه كافة اقتراحاته وشروطة خاصة بالنسبة لقطاع غزة ،و يجب التمسك بصدور إعلان واضح وصريح ومحدد من الجانب الاسرائيلي، في مقدمة أي اتفاقات التهدئة تشمل أدوار عربية ،يلتزم فيها بشكل محدد بأنه سينسحب كاملة من غزة ، وأنه ملتزم بحل الدولتين ،لان سجلات نتنياهو مليئة بالوعود المبهمة وتراجعه عن التزامات ، حتى مع أقرب الحلفاء مثل الولايات المتحدة ، ويجب أن يكون واضحا للأصدقاء على المستوى الدولي كذلك ، أن العالم العربي فاقد الثقة في نتنياهو، وتأمين للجهد العربي عليه اتخاذ موقف استراتيجي مختلف و تقديم التزامات واضحة لا رجعة فيها.