أمد/
صدرت رواية “أخبار نصف جيّدة”،للكاتب الفلسطيني المتوكل طه،عن دار طباق للنشر والتوزيع في فلسطين.وقد نوّه الناشر إلى الرواية عند تظهيرها بالقول:”لا تقف هذه الرواية عند صوت أبطالها،وإنما تحمل في أحداثها صوت الشعب الفلسطيني،بكل ما أصابه من علوٍّ وانكسار.وب”أخبار نصف جيدة”يدفعنا الأديب المتوكل طه للسير في شوارع غزّة وأزقّتها،وفيها يمكن للقارئ أن يخبّئ رأسه بين يديه ليحتمي من شظايا انفجار،أو يتحسّس ندبة في روحه تركتها أقبية التحقيق على جسد بطل الرواية.
وهنا أيضا لا نقف أمام أحداث درامية،أو توثيقية،عن حرب غزة،إنّما نخوض حوارا عميقا حول وجود الاحتلال،وجدوى مقاومته،وما يركّب المجتمع الفلسطيني من أحزاب وطنية ودينية”.
ويبدأ زمن الرواية مع صبيحة يوم السابع من أكتوبر،أو ما عُرف بطوفان الأقصى،لتواكب ما تلا ذلك الحدث الهائل من تداعيات عصفت بالمنطقة والعالَم،ووضعت الإقليم على شرفة حرب ممتدة وطاحنة.غير انها ذهبت عميقا في تفكيك خلفيات ذلك الحدث،وما تبعه من إبادة،لاحقت الرواية تفاصيلها الدامية،ما جعلها وثائق لا تصدأ.كما راحت الرواية إلى إضاءة مرافعات العدوّ الذي استباح،بفاشيّة مرعبة،الأرضَ وما عليها،لتبيّن الذرائع الأيديولوجية والأسباب السياسية والخرافات التي تقف خلف تلك المذبحة المدوّية المفتوحة.إضافة إلى أن الرواية وقفت على مكوّنات الشعب الفلسطيني الفكرية والوطنية،والدوافع التي جعلته ينفجر في وجه جلّاده.كل ذلك عبر حكاية ذلك البطل الذي تناسخ إلى ثلاثة أشخاص؛توزّعت ما بين مواطن يشهد الوقائع في غزّة وتلفحه نارها ويشهد دمارها وبطولاتها،وآخر يرزح في المعتقل ويواجه العنت والعذاب الذي لا يطاق،وكاتب يسجّل ما يتراءى أمامه من أحداث يتغيّا تسجيلها،للتاريخ،حتى يحفظ معانيات شعبنا جرّاء هذه المجزرة المفزعة،ولكي لا تصاب الأجيال الطالعة وتعاني من العدمية القومية،وتكون بلا ذاكرة.أما مكان الرواية فهو قطاع غزّة الذي كان وما زال مسرح الأحداث المصوّحة غير المسبوقة،بإجرامها ونازيّتها وعناصرنا المذهلة.
إن “أخبار نصف جيدة” تقدّم قراءة موضوعية،بعيدة عن المغالاة والتهويل،وتكتفي بما حدث وقراءة ما وراء الأحداث،من زاوية تحفظ المناعة الوطنية للقارئ،وتصون الدم المسفوح،وتنصف الضحية،كما تدين وتعرّي القاتل والمتخاذل،بلغة غلب عليها الشِعر في السرد،والتقرير المباشر المفصّل عند التوصيف،واعتماد معظم أشكال القول الأدبية،مع التركيز على إبراز الصورة باعتبارها جامعا مكثّفا للأحداث.والكاتب،في كل ما طرحه،ينحاز إلى غزة وأهلها وإلى ما اجترحوه من معجزات،عبر مقاومتهم وإصرارهم على إطلاق كل مكنونات البقاء والمجابهة الجسورة الحاسمة.ولهذا نرى الكاتب يهدي روايته إلى غزّة وأهلها،حيث صدَّر المتوكل روايته قائلا:”كاتب هذه الرواية هو الشعب الفلسطيني،وخاصة في قطاع غزّة،صاحب الفعل والفضل والأصل،الذي لولاه لما توفّر لي العديد من الحوارات والقصص والمداخلات.فكل الشكر والتقدير لهم فردًا فردًا،وخاصة الأصدقاء كُتّاب غزّة،وصحفييها،ومبدعيها،وطواقمها الطبّية،باعتبارهم مَن ساهم في اجترح هذا الانجاز الأدبي،الذي نهض على بعض ما وثّقوه،أو عبّروا عنه،أو كانوا هم أنفسهم أصحاب الحكاية.إن هذه الرواية هي من غزّة ولها..فإلى غزّة،وردة البركان القادمة،أهدي هذا العمل.والطوفان لم يبدأ،بَعد”. ويذكر أن هذه الرواية هي المنجز الأدبي الثاني الذي قدّمه المتوكل عن غزة والعدوان،بعد كتابه “دم النار-توقيعات على جدران غزة”الذي صدر في فلسطين عن الاتحاد العام للكُتّاب والأدباء الفلسطينيين،وفي مصر عن الهيئة العامة للكِتاب-سلسلة الإبداع العربي.
إن التداعي في هذه الرواية فرضه تداخل الأحداث الفلسطينية المتماثلة،إذ أن الزمن الفلسطيني،منذ قرن،ينوء بالمذابح والشطب والاستلاب،مثلما تفجّر بغير ثورة وانتفاضة عبقرية،نهضت لتواجه الاحتلال واستراتيجياته الذابحة.
ويُحسب للرواية تمسّكها بالأمل،وبأن الشعب الفلسطيني لن يفترّ إلى أن ينال حقوقه كاملة على تراب وطنه،وسيبقى متشبّثا بتطلّعاته وأحلامه،ومرابطا في بلاده،مهما كان الثمن،وكانت التحدّيات..لأنه بين شفرتين؛إما أن يتخاذل ويطأطئ رأسه فتضيع حقوقه،وإما أن يدفع كُلفة التحرير،عاجلا أو آجلا،حتى يحيا مثل باقي البشر.
وهذه الرواية هي الإصدار الثامن والخمسين للكاتب المتوكل طه،والرواية السادسة له،بعد روايته”سيرة معتقل-رمل الأفعى”و”رامبير”و”نساء أويا”و”وريث يافا”و”ثلاث روايات قصيرة”،عداك عن خمس عشرة مجموعة شعرية،وثلاث مجموعات قصصية،وكتاب”سيرة تحت الاحتلال”،والعديد من الدراسات والأبحاث الثقافية والنقدية والفكرية والإعلامية والسياسية.