أمد/
الإهداء : إلى شاعر نالت منه المواجع في نخاع العظم..ولم ينكسر…!.إلى الشاعر التونسي القدير جلال باباي
ملتصق هذا الجرح بجسدي
كل المحاولات
التي هزمتني في عمري
لا تعدو ان تكون سوى
تلميذة تناستني وقت الراحة
أخرى اهملتني زمن التقلبات
وجرح ملتصق بجسدي
في هذا الوقت المتصابي
لا أشعر نحو هذه العناصر
سوى بالخيبة
أنشرهم على أرضية غرفتي
مع غبار الريح
وأتراشق مع وحدتي
التي مضى على ولادتها
سوى خسارات لا تُحصى
أظل أحاول طوال عُمري
ولا أصل إلى فكٌ.شفرتها
انا الغائب بجسدي..
… والقلب ملتصق بجدار الروح
كظلي كلٌما أصابني العشق
أيقظني الجسد النائم
كنت عليلا
أنتظر الطبيب والدواء
لأسترجع نصفه المهمل من جديد
وهذا الجرح مازال ملتصقا بجسدي
أجرٌّه معي أينما حللت
بتٌ أخشى عثرات يسراي
أمسك باطراف يمناي الساخنة
أحملني في حقيبة القلب
يسافر بي معه ساعات طويلة
كطيف طفل ملتصق بصدر أمٌه ،
انتظر بلهفة حارقة،
رجوع ربٌة البيت ،
كي تعدٌ لنا مأدبة الأحد
نكتب تفاصيل رحلة الحياة
اقترب من مجلسها
لأشتمٌ رائحة البلد
وادقٌق في ملامحها
كأنني ألتقيها من جديد ،
يكفي أنني رأيتني معها
في صوتها و في كل مكان
وطأته قدماها
يكفي أنني اشتممت شوقها لي
يكفي انها تصل لتجدني
وتسافر لاكون معها ،
ذا وطني تراب متحرٌك
أحرص أن لا تطاله المرتزقة
وتلك أم القرى فراشي
وتلٌتها ملتصقة بجسدي
تحلٌق خطاطيفها بباقي الصمت
الذي عشٌش مثل شضيٌة في الأصابع
أرتقب صحوا قديما مطلع
لاأحتاج لمن يدافع عني
أيها المتنطعون لقد صيرتم الوطن مقبرة
اضربي ايتها السماء
فما عاد في الأرض إلاٌ غربتي
و عزائي يرمقه قلقي الحامض.
جلال باباي
تعقيب :
الإبداع الفني يعتمد على خواص الشخصية الفاعلة ( عقيدتها وطبيعتها،صدقها وحسن نيتها،وذكائها وموهبتهاوتجرتبها وقدرتها التعبيرية عن الحشرجات التي في الصدر ،وهذا ما لمسناه في شخصية المبدع التونسي القدير جلال باباي التي لعبت دورا مميزا في مجال الخلق الفني الشعري،وصناعة الصور الشعرية ذات الأبعاد الدلالية،والمعاني العميقة التي لعبت الموهبة الذاتية دورا كبيرا في صياغتها،وفي اكتمالها وفي غناها.
إن شخصية الفنان عند -جلال-ترقى إلى مستوى الشموخ وتحوي في داخلها القدرة على المعرفة المجازية للحياة،و التعبير عن علاقته بالعالم،وقدرته على التجسيد الفني للمحتوى الروحي للمعاني بلغة فنية قيمية عاطفية ملموسة،عبرت عن تجربة الشاعر الحياتية وتأملاته الإبداعية التي تدل على سعة الموهبة بالذات من خلال ما سكبه في هذه الأبيات ذات الفضاء التصوري الذي ابتدعه ليعبر عن شعرية الألم في خطابه النثري بلغة وجدانية ذات بعد مجازي..
عبّر الشاعر عن مواجعه بلغة مسكونة بالإبداع ومفروشة بالإدهاش،فالتشكيل اللغوي الذي حمل رؤية القصيدة استطاع أن يكون أداة فعالة في الكشف عن دهشته الشعرية،وتوهجها،فهي لغة قادرة على تشكيل المشهد الشعري ذي البعد الدرامي القائم على تعدد الأصوات والحركة واللون…
وإذن؟
تصادم عنيف إذا،بين الشاعر (جلال باباي) وإشراقات الشموخ في زمن موغل في الدياجير جاء من خلال تكنيك شعري راقٍ وإيماء في التعبير البسيط،كما استطاع أن يرسم مشهد تتجلى فيه عزّة النفس وشمائل الشموخ مصطدما بمر الواقع (لاأحتاج لمن يدافع عني/أيها المتنطعون لقد صيرتم الوطن مقبرة..)
هذا النمط الشعري من الأنماط الجديدة التي لم أعتد أن أقرأه للشاعر القدير جلال باباي،ولا شك أن الوعي بالرمز الشعري وكيفية خلقه عبر أنماط مختلفة من الرموز،سواء أكان ذلك من خلال لفظة تشع معنى أو معانٍ معينة،فيما ينبئ عن ثقافة واسعة وقدرة متميزة في شحن تلك الرموز…(غبار الريح-جدار الروح-حقيبة القلب..).
لا أرمي الورود جزافا إذا قلت أن الشاعر التونسي السامق جلال باباي استطاع من خلال نصوصه الشعرية الغزيرة (اطلعت على العديد منها) من التعبير عن قدراته الإبداعية الفنية،ومنظوره الفلسفي للحياة الذي سعى من خلاله إلى إذابة جليد الحزن في مقام الوجيعة والفقد منطلقا من مقاطع شعرية عميقة المعاني اطلقت الدلالات الوصفية إلى آفاق إبداعية رحبة.
هذا الشاعر الشامخ،في زمن الإنكسار لا يحتاج لمن يدافع عنه.. كما قال ” لاأحتاج لمن يدافع عني
أيها المتنطعون لقد صيرتم الوطن مقبرة”
لكن قصائده الواعدة ستتولى مهمة الدفاع..بالنيابة عنه..
وليس لدي..ما أضيف..!