أمد/
يَظهَر أبو جميل جالسًا في الغرفة لوحدهِ، يَستَعرِض بَنظرهِ الصّور المُعلّقة على الجُدرانِ، وَيَهِزُّ بِرأسهِ وَهوَ يَلوي رَقبته إلى اليَمينِ وَاليسارِ، كانت هُناك صورة تَجمَع بين عبد النّاصر وسلطان باشا الأطرش وصورة أخرى لأمير البيان شكيب أرسلان وأخرى لكمال جنبلاط، وما هي الّا لحظة حتّى يدخل أبو أمين حاملًا صينيّة القهوة، يدخل ويضع الصّينيّة على الطّاولة ويقول وهو يَصُبّ القهوة ويقدّمها إلى أبو جميل:
أبو أمين: وينك يا زلمي زَمان ما شُفْناك (يَجْلِسُ بعد تقديم القهوة)
أبو جميل: (يَمسك الفنجان يرشف رشفةً منه ويضعه على الإسكملة مقابل الكرسيّ الّذي يجلس عليه) الظّروف.. يِلعَن هالزَّمَن الّي اوصلنالو
أبو أمين: كيف حالك.. كيف الأولاد؟ إن شاء الله كلّه تَمام؟
أبو جميل: كلّه تمام.. لا.. الكمال لله الحمد لله على كلّ حال.. الحقيقة بدون لفّ ودَوران، أنا جاي عشان هذا المَوضوع
أبو أمين: (يَظْهَر على وجههِ علامات الاستغراب) أيّ مَوضوع مِن غير شرّ؟
أبو جميل: موقفك بضرّ بِمَصلَحة ابني
أبو أمين: (باستغرابٍ كبير) كيف يَعني، مِشْ فاهِم؟!
*أبو جميل: (يكمل حديثه) إبني بدّو يكون ضابط في الجيش وهناك سألوه عن صلة القربى معك ولمّا عرفوا إنّك من (يرفع صوته ويضع كفّه على عنقه) عظمة الرّقبة رفضوه
-أبو أمين (بصوتٍ عال) بسم الله العليّ العظيم وما هي علاقتي بالموضوع؟
أبو جميل: بشوفوا أنّك متطرّف وبخافوا تأثّر على الولد، عشان هيك المطلوب منّك أن تصمت وأن ما تكون حجر عثرة أمام مستقبله، إحنا قرايب ولازم نساعد بعضنا البعض.
أبو أمين: (يبتسم وينفث انفاسه بعيدًا وبصوتٍ عالٍ) ويتعلّم مهنة أخرى بدل مِنْ إنّه يَكون خدّام وهذا غير إنّه يمكن نخسره ويروح ضحيّة
أبو جميل: (بحدّة): إنّ الاعمار بيد الله!!
أبو امين: (يردّ بسرعة) قال الحكيم اعقل وتوَكّل ولا يجوز أن تدير ظهرك للدّبابير وتقول على الله التّدابير! بعدين هنّه ما بقدروا اللي بخدمهن بعد ما تنتهي مهمّته.. مثل ما انت شايف على ارض الواقع
أبو جميل: (يعترض وهو يرفع يده ويهزّ إصبع السّبّابة): لا.. لا يا حبيبي هذا غير صحيح الأبواب بتفتح أمامه وين ما راح، بعدين يا أخي بدنا نعيش
أبو أمين: طيّب.. تفضّل اشرب قهوتك
أبو جميل: من الصّبح وإحنا نشرب قهوة
أبو امين: خذ القوانين اللي شرّعوها.. الزّعماء والضّبّاط ركعوا وباسوا أقفية الوزراء عشان يضيفوا جمله قصيرة في قانون القوميّة وهي “ما عدا من خدم في الجيش!! ليش رفضوا؟ بتعرف ليه؟
أبو جميل: (ساخرًا) ليه هات نوّرنا
أبو أمين: عشان هنّه بفكروا يطردوا كلّ العرب مِن هاي البلاد (وَيَرفَع صوته) بدون استثناء أيّ حدا فينا! ومننساش شو كَتَب ابن غريون ” إحنا أسهل شريحة للتّهجير
أبو جميل: إحنا علينا في يومنا والباقي على الله..
أبو أمين: طيّب وشو مع قانون كامنتس اللي بِمْنَعَك تعَمِّر لابنك في أرضك وبِمْنَع عنّو الكهربا والغرامات اللي بتشلّ (ويصرخ) شلّ ل.. ل
أبو جميل: (يبحلق عينيه) يا أخي حاكمك لاكمك إحنا اقلّيّة وبَدْنا نعيش.
أبو أمين: (يهتزّ على الكرسيّ في حركة ساخرة) عشان تعيش لازم يموت غيرك؟ ليش نحارب شَعْبنا ونشوف في الخدمة بطولة ونشارك في الجرائم بدل ما نأكل مِن عَرَق جبيننا ونِكْسَب مال حلال بدل ما نطعي أسرتنا المال الغرقان بالدّمّ؟.
أبو جميل: (يتأفّف ثم يصرخ) اففففف شو إنت عمتحكي؟ أيّ شعب؟ كلّ الأمّة زفت مغلي (وهو يرفع يده وكأنّه يضرب بالسّيف) أغلبيّة الأُمّة اليوم تَعْمَل بشكل مُباشر وغير مُباشر لَمَصْلَحِة هذا الكيان! (ويرفع صوته أكثر) اِصحى.. فيق..
أبو أمين: يَنْظُر باستغرابٍ شديدٍ إلى أبو جميل الّذي يكمل حديثه
أبو جميل: المَوضوع ما بتوَقّف علينا (وبعصبيّة بالغة).. أنا اللي أعطيت الهاتف الملغوم لعيّاش ولّا خالو؟ أنا اللي حطّيت الحبر السّرّيّ على سيّارات المقاومين عشان تقصفهم الطّيّارة ولّا واحَد مِن جيرانهم؟ وكلّ اللي عَمْبِصير مِنْ مَذابِح (بإصرار) كلّ الأمّة ما تحرّكَت ومشاركه فيّو.. احتلّوا حدود أكبر دولة عربيّة مَع غزّة وقتلوا جنودها هناك وما استرجى يتنفّس الكلب بالرّغم من إنّو اتّفاقيّة كامب ديفيد تَنُصّ على عَدَمِ الاقتراب مَنَ الْحُدود..
أبو أمين:هَدّي. هَدّي شو بالِع راديو؟
أبو جميل: (يكمل) ولَمّا تحاصروا وبَطَّل عندهم أكِل مين أنقذهم؟ مِش دولك العربية.. هاي أُمّه بتاجر فيها؟ (ويقف) بعدين حياة الماضي كانَت أحْسَن (يشير بِيَدِهِ إلى الخلفِ وهو يفرج إبهامه) روح اِسأَل جِدّك كيف كانوا عايشين مِن زَمان.. على الأقل هون في تأمين وَطنيّ.. في دِوَلَك العَرَبِيّة مثل هون؟ هُناك الحُكّام بِيُسرقوا كُلّ الثّروات، هون على الأقل بيعطوا مِن الجَمَل ذانو وما بِخَلّوا الشّعب يجوع ويِنْذَل.
أبو أمين: إحنا اولاد اليوم، بعدين هناك مِهَن والمجالات والمسارات التّعليميّة كثيرة بيقدر مِنْ خِلالها يتْقَدَّم في حياته
أبو جميل: (يتنهد وبصوتٍ حنون) يا أخي كلّ ما هو مَطْلوب مِنَّك إنّه تُسْكُت وَما تكون حجر عثرة في طريق للولَد.. وإنتّ شو خسران؟ بتِرْتاح شوي بَدَل ما تِتْجَوَّز القَضِيّة على طول.. أسْكُت على بين ما انْمَشّي مَصْلَحِة هالوَلَد بَعدين أنتَ حُرّ وهو حُرّ في اِختيار المَسار اللي بَدّو إيّاه، بَعْدين إنتَ ليش حامِل السِّلَّمْ بالعَرض؟ هاي أُمّة بيتّاجر فيها، أمّة راكِبْتها الصّهيونيّة ومْدَنِدْلي إجريها
أبو أمين: أنا بَعْمَل حَسَب قناعاتي.. حَسَب ضَميري
أبو جميل:(بحدّةٍ مُتناهِية) شو يعني إحنا بَلا ضمير؟
– أنا ما قُلْت هيك
أبو جميل: مَعْنى كَلامَك هيك بعدين هذا قَدَرنا لازِم نِسْتَسْلِم للّي قَدّره إلنا الله سبحانه وتعالى
أبو أمين: الله أوصى بأن لا تقتل
أبو جميل: إلّا دفاع عن النّفس
أبو أمين: (يتنهّد عميقًا) اففففف انت اخترت هذا الشّغل
أبو جميل: (يقف غضبًا ليخرج، وفي طريقه إلى الخارج) الله لا يسامحك إنت مُتَطَرِّف
ابو امين: (وقد عيل صبره فيصرخ قائلًا) لَوْ إنَّك مِشْ في بيتي كُنْت بَجاوْبَك إشي ثاني
أبو جميل: (مكمّلًا حديثه وهو في قمّة نَرْفَزَتِه) ما في جَدْوى مِنَ الْحَديث مَعَك تَنْشوف شو بَدّو يِنْفَعَكْ مَوْقفَك. هِنّه مطَوعين كُلّ الْعالّم إنتَ وللي مَثْلَك بَدّو يٍقدَرْلهم..
وأثناء ذلك ويسدل الستار