أمد/
جنيف: حذر خبراء أمميون وحقوقيون من أن حجم الفظائع المرتكبة بحق النساء الفلسطينيات في غزة يتجاوز التعريفات القانونية التقليدية، حيث أشاروا إلى أن القتل الممنهج واستهداف الصحة الإنجابية والتدمير الكامل للبنية الصحية يعكسان نمطًا من "الإبادة الجماعية للإناث".
وأكدت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمسألة العنف ضد النساء والفتيات، ريم السالم، أن ما يجري في غزة "بلغ أبعادًا غير مسبوقة في التاريخ الحديث"، معتبرة أن "استهداف الفلسطينيات بالقتل لمجرد كونهن نساء هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية".
و"لم يعد مصطلح الإبادة الجماعية كافيا لوصف المأساة الإنسانية بحق النساء والأطفال الفلسطينيين" الذين يشكلون نحو 70% من ضحايا حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، ما دفع خبراء أمميين وحقوقيين لطرح مصطلح "الإبادة الجماعية للإناث" لوصف الفظائع الإسرائيلية.
ويطالب حقوقيون وناشطون بضرورة استخدام تعريفات أكثر تحديدا لوصف هذه الفظائع. ودعا خبراء حقوقيون لاستخدام مصطلح "الإبادة الجماعية للإناث (femi-genocide)" لوصف الفظائع بحق النساء في غزة، بسبب قتلهن "لمجرد أنهن فلسطينيات".
استهداف الصحة الإنجابية
وقالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمسألة العنف ضد النساء والفتيات، السالم، في تصريحات لوكالة "الأناضول"، إن "الوضع في غزة بلغ أبعادا غير مسبوقة". وشددت على أن "اعتداءات إسرائيل على النساء الفلسطينيات هي جزء من إستراتيجية إبادة جماعية ممنهجة".
وأكدت أن "قتل الفلسطينيات لمجرد أنهن نساء يعتبر جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية". وشددت المقررة الأممية على أن "قتل النساء واستهداف الصحة الإنجابية يستخدمان كأداة للإبادة الإسرائيلية الجماعية بغزة".
وأضافت "عند النظر إلى تصرفات إسرائيل بنظرة عامة، فمن الواضح أن استهدافها القدرة الإنجابية للفلسطينيين على وجه الخصوص، يخدم هذا الغرض". وأشارت إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية تحظر أيضًا أعمال الإبادة الجماعية التي تهدف إلى منع الإنجاب.
وأوضحت السالم أنه "عندما نجمع كل القطع معا، نجد أن تدمير القطاع الصحي، وترك الأطفال حديثي الولادة (لمصيرهم)، وخلق ظروف مروعة للنساء الحوامل والمرضعات، كلها أدوات اُسْتُخْدِمَت للعنف الإبادي الإسرائيلي، الذي يستهدف التدمير الكلي أو الجزئي لاستمرارية تناسل الفلسطينيين".
أبعاد التدمير الممنهج
كما تطرقت السالم إلى التأثير المدمر للهجمات على النساء والأطفال، مستخدمة بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان. وقالت "تم تهجير 800 ألف امرأة قسرًا من منازلهن، وتعاني حوالي مليون امرأة وفتاة من انعدام أمن غذائي حاد".
وتعاني 700 ألف امرأة في سن الإنجاب من سوء التغذية الحاد، ولا تستطيع نحو 700 ألف امرأة في سن الإنجاب، الحصول حتى على منتجات النظافة الأساسية، حسب المصدر نفسه.
وشددت المسؤولة الأممية أن "معدلات الإجهاض ارتفعت بنسبة 300% بسبب الرعاية الطبية غير الكافية، والصدمات النفسية، والقصف". وأشارت إلى أن اعتداءات إسرائيل على قطاع غزة تسببت بمحو ما لا يقل عن 1410 أسر فلسطينية من سجلات السكان بشكل كامل.
وأضافت أن "138 شخصا من عائلة واحدة قتلوا في غزة، منهم 35 امرأة و62 طفلا".
وقالت إن "قصف عيادة التلقيح الصناعي الوحيدة في غزة، وحرمان النساء الحوامل من الوصول إلى الرعاية التوليدية الطارئة، وتدمير البنية التحتية الصحية، وقطع المياه والوقود والكهرباء والإمدادات الطبية، كلها أدلة على أن الهجمات الإسرائيلية الممنهجة تستهدف القدرة الإنجابية للمرأة الفلسطينية".
وخلصت السالم إلى أن "العدوان الإسرائيلي على غزة، وبدرجة أقل على لبنان، وحاليا على الضفة الغربية، يتجاوز أي عنف شهدناه في التاريخ الحديث".
المصطلحات غير كافية
وشددت السالم على أن الأكاديميين يتفقون على أن الجرائم مثل "الإبادة الجماعية"، و"الجرائم ضد الإنسانية"، والمصطلحات القانونية الحالية ليست كافية لوصف هذه المأساة، مؤكدة أن أستاذ القانون الدولي (في جامعة نيويورك الأميركية) روب هاوس، يتفق معها في ذلك.
وأضافت "الأمر لا يتعلق فقط بالإبادة الجماعية، بل يعني أيضا القتل العمد والتدمير الكامل لمفهوم الحدود القانونية في الحرب". وأشارت إلى أن إسرائيل بإجراءاتها، التي نفذتها في غزة على مدار أشهر، ألغت معنى الالتزام بـ "حماية المدنيين في الصراع" وغيرها من "الخطوط الحمراء"، لا سيما المتعلقة بالنساء والأطفال وأسرى الحرب.
ولفتت إلى أن مفهوم "قتل الإناث (femicide)"، الذي يستخدم لوصف العنف ضد المرأة، لم يعد كافيا لتفسير الوضع في غزة". وأردفت: "بدلا من تعريف هذه الظاهرة بأنها قتل للإناث، فمن الأكثر دقة أن نسميها "إبادة جماعية للإناث"، كما ذكر بعض الأكاديميين، لأن الفلسطينيات يُقتلن لأنهن فلسطينيات ولأنهن نساء، وهذا يهدف إلى تدمير الفلسطينيين كمجموعة بشكل جزئي أو كلي".
وقالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة: "ينطبق الأمر نفسه على العنف الإنجابي، الذي يُستخدم كوسيلة للتمييز ضد المرأة في أوقات الصراع والحرب (..) لكن العنف الممنهج والواسع النطاق والمتعمد ضد المدنيين في غزة، وخاصة النساء، هو أمر غير مسبوق".
واختتمت السالم حديثها بالقول إنه من المناسب أيضًا استخدام "العنف الإنجابي الإبادي (genocidal reproductive violence)" لتعريف الوضع بغزة.
وبحسب بيانات وزارة الصحة في غزة، أدت الهجمات الإسرائيلية إلى استشهاد 17 ألفا و841 طفلا و12 ألفا و298 امرأة، في معطيات تؤكد أن "النساء والأطفال دفعوا الثمن الأكبر للتدمير الإسرائيلي الممنهج".