أمد/
كما عوّدنا الأديب المقدسي جميل السلحوت في رواياته معالجته للقضايا
الاجتماعيّة الواقعيّة يكمل بروايته الموجّهة لفئة الفتيان “حمروش” الصّادرة عن دار الهدى رسالته بنقد الجهل والتّخلّف الذي كان هنا الماضي ملعبه، وتربته الخصبة.
تدور الأحداث حول مغارة في إحدى القرى سمّيت بمغارة الوليّ حمروش، نسجَت حولها عناكب الجهل والرّجعية خيوطَها وحوّلتها لخرافات تروى وتتردّد في المجالس.
تشير الرّواية لذكاء الطّفل، وأنّه قد يتفوّق بعقله على الكبار الذين توارثوا طلاسم الجهل حتى تحوّلت لحكايات شعبيّة دون إمعان عقولهم كما في حالة الطّفل سعيد الذي كان أوّل من يحاول كسر جليد اللاّوعي عن أذهان وعيهم، بقوله: “كلّ ما قصصتموه عن المغارة خرافات لا يصدّقها عاقل، ولو كانت صحيحة لما كنّا موجودين، لأنّ المرأةَ التّي تأكلُ الرّجال والأفعى التّي تبتلع الخراف، لو كانت حقيقة لما بقي منّا واحد على قيد الحياة”.
واكتمل ذلك بالصّدفة التي أتت برجل غريب وزوجته ليسكنا المغارة لأسبوع دون أن يعلما شيئًا عمّا يدور حولها من خرافات، فلم يلاحظا فيها أيّ شيء غريب يثير القلق، كما استغلّا جهل أهل القرية لتحقيق مصالحهما الشّخصيّة، فهو يبيع الغرابيل والكرابيل، وزوجته صبريّة تلعب دور الطّبيبة، وقارئة الحظّ لنساء القرية بطرق لا تنطلي على العقل السّليم تصل إلى البصاق في فم المريضة أو من ترغب بالحمل.
وفي نهاية الأسبوع المزمع إقامتهم فيه يحدث زلزال يهدم قبر حمروش كاشفًا بذلك الحقيقة بأنّه ليس إلا قبر حمار نافق.
واللّافت بالأمر أنّه حتّى عندما ظهرت الحقيقة أغلق رجال القرية باب المغارة لمحاصرة الأرواح التي تسكنها كما ظلّوا يظنّون بدلًا من الاعتراف بزيف حكاياتهم الماضية، وأنّ ظنونهم لم تكن في محلّها، وهذا حال من توغّل الجهل بخلاياه، مهما تجلّت أمام عينيه الحقائق لا يسهل عليه إدراكها.
لغة الرّواية سهلة وانسيابيّة مناسبة للفئة الموّجهة لها، لم تخل كعادة كاتبها السّلحوت من استخدام الأمثال الشعبيّة مثل:
“الموت مع الجماعه فرج”، “خوض الميّه بغيرك”، و “إذا صاحبك عسل لا تلحسه كلّه”، “الملافظ سعد”
كما لم تخل من تمرير الرّسائل الهادفة كاللّجوء لأهل الاختصاص في الأمر خاصّة عند المرض، والتّحذير من عقوق الوالدين من خلال ذكر قصّة من حرم من الإنجاب لعقوقه رغم تزوّجه من أربع نساء.
تحمل الرّواية دعوة للإنسان في كلّ زمان أن يتفكّر بما حوله، ولا يصدّق كلّ ما يسمع، ويجعل العلم والعقل مرجعه دائمًا عندما يختلط عليه أيّ أمر فزمن حمروش انتهى لكنّ الجهل لم ينته، إنّما اختلفت أوجهه وصوره.