أمد/
متابعة: منذ سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر الماضي، تسارعت التحركات العسكرية الإسرائيلية التي تشير إلى رغبة تل أبيب في السيطرة على مناطق واسعة داخل سوريا دون تحديد سقف زمني لمغادرة قواتها، بزعم إقامة طوق أمني عازل يضمن عدم حدوث مفاجآت عسكرية من السلطة السياسية الجديدة في دمشق.
وتعكس تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، هذا التوجه نحو البقاء في الأراضي السورية، متذرعين بما يصفونه بـ"أخطار تهدد إسرائيل".
وتعد أبرز الذرائع الإسرائيلية، ما ذكره وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، دون تقديم أي دليل على ادعاءاته، بأن "هناك آلاف المقاتلين في الوقت الحالي من حركتي (حماس) و(الجهاد) في سوريا، يسعون لإشعال جبهة حرب جديدة في مرتفعات الجولان ضد إسرائيل".
وأضاف، في مقابلة مع صحيفة "جيروزاليم بوست" الخميس: "بعض هؤلاء المسلحين أُطلق سراحهم من السجون خلال الثورة السورية، وجودهم على الأرض هو أمر يجب أن نمنعه، وعلينا أن نظل يقظين لما يحدث على الجانب الآخر من الحدود".
وأوضح ساعر، أن اهتمام إسرائيل في سوريا يتركز على الجزء الأقرب إلى الحدود، وهو جنوب سوريا، مضيفاً: "لدينا حدود مع الإسلاميين في غزة ولبنان، ورأينا كيف تطورت الأمور هناك وانتهت. ونحن نريد تجنب نشوء جبهة صراع أخرى مشابهة لذلك".
وقبل أيام أدلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بتصريحات أثارت موجة من ردود الفعل، قال فيها إن إسرائيل لن تسمح بانتشار قوات النظام السوري الجديد جنوب دمشق، خشية تشكيل تهديد أمني على حدودها.
وشدد على بقاء القوات الإسرائيلية في جبل الشيخ والمنطقة العازلة لأجل غير مسمى، بهدف "تعزيز السيطرة العسكرية وحماية المستوطنات في الجولان" على حد قوله.
وطالب نتنياهو بنزع السلاح بالكامل من محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، لإنشاء منطقة عازلة خالية من القوات النظامية أو الجماعات المسلحة، وسط مخاوف من نفوذ الجماعات المتشددة في المنطقة.
استراتيجية عسكرية من 3 طبقات
في وقت سابق من الاثنين الماضي، نشر رون بن يشاي، المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، مقالاً تحليلياً عن الاستراتيجيات العسكرية الإسرائيلية ورؤيتها للأخطار الأمنية في محيطها بعد 7 أكتوبر 2023.
وأشار بن يشاي، في المقال الذي جاء بعنوان "دروس 7 أكتوبر"، إلى أن إسرائيل باتت تعتمد "استراتيجية دفاع حدودية جديدة ثلاثية الطبقات"، على حد تعبيره،
وتشمل الطبقة الأولى إقامة تحصينات داخل إسرائيل، أما الثانية فتُمثل "الدفاع الأمامي" داخل أراضي من سماه العدو، في حين تتضمن الطبقة الدفاعية الثالثة نزع السلاح من المناطق الحدودية.
وتتطلب هذه الاستراتيجية آلاف الجنود وميزانيات ضخمة لتنفيذها.
وفي ما يتعلق بالشق السوري، تشمل هذه الخطة أولاً على الجانب الإسرائيلي، بناء أسوار ومواقع دفاعية ثابتة مزودة بأنظمة مراقبة متطورة داخل إسرائيل، ونشر قوات احتياط في مستوطنات الجولان لضمان استجابة سريعة لأي تهديد، وتجهيز ممرات حركة عسكرية لتمكين القوات من التدخل السريع.
أما على الجانب السوري، فتركّز الخطة الإسرائيلية على الدفاع الأمامي، بما يشمل التمركز في المنطقة العازلة التي كانت خالية من القوات الإسرائيلية أو السورية منذ اتفاق عام 1974، والسيطرة على مواقع استراتيجية مثل جبل الشيخ لمراقبة التحركات العسكرية داخل سوريا، وإقامة شبكة استخباراتية محلية لجمع المعلومات وتعزيز الردع.
وتتمثل الطبقة الدفاعية الثالثة في نزع السلاح من الجنوب السوري، وفرض منطقة خالية من أي وجود عسكري في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، ومنع انتشار الأسلحة الثقيلة بين الجماعات المسلحة، مثل "هيئة تحرير الشام" أو الجيش السوري الجديد، ومنع وجود أي قوات سورية رسمية أو جماعات عسكرية في المنطقة الممتدة من جنوب العاصمة دمشق حتى الحدود الشرقية لمنطقة وقف إطلاق النار أو المنطقة العازلة في هضبة الجولان السورية المحتلة، والتي فصلت بين القوات العسكرية الإسرائيلية والسورية منذ عام 1973، وأعادت إسرائيل اجتياحها مع سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
هامش المخاطرة الإسرائيلية في سوريا
الإسرائيليون يبررون الخطوات العسكرية الأخيرة بأن استنتاجات 7 أكتوبر تجبر إسرائيل على تقليل هامش المخاطرة في سوريا.
وترى السلطات الإسرائيلية، أن الإدارة السورية الجديدة "ليست إلا جماعة متشددة"، وهو ما عبّر عنه نتنياهو ومسؤولون في حكومته أكثر من مرة، معتبرين أن الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع كان زعيماً لمنظمة مدرجة من قبل العديد من الدول على "قوائم الإرهاب"، بما في ذلك الشخصيات التي تشاركه في الحكم، أصبحت اليوم في موقع المسؤولية، بينما في نظر الإسرائيليين فإن تلك الشخصيات "ذات خلفية عقائدية معادية لليهود وإسرائيل".
وتراقب إسرائيل المشهد السوري بدقة، وتتعامل بحذر كبير مع كل ما يجري، ومن بين المشاهدات التي تداولها الإعلام الإسرائيلي مقطع فيديو لمقاتل من "هيئة تحرير الشام" في الجامع الأموي بعد سقوط نظام الأسد، يتحدث عن تحرير الأقصى، وهو ما يتلقفه المسؤولون الإسرائيليون للتشكيك في نوايا الإدارة السورية الجديدة.
وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس السوري أحمد الشرع تعمل على ضبط الأصوات التي ترفع شعارات ضد إسرائيل، إلا أن الأخيرة يبدو أنها تعتبر أن المناطق السورية الحدودية تُمثل مخاطر أمنية تستدعي التدخل العسكري، وهو ما يُفسّر ربما تدمير الطيران الإسرائيلي لـ 90% من القدرات العسكرية السورية بعد سقوط الأسد من خلال مئات الغارات الجوية، وما تبعه من توغل داخل الأراضي السورية بما في ذلك قمّة جبل الشيخ.
يارون فريدمان، الباحث في الشأن السوري والمحاضر في جامعة حيفا، قال في تصريحات لـ"الشرق"، إن المسؤولين في إسرائيل يرون أن وجود نظام في دمشق مدعوم من تركيا وقطر يُذكرهم بما حدث في غزة، وبالتالي يدفع نحو اتخاذ تدابير تعزز وجود القوات الإسرائيلية في مناطق متقدمة داخل الحدود السورية.
وأشار الباحث الإسرائيلي إلى أن "تل أبيب تتصرف بناء على احتمالات تغيّر المشهد في الفترات المقبلة، لأن سوريا اليوم في نظر تل أبيب دولة فقيرة وضعيفة، لكن في حال رُفعت العقوبات، وتم بناء جيش جديد يتلقى السلاح من دول حليفة، فسيكون المشهد غير مضمون بالنسبة لإسرائيل".
وأضاف فريدمان: "الحديث لا يدور عن احتلال إسرائيلي لجنوب سوريا، ولا يرتبط بأطماع أو استراتيجيات بعيدة المدى داخل سوريا، إنما يجب فهم إجراءاتها من خلال ما حدث في 7 أكتوبر، والصدمة الجماعية التي عاشها الإسرائيليون والخوف من تكرار ما حدث في محيط غزة، ولذلك تنتهج إسرائيل اليوم سياسة تعتمد على مبدأ عدم المخاطرة والتحرك العسكري لحماية حدودها في غزة ولبنان وسوريا".
وتعتمد الخطة الإسرائيلية على دعم محتمل من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لكن من غير الواضح كيف ستتفاعل أوروبا معها.