أمد/
نجت الطفلة ايمان وعائلتها بأعجوبة من موتٍ مُحققٍ، حين قصفت مقاتلات الاحتلال بيت العائلة المكوّن من طابقين في مخيّم النصيرات،
كانت العائلة بإلهامٍ من القدير العزيز قد غادرت البيت قبل قصفه بساعات، فقد كان القصف يطال البيوت في الحيّ تباعا، ببرنامج مُعدّ سلفا، من جيش الاحتلال وسلاح جوّه المُسيطر على الاجواء والهواء،
نزحت عائلة ايمان إلى موقع “آمن”، قريب نسبيا، “حتى يقضي الله سبحانه وتعالى امرا كان مفعولا” واستطاعت تدبير خيمة رثّة مهلهلة، تكشف اكثر ما تستر، لكن ما الخيار؟؟؟!!، هل يُفكّر غزّي واحد انه عندما يترك بيته عنوة و”يسبح” في العراء المُريب، أنّه سيجد شاليه فاخر على شاطئ البحر!!!ملجأ له ولعائلته وربما لجيرانه وجيران جيرانه،
مرّت الايام واليالي ثقيلة رتيبة صعبة مكفهرة مدلهمة، على إيمان وعائلتها، في خيمتهم في اجواء مناخية واجتماعية تتقلّب مثل “مدّ وجزر البحر”،
أكثر ما كان يُأرّق إيمان الصغيرة، ويقضّ مضاجعها ويُسوّد قليل بياض ايامها هو ابتعادها عن دُميتها المُحببة “سوزي”، رفيقتها وحبيبتها ومخزن اسرارها البسيطة على قدّ عُمرها،
هي لا تعرف شيئا عن دُميتها سوزي منذ ان غادرت المنزل، الذي لم يعد منزلا، بل كومة من الركام،
كانت ايمان تُداعب دُميتها ايام زمان، تضغط عليها فترفُّ رموشها الطويلة المنتظمة الجميلة، ويصدر من جوفها صوتا يقول: “مرحبا عزيزتي”،
كانت إيمان في منتهى السعادة والسرور والحبور وهي تضغط وتضغط على جسم دميتها سوزي، وسوزي تفتح رموشها وتُسبّلها وتقول لها من اعماقها: “مرحبا عزيزتي”،
فتردّ عليها ايمان: “أهلا اهلا يا حبيبتي”،
الآن صحيح أن ايمان في مكان معلوم، على قيد الحياة نعم، تواجه صعوبات العيش في خيمة، لكن سوزي التي بقيت بالبيت حين الرحيل القسري العاجل، لا تعرف عنها شيئا، مجهولة المصير ولا خيار لإيمان ولا تدبير في هذا السعير!!!!،
عندما تم تطبيق وقف اطلاق النار قبل مدة ليست بعيدة، عادت عائلة إيمان إلى مخيم النصيرات لتفقّد ما تبقّى من بيتهم،
كانت إيمان في غاية السرور والسعادة، مع انها كانت تنتعل صندلا رثّا بالكاد يحمي قدميها الصغيرتين الناعمتين،
ركضت ايمان نحو كومة ركام منزلها المُدمر واخذت بيديها الصغيرتين تجرف التراب وتُبعِدُ الحجارة الصغيرة التي تقوى على حملها،
تُحدّق في الركام وكلها امل ان تلتقي بدميتها وصديقتها سوزي،
ساعد افراد العائلة في إزالة بعض الركام محبّة وتعاطفا مع إيمان،
في لحظة ما وقفت ايمان واجمة وعيناها مُتمسمرتان في إتجاه واحد،
كانت دميتها وصديقتها سوزي مرميّة وسط جوف الركام مهشّمة منفوشة الشعر ممزقة الثوب،
اخذتها إيمان بين يديها واحتضنتها، ثمّ ضغطت عليها كالعادة في انتظار رفة وتسبيلة رموش عيني، وخروج الصوت من جوفها: “مرحبا عزيزتي”،
لكنها لم تر منها شيئا مما سبق وكان ايام زمان، وفقط خرج من بين اضلُعها المُهشّمة صوت خشخشة مخنوقة وتنفيسة ترافقت معها نافورة من الغبار، لا صوت: ” مرحبا عزيزتي” ولا تسبيلة رُموش عُيون،
ضغطت ايمان عليها مرّة اخرى لكن لا شيئ، احتضنتها ايمان وبكت قائلة: “قتلوك يا حبيبتي”.