نافع حوري الظفيري
أمد/ في المفهوم السياسي، إن الاجلاء يعني حل المشكلة عبر نفي الاخر، اذا لم تكن هناك امكانية لحل سياسي وعسكري غيره، اي انه تصفية وجود الاخر. اليوم، بعد 210 ايام على الحرب في قطاع غزة، ثمة محاولة احتيالية تحت غطاء انساني، تقوم على تقديم مساعدات عينية لسكان القطاع، تساعدهم على الاستمرار بالحياة حتى يجد المحاربون حلا، الا ان ذلك ليس في حسابات كل الاطراف، فهناك من بدأ يسير بالتهجير “الانساني” عبر افساح المجال لسكان القطاع بالخروج من اراضيهم، واللجوء الى دول في العالم.
في هذا الشأن كانت الولايات المتحدة الاميركية قد سهلت الهجرة الفلسطينية اليها، خصوصا سكان قطاع غزة، بعد اندلاع الحرب، لان في المفهوم السياسي الاميركي، ان وجود هؤلاء في خاصرة اسرائيل يؤدي الى المزيد من الازمات، التي لا تساعد على تحقيق المصالح الاميركية الكبرى.
هذا الامر ايضا يعني اوروبيا ان انهاء الصراع عبر نفي الفلسطينيين الى الخارج، يساعد على تحقيق الهدف الاكبر لاوروبا، وهو عدم الهجرة المعاكسة اليهودية الى بلدانها، ففي المانيا، مثلا، التي دفعت، ولا تزال، تدفع تعويضات عن افعال النازية، ورغم كل المحاولات لمحو فكرة النازية من العقل الالماني، الا انه بات التيار المؤيد لها حاليا اقوى، فيما ثمة جماعات تمارس العنف لتحقيق هدفها، وهو اقامة “الرايخ الثالث”، وبعضها اصبح لديه قوة في برلمانات الولايات الالمانية، ما يعني ان اي وجود غير اري يعني المزيد من العنف الذي لاتستطيع ان توقفه الدولة، لهذا يؤيد الحكم الحالي بقوة دعم اسرائيل من اجل حل مشكلته الداخلية، حتى لو على حساب نفي الفلسطيني من ارضه.
في فرنسا ايضا اصبح اليمين المتطرف والجماعات النازية قوة لايستهان بها، وفي هذا الشأن لا بد من العودة الى التاريخ، وحل الازمة الكنسية في القرن العاشر من خلال دعوة البابا اوربان لحماية قبر المسيح في القدس، والحملات الصليبية المتعاقبة، من اجل توحيد الجهود الاوروبية، وانهاء الانقسام بين المسيحيين.
وهذه الفكرة قامت اساسا عبر دعوة فرنسية، او كما كانت تسمى “بلاد الغال”، وهي مستمرة منذ ذلك الحين، ولقد كان العداء لليهود حينها في اوجه، لهذا استوحى بعض القساوسة فكرة طردهما من فرنسا والمانيا، الى فلسطين، كمحاولة لحل الاشكالية التاريخي بشأن الصراع الديني.
لهذا حين دعا نابليون في القرن الثامن عشر اليهود الى العودة لفلسطين، كان هدفه اولا حل الصراع المستمر معهم، وثانيا اقامة حاجز جغرافي لقطع طريق المواصلات بين اجزاء السلطنة العثمانية في اسيا وافريقيا.
هذه الدعوة كانت ايضا اساسا في صلب السياسة الفرنسية، حينها، لكن مع ضعف فرنسا في القرن التاسع عشر، وجدت بريطانيا، نفسها ترث المصالح الفرنسية الاستعمارية، وان دعوة نابليون هي الحل الوحيد لها في السيطرة على مناطق حيوية في بعض الولايات العثمانية.
تزامن هذا مع سعي الحركة الصهيونية الى اقامة وطن يهودي في فلسطين، لهذا كان بعض كبار تلك الحركة يعملون من اجل الحصول على قرار بريطاني صلب في تحقيق هدفهم، حين يتيسر لها ذلك، ولهذا مع بدء وضوح هزيمة الاتراك في الحرب العاليمة الاولى، جاء وعد بلفور عام 1917، ليؤسس لاقامة الوطن القومي.
ان لعبة التاريخ لم تنته عند هذا الحد، فهي مستمرة، وليس وضع الكنيست عام 2018 قانون الدولة اليهودية الا الخطوة الثالثة في سبيل ما يسمى “صفاء الوطن القومي”. بعد السابع من اكتوبر 2023، اتضح ان تحقيق المخطط بعيد المنال، الا في حال تهجير الفلسطينيين من ارضهم، ولان السياسة الاميركية اساسها ان اي هزيمة لاسرائيل تعني نهاية السيطرة الاميركية في المنطقة، لهذا جاء مخطط بناء ميناء للتهجير الفلسطينيين من غزة مقدمة لتهجيرهم من كل ارضهم، وهذا ما حذر منه الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل ايام.