أمد/
أقرت القمة الفلسطينية العربية الطارئة في القاهرة، الثلاثاء الماضي، الخطة المصرية لإعادة اعمار غزة دون تهجير أهلها وبسواعدهم. الخطة التي باتت عربية جامعة سعت الى تأجيل أو للدقة الحديث بضبابية، عن الجوهر والبعد السياسي والأمني لها، مع تغليب الجانب التقني لإعادة الاعمار أقله في مرحلة التعافي المبكر التمهيدية التي تستمر ستة أشهر مع لجنة محلية لإدارة غزة، ولكن مع فرض شكل من أشكال الوصاية العربية والإسلامية والدولية هناك، حتى بعد عودة السلطة الوطنية لتولي الأمور وبالتأكيد بعد إصلاحها كونها غير قادرة أقله بوضعها الحالي، على تولي المسؤوليات والمهام الجسام بغزة.
تتضمن خطة إعادة الاعمار المصرية ثلاث مراحل تمتد على خمس سنوات، واحدة تمهيدية للتعافي المبكر من ستة شهور بتكلفة 3 مليار دولار، ثم إعادة إعمار ضخمة على مرحلتين من سنتين ثم سنتين ونصف بتكلفة 20 و30 مليار دولار على التوالي، مع تكريس قاعدة إزالة خطط التهجير عن جدول الاعمال وبقاء أهالي غزة في أرضهم وقيامهم بتحمل المسؤولية الأساسية عن التعافي المبكر وإعادة الأعمار، بمعنى أن جل العمل والعبء يقع على عاتقهم لوجستياً وسياسياً وأمنياً أيضاً.
وحسب الخطة المصرية وإثر مرحلة التعافي المبكر التمهيدية وتأهيل البنية التحتية والطرق وتشغيل المستشفيات والمدارس ونشر مئات الاف البيوت الجاهزة والخيم لاستيعاب ملايين النازحين، ستكون مرحلة ثانية لإعادة الاعمار، تتضمن إقامة خمس مناطق آمنة وبناء أكثر من ربع مليون وحدة سكنية وتوزيع وللدقة تخفيف الكثافة السكانية ليس فقط لأسباب ديموغرافية واقتصادية واجتماعية شمال قطاع غزة – شمال ممر نتساريم – حيث ثلث مساحة القطاع مع نصف عدد السكان، لكن لأسباب أمنية أيضاً حيث تلحظ الخطة المصرية تخفيف الكثافة السكانية شمالاً، خصوصاً في المناطق الحدودية المتاخمة للمستوطنات التي انطلقت منها معظم هجمات طوفان الأقصى، لطمأنة تل أبيب وتحقيق أحد أهداف الحرب المتمثلة بمنع غزة من تهديد الدولة العبرية مستقبلاً.
المرحلة الثالثة والأخيرة، تلحظ بناء مئات الاف الوحدات السكنية الأخرى واستكمال إعادة الحياة الى طبيعتها بمناحيها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية، مع إنجاز المشاريع العملاقة المتعلقة بالمطار والميناء ورفع الحصار وانفتاح غزة على المحيط والعالم مرة أخرى.
يلحظ الجانب المالي والتقني للخطة المصرية التي باتت عربية جامعة، وإضافة للتفاصيل الهندسية والإنشائية واللوجستية، حضور شركات مصرية وتركية وإمارتية وحتى أميركية لتوفير أوسع مظلة وحماية ممكنة عربياً واسلامياً ودولياً، مع حضور وانخراط أممي وأوروبي مباشر في الاشراف على المراحل الثلاث للخطة.
يجرى العمل كذلك على تأسيس صندوق لإعادة الاعمار والدعوة لعقد مؤتمر بهذا الخصوص في القاهرة برعاية مصرية وأوروبية ودولية، بينما تحضر فيه السلطة الفلسطينية أيضاً لكن شكلياً ومعنوياً بينما الصندوق سيكون عملياً بإشراف عربي إسلامي ودولي، بمعنى إن السلطة لن تكون قادرة على تولى المهمة مع شبهات بل تهم الفساد وانعدام الشفافية لديها.
بالعموم لا شك أن الخطة المصرية والعربية الجامعة مقبولة من الناحية التقنية، مع تعاطي واقعي ومهني ومدروس، والأهم إنها تنطلق من قاعدة منع التهجير وبقاء الغزيين بوطنهم.
لكن تتمثل المعضلة الأكبر أو الأصعب في الإطار السياسي-الأمني لها، حيث لحظت الخطة تشكيل لجنة لإدارة غزة – مع الابتعاد عن مسمى الاسناد – من شخصيات وطنية كفؤة ونزيهة تابعة نظرياً للسلطة في رام الله، بمعنى أن قرار تشكيلها وتحديد مهامها سيصدر من هناك بينما ستعمل اللجنة لستة أشهر، بإشراف مباشر من هيئة عربية إسلامية واوروبية.
فيما يخص السلطة يفترض أن تعود بعد هذه المدة حسب الخطة المصرية لتولى إدارة غزة، بظل قناعة مشتركة مفادها أنها بوضعها الحالي غير قادرة على تولى المسؤولية وتحتاج الى اصلاح جذري. ومن هنا يمكن فهم تصريحات رئيسها محمود عباس اللافتة والمفاجئة نسبياً بالقمة الخاصة، بالعفو عن المفصولين من حركة فتح، وإجراء انتخابات بعد عام، لكن مع عدم امتلاك الشجاعة للاستنتاج واستخلاص العبر وحتمية تشكيل حكومة توافق وطني -بعد ستة شهور- تتولى المسؤولية كاملة بالضفة وغزة ويعطيها أبو مازن الصلاحيات الواسعة والجدية والضرورية التي طلبها شخصياً من القائد المؤسس الشهيد ياسر عرفات عند استحداث منصب رئيس الوزراء بالسلطة، قبل عقدين تقريباً.
الفكرة هنا أن فترة سنة غير كافية للانتخابات ويمكن إجراءها بعد سنتين مع انتهاء مرحلة التعافي المبكر والجزء الأول من إعادة الاعمار. ومن هنا أهمية تشكيل حكومة توافق وطني.
تواجه الخطة معضلة الأمن، وثمة حلول أولية لها من خلال تنفيذ برامج تدريب مصرية أردنية لعناصر من غزة مرتبطة بالسلطة، على أن تتم مساعدتهم أو مواكبتهم من القاهرة وعمان، مع تفكير في نشر قوات حفظ سلام برعاية الأمم المتحدة إلى حين تمكن السلطة من القيام بمسؤولياتها.
أمنياً أيضاً، ثمة معضلة تتعلق بسلاح المقاومة. تتحدث الخطة عن فرض رقابة مصرية ودولية، مع ربط ذلك بالأفق السياسي نحو حل الدولتين، علماً أن مقدمة الخطة أشارت صراحة إلى استحالة الشروع بإعادة الاعمار بوجود السلاح خارج الأجهزة الأمنية والسلطة الشرعية.
من المعضلات التي تواجه الخطة كذلك، وضع حركة حماس مع إجماع على ضرورة تركها الحكم ولكن مع البقاء بالمشهد السياسي، على أن يتم التعاطي بنزاهة وشفافية مع موظفيها بالإدارة وحقها الطبيعي بالتنافس في الانتخابات المقبلة.
في الأخير باختصار وتركيز، لا تقتصر الخطة على إعادة الإعمار بالمعنى التقني والهندسي والإنشائي مع وضع القاهرة خطة جيدة واقعية وقابلة للتطبيق بظل خبرتها ومعرفتها بتضاريس الواقع في غزة وفلسطين عبر نواة محلية للإدارة ورعاية تلامس حدود الوصاية مصرياً عربياً ودولياً، ومع تأجيل الشق السياسي إلى سنوات، بتنا أمام حقيقة تأخير الحسم بالقضايا الأساسية وتقريباً ترحيل الأسئلة الصعبة عن وضع حماس وإدارة غزة والأفق السياسي. وعليه سنكون بحاجة لعمل عربي مشترك ومسؤولية فلسطينية بظل رفض إسرائيل وبدرجة أقل من الولايات المتحدة، للخطة، ولكن مع دعم أوروبي للمقاربة العربية واجماع على ضرورة انهاء الحرب نهائياً واستحالة إعادة الاعمار بغياب الأفق السياسي للحل العادل في غزة وفلسطين بشكل عام.
عن الجنوبية اللبنانية