أمد/
تساءل صديق لي مغرم بالتساؤل: ما هي «طيبات الحياة»؟ فوجئت بالسؤال، وبادرته بالقول: إنها تكمن في «تحقيق تنمية إنسانية ومستدامة، تشبع الحاجات الأساسية للإنسان.
بادرني صديقي بسؤال آخر: عن أي إنسان تتحدث؟ هل هو الفرد الأوروبي – الأمريكي، بثقافته الغربية العصرية، أم ذلك الإفريقي في جنوب الصحراء، أم الآسيوي في شرق القارة وغربها، أم اللاتيني، أم العربي في ثقافته وقيمه (في أزمنة الافتراق والاختراق والاحتراق والتشظّي)؟ نعم يا صديقي، إن الأمر بحاجة إلى تحديد النسق الثقافي السائد في كل مجتمع، فثقافة الإنسان الصيني، على سبيل المثال، ما زالت تمزج ما بين الفلسفة والتصوف، بخلاف الغربي والإفريقي، وفي ثقاتنا العربية وموروثنا الشعبي والروحي، نجد أن من طيبات الحياة عناصر السعادة والرضا والقناعة والحياة المديدة والصحية، واعتبار «العدل أساس الملك»، والتحرر من الفقر والخوف في الحاضر والمستقبل، والتماسك الأسري والمجتمعي، والأمان الاجتماعي، والحرية «المسؤولة» والتعليم وطلبه حتى لو كان في آخر الأرض (الصين)، وغير ذلك من مصادر الرفاهية، والمستوى اللائق والكريم من العيش.
يُصر صاحبي على طرح أسئلة أخرى تكدِّر صفو الصائم، ويسأل عن غياب التنمية الرشيدة والحكمة السياسية الفريدة، وعن ضرورات البيئة النظيفة، وكبح جماح تغوّل الأسواق الطليقة، وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية الفاعلة في اتخاذ القرارات المتعلقة بإقامة حكم صالح ورشيد في عالمنا العربي، وبناء القدرات الذاتية العربية، وضمان تقاسم العرب لنوائبهم، وعودة الابن الضال (التكامل العربي) إلى قاموس العقل والفعل الاستراتيجي العربي.
صاحبي يواصل التساؤل والإجابة، في طيِّبات الحياة عند عرب اليوم، ويقول: كم خسرت حياتنا حينما غابت ثقافة النقد وشجاعة المراجعة لمفاهيم وأفكار وتجارب أسهمت في تناطحنا وتخلفنا التنموي، وعمانا السياسي، وفقرنا المعرفي.
من طيبات الحياة يا صديقي، الاطمئنان إلى المستقبل، المتحرر من التمييز والعنف والفساد والكراهية والجشع واللامبالاة.
ومن طيباتها يا صديقي، اختيار قيم سامية إنسانية تتحدى محورية الأنانية فينا، ولعلنا بحاجة إلى الأسطورة (كما تقول كارين أرمسترونج) لكي تساعدنا على تثمين الأرض (الوطن) من جديد، كشيء مقدس، بدلاً من استعمالها كمورد.
هذا أساسي وضروري في عصرنا، وما لم يكن هناك ثورة روحية – ثقافية مواكبة لعبقرية (الإنسان) التكنولوجية، فلن نستطيع إنقاذ كوكبنا، وتحقيق طيّبات حياتنا.
عن الخليج الإماراتية