أمد/
تطرح القرارات الجديدة لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية السيد محمود عباس (ابومازن) باصدار عفو عام عن كل الذين صدرت بحقهم قرارات فصل تنظيمية وإبعاد، عن إطارات حركة فتح ومنظمة التحرير وإعادة المفصولين والمستنكفين الى صفوف فتح، وتعيين نائب لرئيس السلطة الفلسطينية ونائب لرئيس منظمة التحرير، والاعلان عن الحاجة الى دماء جديدة في حركة فتح، يطرح هذا الإعلان سلسلة من الأسئلة والإشكالات والتحديات.
ان إعادة بناء البيت الفلسطيني عامة والفتحاوي خاصة، بعد سقوط البعثين في سورية والعراق، وتفرعاتهما الفلسطينية من فصائل مختلفة، وضمور اليسار الفلسطيني، جعل من إعادة ترميم منظمة التحرير وحركة فتح حاجة فلسطينية وعربية ودولية
وعلى الرغم من ان قرارات ابو مازن كانت بدايةً، هي رسالة إلى العرب التي اجتمعت دولهم في مؤتمر القمة في القاهرة، تقول أنني سأقوم باصلاح منظمة التحرير وحركة فتح، على الرغم من ذلك، يعتقد العارفون بما يجري في الكواليس الفلسطينية ان ما اُعلِنَ ليس نتاجا لمزاج ابو مازن او خياره فقط، بل هي مطالب ونصائح عربية ودولية قد وصلت حدود الاملاءات!، فدول العرب المعنية بالقضية الفلسطينية وعلى راسها ؛ السعودية ومصر والأردن، وتاليا دولة الامارات العربية وقطر، لم يعد لديها مصلحة لا بترك راية فلسطين بيد إيران من جهة اولى، ولا بترك نتنياهو على هواه يفعل ما يحلو له، خاصة ان مشروع اليمين الصهيوني قد بلغ من النزعة التوسعية العدوانية، درجة اصبحت تهدد امن المجتمعات العربية وسيادة اراضيها في الأردن ومصر وحتى السعودية، و َتبَيِّن بالملموس، ان توقيع معاهدات سلام بين مصر والاردن من جهة اولى واسرائيل من جهة ثانية، كما تطبيع علاقات دولة الامارات العربية و إمارة قطر و مملكة البحرين، مع كيان العدو لم يحد من الصلف الاسرائيلي والتصعيد المتراكم لعدوانية الكيان ومخططاته التوسعية على كل صعيد وفي كل ساحة او كيان.
يعتقد العارفون بما يجري في الكواليس الفلسطينية ان ما اُعلِنَ ليس نتاجا لمزاج ابو مازن او خياره فقط، بل هي مطالب ونصائح عربية ودولية قد وصلت حدود الاملاءات!
ولذلك فان إعادة بناء البيت الفلسطيني عامة والفتحاوي خاصة، بعد سقوط البعثين في سورية والعراق، وتفرعاتهما الفلسطينية من فصائل مختلفة، وضمور اليسار الفلسطيني، جعل من إعادة ترميم منظمة التحرير وحركة فتح حاجة فلسطينية وعربية ودولية.
إضافة لكل ما تقدم فقد فرضت نتائج وتداعيات معركة “طوفان الأقصى” والرفض الدولي والإسرائيلي والعربي لبقاء حماس كسلطة في غزة، فرضت البحث عن إدارة فلسطينية بديلة لها، وتتمتع بشرعية وفاعلية للاشراف والمواكبة والمساعدة على تنفيذ الخطة المصرية التي تبنتها القمة العربية في القاهرة لإعمار غزة، وإنطلاقا من هذه الخطة تصبح الحاجة لترتيب البيت الفلسطيني ملحة وضرورية لتحقيق هذه المهمة، وتبني تنفيذها، وتتبدى مطلوبة من أطراف عديدة عربية واقليمية ودولية.
والاسئلة المطروحة في هذا المجال عديدة ومتنوعة اولها؛ هل تقتصر عملية اعادة الترتيب على اجراءات ادارية تعيد إدماج كوادر وقيادات جرى فصلها او تهميشها سابقا بسبب خلافات متعددة، وبتواريخ متباعدة!؟
فرضت نتائج وتداعيات معركة “طوفان الأقصى” والرفض الدولي والإسرائيلي والعربي لبقاء حماس كسلطة في غزة، فرضت البحث عن إدارة فلسطينية بديلة لها، وتتمتع بشرعية وفاعلية للاشراف والمواكبة والمساعدة على تنفيذ الخطة المصرية التي تبنتها القمة العربية في القاهرة لإعمار غزة
قد يذكر في هذا المجال السيد محمد دحلان وسمير المشهراوي وغيرهم ممن يطلقون على مجموعتهم التيار الاصلاحي، والذي يتمتع بامكانيات مالية و اطارات عمل ونشاط في مخيمات لبنان والضفة الغربية وقطاع غزة، وقد جرى لقاء اوليا بين ياسر عباس ( ابن ابو مازن) و سمير المشهراوي لبحث آلية وظروف العودة الى العمل معاً.
إقرأ أيضا: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: بين خطب الكراهية ونهضة الوطن
لكن المنتظر ان لا تقتصر عملية ترتيب البيت الفتحاوي على استعادة تيار محمد دحلان الى صفوف فتح، بل سيكون ضروريا استعادة وتفعيل نشاط قيادات فتحاوية اخرى ك ناصر القدوة ونبيل عمرو، ومجموعة من الكوادر، التي كانت في الثمانينات في الكتيبة الطلابية لحركة فتح وانتظمت لاحقا في كتيبة الجرمق ومن رموزها معين الطاهر وحسن صالح وغيرهم، ومن الممكن ان تترافق اعادة البناء هذه، مع تفعيل عمل كوادر اخرى، من مراتب مختلفة في المجلس الثوري او اللجنة المركزية، مازالوا في اطار الحركة ولم يتركوها، لكن ادوارهم تقلصت واصبحت خارج الفعالية المطلوبة كعضوي اللجنة المركزية للحركة جبريل الرجوب ومسؤول المخابرات العامة السابق توفيق الطيراوي، ومجموعة من الكوادر التي ارتبطت سابقا بالعمل مع الشهيد خليل الوزير ابوجهاد، والقطاع الغربي، او شخصيات من فلسطينيي لبنان وسورية كانت مساهماتهم في التجربة الفلسطينية جادة ومثمرة.
لكن اعادة ادماج كل هؤلاء وغيرهم لن يكون كافيا، فهذا الجيل من المناضلين الذي اكتسب خبرة طويلة ومراسا سياسيا قيما، قد بلغ من العمر اشده، ولا بد من رفده باجيال شابة جديدة، لا تمارس العمل القاعدي والنضالي فحسب، بل تمارس دورا قياديا ومشاركة في رسم الخيارات والتوجهات.
واذا كان ضروريا وضع خطه لتعيينات وتغيير مواقع في الأجهزة الامنيه واعادة المفصولين فإن اعادة الهيكلة المرتجاة تفترض رسم دائرة واسعة من التغيير لتكبير حجم المشاركة والفعالية بشكل جدي.
اماً بالنسبة لنائب الرئيس في منظمة التحرير فالمتوقع أن يكون حسين الشيخ، في حين يشغل محمود العلول منصب نائب رئيس حركة فتح، ويتردد في اوساط مطلعة ان يترك اللواء ماجد فرج قيادة المخابرات، ويعين في اللجنة المركزية لحركة فتح، على الرغم من قوة الروابط وأعمال التنسيق التي اقامها مع اجهزة أمنية عربية ودولية .
اما ثاني هذه الاسئلة فهو: هل تكفي اعادة الهيكلة الادارية و إجراء التشكيلات في الاجهزة الامنية والاطارات القيادية، لكي تعود حركة فتح ومنظمة التحرير الى لعب دورها الطليعي في قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، وفي جعلها قادرة على مواجهة التحديات التي يفرضها اليمين الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية واهدار الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني!؟. أم ان ذلك يحتاج الى رسم استراتيجية جديدة واساليب نضالية حديثة، وتحديد برامج ومهمات كفاحية مختلفة!؟
اذا كان ضروريا وضع خطه لتعيينات وتغيير مواقع في الأجهزة الامنيه واعادة المفصولين فإن اعادة الهيكلة المرتجاة تفترض رسم دائرة واسعة من التغيير لتكبير حجم المشاركة والفعالية بشكل جدي
عبر التاريخ الحديث، اتخذ النضال الفلسطيني اشكالا مختلفة وتطورت قضيته عبر مراحل وتحديات متراكمة، ومارست حركته الوطنية اساليب نضالية ووسائل كفاحية متنوعة، من التظاهرات والمواجهات الجماهيرية، الى الاضرابات العامة والاعتصامات المديدة، الى صيام المعتقلين والسجناء، الى ثورة اطفال الحجارة، الى العمليات الاستشهادية، والحرب الغوارية، وأساليب قتال حرب العصابات، والمواجهات العسكرية المسلحة الشاملة، وكانت خاتمة هذه التكتيكات وآخرها عملية طوفان الاقصى التي لم تنته تداعياتها لتاريخه.
هل تكفي اعادة الهيكلة الادارية و إجراء التشكيلات في الاجهزة الامنية والاطارات القيادية، لكي تعود حركة فتح ومنظمة التحرير الى لعب دورها الطليعي في قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية
اليوم تبرز الحاجة الى فعل تجديدي، اي انطلاقة فتحاوية ثالثة، طبعا ليس لاعادة اعتماد خيار الكفاح المسلح، الذي لم يعد ممكنا ومفيدا، وليس لاعادة انتاج الواقع الفصائلي الذي يجب دفنه، بل لاطلاق حركة وطنية فلسطينية تعيد تنسيق فعاليات سياسية ونضالية لكل الشعب الفلسطيني الذي تعددت فئاته نتيجة واقع التهجير والصراع واتفاقية اوسلو وانقلاب حركة حماس في غزة، بحيث تعود منظمة التحرير لتقود وتبرمج نضالات كل فئات الشعب الفلسطيني المختلفة، ببرامج مختلفة لكنها متكاملة، منفصلة بمسارات مستقلة، لكنها متلاقية ومتآلفة، فبرنامج إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، يتكامل مع برنامج المواطنة والعدالة والمساواة لعرب الداخل في حدود ال ٤٨ ، وبرنامج حشد طاقات سكان المخيمات في دول الطوق من اجل الحفاظ على تقديمات وخدمات وكالة غوث اللاجئين وعلى حقوقهم المدنية في اماكن لجوئهم ونضالاتهم السياسية من اجل حق العودة الى بيوتهم في وطنهم، يتلاقى ايضا مع برنامج تنظيم فعاليات الدياسبورا الفلسطينية، التي تحمل جنسيات دول الغرب واوروبا، والذي يمكنهم جواز سفر دولهم من السفر الى فلسطين المحتلة، ومد يد التواصل والاستثمار والتجارة والشراكة، والدعم المهني والاقتصادي التنموي مع عرب ال ٤٨ .
إقرأ أيضا: قراءة في الاحداث السورية: ماذا عن الفدرالية؟
فهل تستطيع حركة فتح ومعها منظمة التحرير الفلسطينية ان تؤطر مؤتمرا يجمع كل هؤلاء!؟، وان تستعيد الاتصال والتفاعل مع النخب الفلسطينية الاقتصادية والاكاديمية والفكرية الموجودة في كل انحاء العالم، والتي تمتلك قدرات ضغط وتأثير في مختلف دوائر القرار والاستراتيجيات في العالم